الولايات المتحدة

حرائق لوس أنجلوس.. خسائر تاريخية وقطاع تأمين في مهب الريح

تسببت الحرائق المستعرة في جنوب كاليفورنيا في دمار واسع النطاق في منطقة لطالما كانت تدرك مدى تعرضها للكوارث الطبيعية.

ومع احتراق أحياء مثل “باسيفيك باليسيدز” وغيرها من المناطق عالية المخاطر، فقد تم تهجير أكثر من 180 ألف شخص، وفقد عشرة أشخاص حياتهم، وتعرضت أكثر من 57 منشأة لدمار كبير وفقا لما ذكرته وكالة بلومبيرغ.

صحيفة إيكونوميست قالت أن هذه الحرائق ليست مجرد مأساة إنسانية، بل أزمة اقتصادية عميقة تكشف هشاشة سوق التأمين في كاليفورنيا، وتثير القلق بشأن التكاليف المتصاعدة للكوارث المرتبطة بالمناخ.

الأكثر تكلفة في تاريخ أميركا

حتى العاشر من يناير/كانون الثاني، قُدرت الأضرار الاقتصادية الأولية المباشرة الناتجة عن هذه الحرائق بأكثر من 50 مليار دولار، مع توقع أن يغطي التأمين منها نحو 20 مليار دولار فقط، وفقًا لتقديرات جي بي مورغان.

هذه الأرقام تجعل هذه الحرائق واحدة من أكثر الحرائق تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، وقد تعرض حي “باسيفيك باليسيدز”، الذي يبلغ متوسط أسعار المنازل فيه 4 ملايين دولار، للدمار الأكبر.

أما “حريق إيتون” في الشمال، فلا يزال يهدد المناطق الأقل ثراءً، وهو ما يُبرز الطبيعة المتنوعة والعشوائية لهذه الكارثة.

وأشار تقرير صادر عن شركة “أكيو ويذر” الأميركية لخدمات التنبؤ بالطقس إلى أن إجمالي الخسائر قد يتراوح بين 135 و150 مليار دولار، مما يعكس التأثير الكبير على منطقة تحتوي على بعض أغلى العقارات في الولايات المتحدة.

وتعد هذه الحرائق أسوأ حرائق غابات في تاريخ لوس أنجلوس، وقال عنها الرئيس الأميركي جو بايدن إنها “أكبر حرائق الغابات وأكثرها تدميرا في تاريخ كاليفورنيا”، مؤكدا أن “التغير المناخي حقيقة واقعة”.

وعقد بايدن -الذي أعلن حالة كوارث كبرى في كاليفورنيا- اجتماعات مع كبار المسؤولين لبحث الاستجابة الاتحادية.

سوق التأمين في عين الجحيم

وكشفت الحرائق عن أوجه قصور كبيرة في سوق التأمين في كاليفورنيا، الذي يكافح للتكيف مع التزايد المستمر في حدة وتكرار الحرائق بسبب تغير المناخ بحسب الإيكونوميست.

حيث قلص سبعة من أكبر 12 شركة تأمين وجودهم في الولاية خلال السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، توقفت شركة أولستيت عن بيع البوليصات التأمينية الجديدة تمامًا في عام 2022، بينما ألغت شركة ستيت فارم 30 ألف بوليصة في عام 2023، بما في ذلك 1600 بوليصة في حي “باسيفيك باليسيدز”.

وقد ارتفع تعرض خطة التأمين الحكومية “فير”، وهي الملاذ الأخير في كاليفورنيا، بنسبة 85% في المناطق عالية الخطورة مثل “باسيفيك باليسيدز”، حيث تجاوزت المطالبات المحتملة الآن 3 مليارات دولار.

ومع ذلك، فإن القدرات المالية للخطة لا تزال غير كافية، حيث لا تمتلك سوى 200 مليون دولار كاحتياطيات و2.5 مليار دولار في إعادة التأمين، مما يخلق خطرا بفشل النظام بأكمله.

هذا النقص -بحسب بلومبيرغ- يترك العديد من أصحاب المنازل بدون تأمين كاف أو بدون تأمين على الإطلاق، خاصةً أولئك الذين تتجاوز ممتلكاتهم الحد الأقصى لتغطية “فير” البالغ 3 ملايين دولار.

تغيّر المناخ وتحديات السياسات

وذكرت بلومبيرغ أن خبراء في قطاع التأمين حذروا منذ فترة طويلة من أن الإطار التنظيمي القديم في كاليفورنيا أعاق قدرة سوق التأمين على العمل بفعالية.

فقد منعت مبادرة اقتراع في عام 1988 شركات التأمين من استخدام نماذج المخاطر المستندة إلى تغير المناخ، مما أجبرهم على الاعتماد على بيانات تاريخية لم تعد تعكس الواقع الحالي.

وقد أدت هذه القيود -بحسب بلومبيرغ- إلى تثبيط شركات التأمين الخاصة عن تحمل مخاطر الحرائق.

وعلى الرغم من أن الإصلاحات التي أُقرت في الثاني من يناير/كانون الثاني تتيح الآن التسعير بناءً على النماذج، إلا أن هذه التغييرات قد جاءت متأخرة للغاية لمعالجة تداعيات الحرائق الحالية.

العديد من أصحاب المنازل بدون تأمين كافٍ أو بدون تأمين على الإطلاق (الأناضول)

تداعيات أوسع

وتمثل هذه الحرائق نقطة تحول في العلاقة بين مخاطر المناخ، وقيم الممتلكات، والاستقرار الاقتصادي. وفقًا لـ مايكل وارا، خبير الحرائق في جامعة ستانفورد الذي تحدث لصحيفة الإيكونوميست فإن أحياء مثل “باسيفيك باليسيدز” تجسد التوازن الهش بين قيم الممتلكات المرتفعة والمخاطر الكارثية.

ويمكن أن يؤدي الانسحاب الواسع لشركات التأمين الخاصة إلى انهيار سوق الإسكان بحسب ما قاله وارا، حيث تصبح الممتلكات التي لا يمكن تأمينها غير قابلة للرهن العقاري، مما يؤدي إلى انكماش اقتصادي مشابه للأزمة المالية لعام 2008.

علاوة على ذلك، فإن التأثيرات الصحية للحرائق، التي غالبًا ما يتم التغاضي عنها في التحليلات الاقتصادية، تُعد كبيرة. إذ يُقدر أن استنشاق الدخان وتلوث الهواء يكلف مليارات الدولارات سنويًا من النفقات الصحية الخفية، مما يزيد من أعباء السكان وموارد الدولة.

تعاون دولي وتكنولوجي

وشهدت جهود مكافحة الحرائق تعاونًا دوليًا، حيث أرسلت كندا طائراتها الشهيرة كندير لمساعدة رجال الإطفاء في لوس أنجلوس.

ويؤكد هذا العمل من “الدبلوماسية المناخية” على أهمية التعاون عبر الحدود في مواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالمناخ.

في الوقت نفسه، قدمت التكنولوجيا بعض العزاء للسكان، حيث اكتسب تطبيق ووتش ديوتي، الذي يتتبع تطورات الحرائق، 1.4 مليون تحميل خلال 48 ساعة فقط.

وتشدد الإيكونوميست أن حرائق لوس أنجلوس لا بد أن تكون تذكيرًا مهما بالحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات شاملة تجاه تغير المناخ وبناء نظام تأمين مرن، مشيرة إلى حاجة صناع السياسات لمعالجة مواطن الضعف النظامية لمنع المزيد من الدمار.

وكما أشار السيناتور شيلدون وايتهاوس في تصريح لبلومبيرغ، فإن الفشل المتسلسل الناجم عن مثل هذه الكوارث قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي أوسع نطاقًا ما لم تُتخذ تدابير حاسمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى