الولايات المتحدة

معضلة أميركا في ضرب نووي إيران

واشنطن- في خضم التصعيد العسكري والتوتر الإقليمي غير المسبوق الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط حاليا، تتساءل الدوائر الأميركية، الرسمية منها وغير الرسمية، عن أفضل السبل لمواجهة إيران، وكيف يمكن التعامل مع برنامجها النووي قبل أن تصنع قنابل أو رؤوسا نووية يمكن لها أن تغير خريطة المنطقة بصورة لا تريدها الولايات المتحدة، ولا حليفتها إسرائيل.

غير أن هذه الأسئلة ليست وليدة اليوم، إذ اطلعت الجزيرة نت على دراسة نشرها معهد بروكينغز، أحد أشهر المعاهد البحثية في واشنطن والعالم، عام 2009، قدم خلالها عدد من خبراء المعهد توصيات لإدارة الرئيس المنتخب آنذاك، باراك أوباما، تتضمن كيفية التعامل مع إيران، ومن بينها كيف يمكن للولايات المتحدة ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية بصورة مباشرة، أو مساعدة إسرائيل تسليحا واستخباراتيا للقيام بهذه المهمة إذا اقتضت الضرورة.

تقديرات استخبارية أميركية حذرت من أن إيران ستكون قادرة على تصنيع أسلحة نووية (رويترز)

سؤال مربك

يُطرح سؤال “ماذا يجب على الولايات المتحدة فعله حيال إيران؟” بسهولة. ولكن منذ ما يقرب من 40 عاما، تواجه واشنطن صعوبة في التوصل إلى إجابة جيدة. ولطالما مثلت إيران سلسلة مربكة بشكل خاص من التحديات للولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط.

ومنذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، يعتبر العديد من القادة الإيرانيين الولايات المتحدة أكبر عدو لهم لأسباب أيديولوجية وقومية وأمنية وتاريخية، في حين تؤمن النخبة الأميركية أن إيران تعمل باستمرار على تهديد المصالح والنفوذ الأميركي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ومن جانبها، استفادت إيران كثيرا من الأخطاء الأميركية والتورط العسكري المتهور بالمنطقة، والذي قادها إلى احتلال أفغانستان والعراق لما يقرب من عقدين من الزمان. وفي الوقت نفسه، تحذر تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية بشأن إيران منذ عام 2007 من أنه من المرجح أن تحصل طهران على القدرة على تصنيع أسلحة نووية في مرحلة ما من العقد التالي.

وفي أعقاب ضربة صاروخية إيرانية كبيرة على منشآت عسكرية واستخباراتية إسرائيلية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والتي شُنت ردا على غارة جوية إسرائيلية على طهران في 31 يوليو/تموز، زادت الإشارات إلى توقع بحدوث هجوم إسرائيلي جديد أكبر على إيران قريبا.

وقد صرح مسؤولون إسرائيليون بأنه يجري النظر في توجيه ضربات على المنشآت النووية الإيرانية ومنشآت إنتاج النفط وقطاعي الاتصالات والمصارف، وكذلك “الاغتيالات المستهدفة” لشخصيات رئيسية في قيادة البلاد، حيث هدد مسؤول أمني كبير بشكل مباشر باغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي.

ويتوقع خبراء أن يتم دعم أي هجوم من هذا القبيل من قبل الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من المعارضة العلنية التي خرجت على لسان الرئيس جو بايدن قبل أيام.

توكيل إسرائيل

دفع الاحتمال الذي يلوح في الأفق لمزيد من التصعيد في حرب إقليمية بالشرق الأوسط الخبراءَ إلى استدعاء بعض التقارير لفرضية أن المسار الحالي للتصعيد يعكس ما ورد في دراسة معهد بروكينغز، والتي كتبت لتقديم توصيات حول كيفية المحافظة على المصالح الأميركية في مواجهة إيران.

وركزت الدراسة على استخدام إسرائيل كوكيل فعال لمصالح الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما يسمح بالحفاظ على إنكار معقول عندما ترتكب هجمات مدانة دوليا ضد إيران، أي تدمير اقتصادها وبنيتها التحتية الرئيسية في الضربات التي تعتبر غير قانونية طبقا للقوانين الدولية.

والهدف من هذا الخيار السياسي هو تدمير المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية على أمل أن يؤدي ذلك إلى تأخير كبير في حصول إيران على إنتاج أسلحة نووية. ومع ذلك، في هذه الحالة، يمكن أن يكون العنصر الأسهل لواشنطن هو تشجيع وحث، وربما مساعدة الإسرائيليين على تنفيذ الضربات بأنفسهم، على أمل أن يتم تحويل كل من النقد الدولي والانتقام الإيراني بعيدا عن الولايات المتحدة.

وإيران مدرجة منذ عقود، في كل إستراتيجيات الأمن القومي الأميركي، كواحدة من 4 قوى منافسة للولايات المتحدة إلى جانب الصين وروسيا وكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن قدراتها العسكرية هي الأكثر محدودية بين الدول الأربع، إلا أنها لا تزال تعتبر من بين الأكثر تقدما في الشق العسكري بالشرق الأوسط ولا ينافسها سوى قدرات إسرائيل.

ومع تلقي إيران كميات متزايدة من الاستثمارات الصينية، وانضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة بكين، ومبادرة الحزام والطريق وبريكس، فإن تنميتها الاقتصادية بشكل مستقل عن العالم الغربي، وتطوير صناعة عسكرية محلية خاصة بها، ينظر إليها على أنها تحديات كبيرة للمصالح الغربية.

وقد نجحت إيران في تكوين شبكة من الحلفاء الإقليميين داخل لبنان والعراق واليمن وغزة، حيث كانت الجهة الفاعلة الإقليمية الوحيدة التي تدعم الجماعات شبه العسكرية المعارضة للمصالح الأميركية والهيمنة الإسرائيلية. ومنذ بدء الحرب الأوكرانية، تمد إيران روسيا بآلاف الطائرات المسيرة، ومئات الصواريخ الباليستية، وهو ما عرضها للمزيد من العقوبات الغربية والأميركية.

بدائل مكلفة

كتب دراسة بروكينغز 6 باحثين، هم كينيث بولاك وسوزان مالوني ودانيال بايمان ومايكل أوهانلون ومارتن إنديك وبروس ريدل، وصدرت في كتاب نشره المعهد لاحقا.

وعمل كل هؤلاء في مناصب حكومية رفيعة في عدد من الإدارات الأميركية بوزارتي الخارجية والدفاع والاستخبارات والبيت الأبيض، وما زال يعمل بعضهم حتى اليوم في عدد من المعاهد البحثية المرموقة بواشنطن، في حين توفي قبل أشهر مارتن إنديك أحد المشاركين بالدراسة.

وقال الخبراء في مقدمة الدراسة عن أنفسهم “بيننا حوالي 120 عاما من الخبرة في العمل على إيران داخل الحكومة الأميركية وخارجها”.

وتقول الدراسة -التي عرضت ما يصل إلى 9 سيناريوهات- في مقدمتها “إذا استيقظت هذا الصباح متسائلا عن أفضل طريقة لمهاجمة إيران، فإن هذا الكتاب يقدم الإجابة”. وتطرقت لعدة سيناريوهات، أربعة منها أكثر إثارة من غيرها، وتتضمن توجيه ضربات أميركية مباشرة للبنية التحتية النووية، أو تقديم كل مساعدة ممكنة لإسرائيل للقيام بالهجمات، أو غزو إيران واحتلال طهران وتغيير النظام، أو المساعدة على وقوع انقلاب عسكري داخل الجيش الإيراني.

وتكشف أن من شأن الغزو أن يكبد واشنطن تكاليف باهظة، حتى الضربة الجوية الأميركية المباشرة ستؤخر برنامج إيران النووي لمدة لا تزيد على عام أو عامين ويمكن أن تشعل المنطقة برد إيراني متهور. ومن شأن هجوم إسرائيلي أن ينطوي على نفس المخاطر، مع فرصة أقل للنجاح.

ولم يستمع أوباما للسيناريوهات تجاه إيران. وبدلا من ذلك، ركزت إدارته على ما تعتبره الدراسة مزيجا من الإقناع والتهديدات والوعود. ونجح الرئيس في التوصل لاتفاق دبلوماسي مع إيران حول برنامجها النووي بمشاركة 5 دول كبرى هي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين عام 2015.

لكن هذا البديل الدبلوماسي فشل على يد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق عام 2019، وفرض المزيد من العقوبات ضد إيران.

واليوم، وعلى مدى أكثر من 4 عقود، وتحديدا منذ نجاح الثورة في إيران عام 1979، لم تتمكن واشنطن من احتواء إيران، ولم تجد إجابة عن السؤال “ما هو الطريق إلى بلاد فارس؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى