الولايات المتحدة

ضمير يستيقظ بأروقة خارجية أميركا.. حكاية مسؤولة اختارت الاستقالة على الصمت

اتخذت قرارا شكل تحولا لافتا في مسيرتها المهنية، حيث أعلنت أنيل شيلين، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية استقالتها من منصبها احتجاجًا على دعم بلادها لإسرائيل خلال الحرب على قطاع غزة.

وتحدثت شيلين، في مقابلة مع برنامج “المنشقون” (يمكن مشاهدتها كاملة عبر هذا الرابط)، عن تداعيات هذه الخطوة على حياتها المهنية والشخصية، مؤكدة أن قراراتها جاءت نتيجة لقناعات راسخة ضد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط.

فبعد سنوات من الطموح والعمل الدؤوب في وزارة الخارجية الأميركية، قررت أنيل شيلين الاستقالة احتجاجًا على ما وصفته بسياسة “العقاب الجماعي” التي اتبعتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي دعمتها الولايات المتحدة بلا تردد.

وقالت أنيل: “كان من الواضح لنا منذ اللحظات الأولى أن الحكومة الإسرائيلية تمضي في رد عنيف غير مسبوق تجاه الفلسطينيين، ورغم تحذيرات عدة داخل الوزارة، استمرت الإدارة الأميركية في دعمها اللامحدود لهذا النهج”.

تحدثت شيلين عن التوتر الذي ساد داخل مكاتب الخارجية الأميركية مع تصاعد الأزمة، مؤكدة أن زملاءها كانوا يشعرون بقلق بالغ حيال تداعيات هذه السياسة على مستوى الساحة الدولية.

وأضافت: “بالرغم من الجهود الحثيثة للتأثير على مواقف الإدارة، كان هناك تجاهل تام لأي دعوات لتعديل السياسات أو على الأقل لتقييم خطورة ما يجري في غزة”.

 

علاقة سابقة

لم تكن علاقة شيلين بالشرق الأوسط وليدة التطورات الأخيرة، فأول انفتاح لها على المنطقة كان في سن مبكرة حين وقعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وعلى عكس الرأي العام آنذاك، نشطت ضد الإسلاموفوبيا وضد الحرب على العراق، ما قادها إلى علاقة أوثق مع العالم العربي.

وتحدثت في المقابلة عن تأثير تلك الأحداث على حياتها، قائلة: “كنت أشعر بالغضب تجاه العنصرية والعداء الموجهين ضد العرب والمسلمين في أميركا بعد هجمات سبتمبر. هذه التجربة كانت الدافع الأساسي لاختياري دراسة حل النزاعات”.

وزارت شيلين العديد من الدول العربية مثل مصر واليمن وسوريا والأردن، واكتسبت فهمًا عميقًا للمنطقة وثقافتها، مشيرة إلى أن تلك التجربة عززت من قناعتها بأن سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط تحتاج إلى مراجعة جذرية.

وعندما انطلقت الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت أنيل تعمل في مكتب وزارة الخارجية المسؤول عن تعزيز حقوق الإنسان.

وتحدثت عن الصدمة التي أصابت زملاءها بعد هجوم إسرائيل الكاسح، وقالت: “كانت اللحظات الأولى مليئة بالدهشة، ولكن سرعان ما أصبح واضحًا أن الرد الإسرائيلي يستند إلى سياسة العقاب الجماعي”.

وأكدت شيلين أنها وزملاءها لاحظوا بوضوح استهزاء المسؤولين الإسرائيليين بمعاناة الفلسطينيين، حيث سخروا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من سكان غزة بسبب انقطاع الكهرباء والمياه.

مخيب للآمال

وأضافت: “كان ذلك مؤلمًا جدًا ومخيبًا للآمال، خاصة عندما رأينا الحكومة الأميركية تقف خلف هذه الانتهاكات دون أي محاولة لتغيير مسار الحرب أو حماية المدنيين”.

ورغم أن أنيل شيلين لم تكن الوحيدة داخل وزارة الخارجية التي انتقدت الموقف الأميركي، فإنها كانت من القلائل الذين اتخذوا موقفًا علنيًا، وتحدثت عن محاولات عديدة لتحذير الإدارة الأميركية من التداعيات الكارثية لدعم إسرائيل بلا شروط، ولكن هذه التحذيرات قوبلت بالتجاهل.

وترى أنيل أن الديمقراطيين والجمهوريين متفقون على دعم إسرائيل بشكل مطلق، وهذا ما يعزز لديها الشعور بالخيبة العميقة، وأشارت إلى أنه كلما تحدثت مع زملائها في الوزارة، كانوا يدركون أن هذه السياسات ستؤدي إلى المزيد من التصعيد والكوارث الإنسانية، لكن الإدارة كانت مصممة على الاستمرار.

وقبل استقالتها، شاركت شيلين في عدة تحركات داخل الوزارة، حيث وقعت على مذكرتي احتجاج وشاركت في صياغة ثالثة. كما شاركت في مظاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني مع موظفين آخرين من الوزارة والكونغرس والإدارة التنفيذية.

ومع استمرار الحرب وتصاعد عدد الضحايا المدنيين في غزة، شعرت شيلين بأنها لم تعد تستطيع التزام الصمت. وقالت: “قررت أن أضع حدًا لمساهمتي في هذا الظلم. كانت تلك اللحظة صعبة للغاية، لكنني كنت واثقة أنني أقوم بما هو صحيح”.

وأرسلت شيلين رسالة استقالة داخلية توضح فيها أسباب قرارها، مؤكدة أن دعم حكومتها لإسرائيل في هذه الحرب يمثل “تواطؤًا في جرائم ضد الإنسانية”، لكنها تفاجأت بردود فعل زملائها الذين أبدوا دعمًا لها رغم عدم قدرتهم على اتخاذ خطوة مماثلة.

دعم ومساندة

وفي هذا السياق، قالت شيلين إنها شعرت بالراحة بعد الاستقالة، خاصة وأنها وجدت من يشاطرها نفس القلق، كما أنها تفاجأت بتلقي الكثير من الدعم والمساندة بخلاف ما توقعته من أن تلقى الكثير من الكراهية والنقد والهجوم في مواقع التواصل.

وترى شيلين أن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود من الزمن، حيث تتواطأ إدارات متعاقبة على تعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية على حساب حقوق الإنسان.

وقالت: “يجب أن يتحمل كل من الديمقراطيين والجمهوريين المسؤولية عن هذه السياسات المروعة، فالولايات المتحدة لم تكن يومًا طرفًا نزيهًا في المنطقة”، مشددة على أن دعم إسرائيل بلا محاسبة لا يعكس فقط فشلًا أخلاقيًا، بل يؤجج الصراعات ويزيد من معاناة الشعوب.

وفي رسالة وجهتها للمشاهد العربي، قالت شيلين: “أنا آسفة جدا.. أعتقد أن الولايات المتحدة مسؤولة بشكل كبير عن العنف والألم في المنطقة”.

وأضافت بأنها كانت تريد أن تقدم نموذجا ومثالا لأميركي قضى وقتا في المنطقة العربية لتبين لأهلها أنه ليس كل الأميركيين يوافقون على سياسات حكومتهم المريعة، وأن هناك أملا بأن تتحسن السياسة الأميركية في وقت ما في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى