صحف أميركية: أميركا بحاجة إلى مزيد من الرؤساء أمثال كارتر
نعت صحف الولايات المتحدة الرئيس الأميركي الراحل جيمي كارتر الذي توفي أمس الاثنين عن عمر ناهز 100 عام، وتناولت مسيرته الحافلة في العمل السياسي إبان توليه السلطة بين عامي 1977 و1981، وأنشطته الخيرية بعد خروجه من البيت الأبيض.
وتوفي كارتر -الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2002- في منزله بمسقط رأسه بولاية جورجيا (جنوب شرق) بحسب ما أعلنت منظمته الخيرية، في نبأ أثار سيلا من ردود الفعل التي ثمّنت إرثه الكبير.
وأشادت كبريات الصحف الأميركية بالرئيس الراحل ووصفته بأنه رجل مبادئ وصاحب رؤية في السياسة الخارجية، وإنجازاته العديدة، مشيرة إلى أن حياته منذ أن كان مزارعا ثم رجل أعمال وضابطا في البحرية، تقدم دروسا لا حصر لها للقادة في كل مكان.
أحد أعظم رؤساء أميركا
وقد وصفته هيئة تحرير “نيويورك تايمز” بأنه كان رئيسا عاديا ولم يكن متميزا بتلك الدرجة، ومع ذلك فقد أثنت عليه باعتباره “أحد أعظم الرؤساء الأميركيين السابقين”، لا لشيء إلا لأنه وظّف ما تبقى من نجوميته كرئيس سابق لمساعدة من تولوا السلطة بعده. وبلاده من وضعه كصانع سلام، ودبلوماسي خلف الكواليس، وبطل لحقوق الإنسان، ومراقب للانتخابات الحرة، ومدافع عن المشردين، بينما كان يجد الوقت لنظم الشعر. كما كان يعد مثالا للقيم الدينية التقليدية.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أوضحت أن كارتر غامر بالكثير من أجل تحقيق “أهم انتصاراته بكل المقاييس”، وهي اتفاقية كامب ديفيد، التي وافقت فيها مصر وإسرائيل على صنع السلام. وما كان للاتفاق أن يتم لولا إدارة السيد كارتر الدؤوبة واليومية للمفاوضات، على حد تعبيرها.
وذكرت أن كارتر حاز على جائزة نوبل للسلام عن مساهمته في اتفاقية كامب ديفيد، التي مهدت الطريق للسلام بين إسرائيل ومصر، وكذلك لالتزامه بحقوق الإنسان وعمله في مكافحة الأمراض الاستوائية وتعزيز الديمقراطية في كل مكان.
وقالت إنه كان رجلا منضبطا تحلى بالنزاهة والقيم الراسخة، والتصميم، وإن أميركا بحاجة إلى مزيد من الرؤساء أمثاله. ورغم إسباغها كل هذا الثناء عليه، فإن نيويورك تايمز لم تغفل ذكر إخفاقاته وخيبات أمله. وقد ذهبت بعضها إلى حد وصفه بأنه كان زعيما ضعيفا.
محور تغيير
واعتبرت مجلة “فورين بوليسي”، في مقال لكاتب العمود مايكل هيرش، أن جيمي كارتر كان عنصر تغيير محوريا حقيقيا في الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي السابق.
لكن الكاتب قال إن التاريخ سيذكره على أنه كان زعيما “ضعيفا” إلى حد ما، حيث “كان يعظ الناس بسذاجة” حول حقوق الإنسان، و”يأسف” لنقص موارد الطاقة، “كما أنه طُرد عمليًا من البيت الأبيض بسبب أزمة الرهائن” الأميركيين الذين ظلوا قيد الحجز في إيران لمدة 444 يوما.
ويعتقد هيرش أن كارتر كان له الفضل الكبير في تغيير طابع الحرب الباردة، إذ مهّد الطريق لانهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف. وقد فعل كارتر ذلك بمزيج من القوة الناعمة والصلبة في آن واحد، وذلك على الرغم من أن كثيرين يرجعون هذا الإنجاز، “ظلما”، إلى خلفه الرئيس رونالد ريغان.
وفي نعي آخر بنفس المجلة، كتب المحلل السياسي جوناثان ألتر أن كارتر كان ضحية عصره، فقد تولى الرئاسة خلال فترة من الركود التضخمي والانحراف، بعد انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام عام 1975 مباشرة. ووصف الانسحاب بأنه “كارثة” في السياسة الخارجية، كانت -في المقام الأول- من صنع الرئيس الديمقراطي السابق ليندون جونسون.
تبسيط مخل
وفي افتتاحية لهيئة تحريرها، رأت صحيفة “واشنطن بوست” أن الاعتقاد بوجود فجوة كبيرة بين رئاسة كارتر التي لم تدم سوى ولاية واحدة، وبين الفترة التي أعقبت خروجه من البيت الأبيض لا يعدو أن يكون تبسيطا مخلا بعض الشيء.
واعتبرت أن إفراج إيران عن 52 رهينة كانت تحتجزهم، وتزامن ذلك مع انتهاء رئاسة كارتر، كان بمثابة “الإهانة الأخيرة” له في منصبه، وهو ما جعل شريحة لا بأس بها من الرأي العام تعد فترة رئاسته فاشلة.
ولفتت إلى أنه كان “رجلا معقدا، إلا أنه كان ثابتا في مبادئه التي كانت نابعة من معتقداته الدينية” المسيحية، ربما أكثر من أي رئيس أميركي معاصر آخر.
وفي مقال آخر بالصحيفة ذاتها، كتب ستيوارت إيزنستات -الذي كان كبير مستشاري السياسة الداخلية في البيت الأبيض في ولاية جيمي كارتر- أن التاريخ ينظر إلى إرث كارتر وإنجازاته العديدة نظرة خاطئة، على الرغم من أنها كانت أكثر شمولا وأطول أمدا من إنجازات معظم الرؤساء المعاصرين.
وقال إن الاعتقاد الشائع أن جيمي كارتر كان فاشلا كرئيس، ولم يعوضه سوى عمله الخيري وجهوده لتعزيز الديمقراطية في سنوات ما بعد رئاسته، معتبرا ذلك خطأ بيّنا.
إصلاحات أخلاقية
وأضاف أن كارتر ساعد في استعادة الثقة في الرئاسة من خلال إصلاحات أخلاقية أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى. كما جمعت سياسته تجاه الاتحاد السوفياتي بين القوة الناعمة والقوة الصلبة.
ورغم كل تلك التحديات، ترك كارتر إرثا إيجابيا أصبحت ثماره أينع مع مرور الزمن، حسب قوله.
وفي مقال ثالث في واشنطن بوست، يرى كاتب العمود جورج ويل أن قدر جيمي كارتر “البائس” أن تكون شخصيته مشتقة من شخصيتين؛ فقد كان بمثابة رد فعل مخالف للرئيس ريتشارد نيكسون الذي سبقه، وممهدا لظهور رونالد ريغان الذي خلفه في المنصب، جاعلا منه رئيسا اقتضته الضرورة.
توازن دقيق
أما مستشاره السابق للأمن القومي توماس دونيلون فقد كتب مقالا في مجلة “فورين أفيرز”، ينعى فيه رئيسه وجاء فيه أن كارتر حقق توازنا دقيقا للحفاظ على السلام بين الصين وتايوان، ووضع الأساس لمرحلة حاسمة من منافسة الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي. وقد أثبتت هذه اللبنات صمودها، حيث يواصل صناع السياسة اليوم الوقوف على الأساس الذي بناه.
ووفقا له، فقد كان الاقتصاد الأميركي في ذلك الوقت يعاني، وكانت إيران تندفع نحو الثورة، وكانت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي تقترب. ومع ذلك -يقول دونيلون- ترك كارتر كل شيء ليقضي 13 يوما في كامب ديفيد. “وهناك، استخدم كل الأدوات المتاحة” لدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات للتوصل إلى اتفاق. وفي سبيل ذلك، حاول “لي ذراعيهما”، مهددا إسرائيل ومصر بفقدان المعونة الأميركية.