قمة الناتو.. تسليح أوكرانيا ومواجهة روسيا والصين
واشنطن– نجحت قمة واشنطن في إظهار وحدة أكبر بين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبعثت -في الوقت ذاته- رسائل حادة وجادة إلى روسيا والصين.
ورغم سيطرة قضية قدرات الرئيس جو بايدن الذهنية على همسات المشاركين، كان النقاش حول القضايا التقليدية العالقة والتحديات أمام دول الحلف هو الشاغل الأكبر للعديد من الدول التي تدرك أنه يجب التعامل مع نتائج الانتخابات الأميركية مهما كانت.
وعلى مدار 3 أيام، احتشد ممثلو أكبر تحالف عسكري عالمي -والمكون من 32 بلدا- للاحتفال بالذكرى الـ75 لتأسيسه. ورغم أنها ليست عضوا بالحلف، سرقت أوكرانيا الأضواء.
وخلال أيام القمة، ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطابا واحدا على الأقل يوميا، والتقى نظيره الأميركي، وكرر مطالبه بضرورة استمرار الحلف في دعم وتسليح بلاده.
عضوية أوكرانيا
ووافق الناتو على صياغة، في إعلانه النهائي، تعلن أن دخول أوكرانيا عضوية الحلف “لا رجعة فيها” لكنه لم يحدد إطارا زمنيا لذلك.
غير أنه وفي الوقت ذاته، تقول خبيرة الشؤون الأوروبية بالمجلس الأطلسي للأبحاث راشيل ريزو “بالنسبة لمنظمة قائمة على الإجماع، لا تزال هناك أسئلة رئيسية حول المدة والمتطلبات، وماذا سيحدث من الآن وحتى نيل أوكرانيا عضويتها، والتي قد تكون بعد عقود من الزمان”.
كما أعلن الناتو عزمه تقديم 43 مليار دولار إضافية من المساعدات العسكرية العام المقبل، وأشار إلى بدء نقل طائرات مقاتلة من طراز “إف-16” (F-16) إلى أوكرانيا، إضافة لإرسال العشرات من أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك 4 أنظمة صواريخ “باتريوت”.
غير أن البيان الختامي غاب عنه أي إعلان حول استعداد واشنطن لتخفيف القيود المفروضة على كيفية استخدام الأوكرانيين للأسلحة التي توفرها لهم. ويبدو أن البعض محبط لأن أوكرانيا لا تستطيع أن تضرب في عمق روسيا.
وعلى الرغم من أن كييف لم تحصل على كل ما تريده لا سيما عضوية الحلف، عبّر الرئيس الأوكراني عن سعادته بما حصلت عليه بلاده. وقال مستشاره “نحن راضون عن نتيجة قمة واشنطن. لغة الوثيقة قوية حقا. خطا التحالف خطوات حقيقية إلى الأمام.. المحطة التالية هي أن تتلقى أوكرانيا الدعوة للعضوية”.
المخاوف من روسيا والصين
تدفع الحرب الروسية المستمرة ضد أوكرانيا إلى تذكير أوروبا بأهمية حلف “الناتو” ويدفع ذلك بدوره لجعل تعزيز الدفاعات الشرقية للحلف أولوية قصوى، وهو ما تشدد عليه واشنطن.
ويهدف الحلف إلى مضاعفة نشر قوات الناتو في المنطقة، والتي يبلغ عددها حاليا حوالي 40 ألف جندي، وتحديث البنية التحتية للدول الأعضاء بما في ذلك خطوط السكك الحديدية والطرق الحيوية، وضمان قدرات الاستجابة السريعة، والاستعداد للرد على أي عدوان روسي مستقبلي.
وكان من اللافت اتخاذ الولايات المتحدة وألمانيا خطوة أخرى اعتبرتها روسيا تصعيدية، إذ اتفقتا على وضع المزيد من الصواريخ بعيدة المدى وصواريخ اعتراضية من طراز “توماهوك” وغيرها، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، قيد التطوير، بدءا من عام 2026.
وفي بيان القمة النهائي، أدان أعضاء “الناتو” السياسة الصينية تجاه حرب أوكرانيا، واتهموا بكين بتمكين موسكو من الاستمرار في الحرب عن طريق المعاملات التجارية الضخمة، التي تشمل معدات وتكنولوجيا ومواد يمكن استخدامها لدعم الجهد العسكري الروسي.
وقال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تقرير إن الصين “باعت إلى روسيا ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من أشباه الموصلات والرقائق ومعدات الملاحة وقطع غيار الطائرات المقاتلة ومكونات أخرى”.
لكن مراقبين يعتقدون أن بيان “الناتو” لا يزال مهما بالنظر إلى أن الحلفاء الأوروبيين كانوا مترددين في المخاطرة بالعلاقات التجارية مع بكين، وبطيئين في قبول التهديد الذي تشكله طموحات القيادة الصينية.
ويؤكد البيان أيضا أن التهديدات الحالية عالمية وأن ما يحدث في أوروبا لا يمكن عزله عن منطقة المحيطين الهندي والأطلسي، التي شددت القمة على أنها ذات أهمية متزايدة للأمن الدولي.
وسائل غير تقليدية
تضمن نقاش قمة واشنطن تركيز كبيرا على ساحات التسليح غير العسكري في صورتها التقليدية. وشارك في النقاش الكثير من خبراء قطاعات التكنولوجيا المختلفة لخدمة هدف دمج التقنيات المتطورة مثل المركبات غير المأهولة والذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، في البنية الدفاعية لحلف “الناتو”.
ومن المعضلات في هذا الصدد ما يتعلق بالإطار الأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي، والبحث عن معايير مناسبة حول حوكمته.
من ناحيتها، اعتبرت الخبيرة السياسية في مؤسسة “راند” آن ماري دايلي أن “إحدى الفرص الرئيسية الضائعة هي غياب أميركا اللاتينية في القسم الذي يحدد خطة عمل جديدة للجوار الجنوبي لحلف الناتو، خاصة وأن الصين وروسيا تقومان بحملات تضليل نشطة وحملات استثمارية خبيثة في أميركا الجنوبية”.
ولكن -تقول دايلي- على عكس أفريقيا والشرق الأوسط، لا تزال أميركا اللاتينية مستقرة نسبيا، ولديها إمكانات تعاون اقتصادي وسياسي كبيرة مع حلفاء “الناتو”.