نحن بحاجة إلى معاهدة الوقود الأحفوري الآن
بينما لا نزال نقيم الأضرار التي أحدثها إعصار بيريل من الفئة الخامسة في منطقة البحر الكاريبي، وبينما يضرب إعصار جاييمي جنوب شرق آسيا، عادت القوة المدمرة للأحداث المناخية المتطرفة مثل هذه مرة أخرى إلى دائرة الضوء العالمية.
كان إعصار بيريل أقدم إعصار بهذا المستوى يضرب منطقتنا على الإطلاق، وهو ما يعد سابقة أخرى في تاريخ الأحداث المناخية الكبرى المسجلة. اجتاحت العاصفة بربادوس وسانت فينسنت وجزر غرينادين وغرينادا وسانت لوسيا ثم جزر كايمان، قبل أن تضرب شبه جزيرة يوكاتان ثم خليج المكسيك. وقد امتد تأثيرها إلى الغرب الأوسط للولايات المتحدة.
لقد أصبحت منطقة الكاريبي، وهي المنطقة المعروفة بجمالها المذهل وثقافتها النابضة بالحياة، مثالاً سيئاً على ضعف المناخ. فكل موسم من مواسم الأعاصير يجلب معه شعوراً بالرعب، حيث تستعد المجتمعات المحلية للعواصف التي تزداد قوة وأقل قابلية للتنبؤ. وفي كل عام، تتفاقم مثل هذه الظواهر الجوية المتطرفة، وقد بدأت هذا العام في وقت أبكر.
إن الدمار الذي خلفه إعصار بيريل يشكل تذكيراً مروعاً بهذا الواقع القاسي. فقد دمرت المنازل، ودمرت البنية الأساسية، وفقد الناس أرواحهم بشكل مأساوي. والواقع أن الخسائر الاقتصادية هائلة، في حين تعمل جهود التعافي على استنزاف الموارد المحدودة لهذه الدول إلى حد الانهيار.
إن التزايد المتصاعد في وتيرة وشدة مثل هذه الأعاصير يؤكد حقيقة صارخة: إن الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري يغذي تغير المناخ، مما يجعل هذه الأحداث الكارثية أكثر شدة وتكرارًا، وتضرب الدول الجزرية الصغيرة مثل تلك الموجودة في منطقة البحر الكاريبي بشكل أشد. وبصفتنا مواطنين في الجزر، فإننا نتحمل العبء الأكبر من هذه التأثيرات بينما نكون الأقل مسؤولية عن أزمة المناخ.
الواقع أن العلم لا لبس فيه: فتغير المناخ، الناجم عن حرق الوقود الأحفوري بلا هوادة، يعمل على تضخيم شدة الظواهر الجوية المتطرفة. فالغلاف الجوي الدافئ يحتفظ بمزيد من الرطوبة، مما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة، في حين يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى تفاقم العواصف. والواقع أن جغرافية منطقة البحر الكاريبي تجعلها عرضة بشكل خاص لهذه التغيرات، حيث تواجه الجزر المنخفضة تهديدات الأعاصير القوية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمض المحيطات، والجفاف، وارتفاع درجات الحرارة. وبالنسبة لسكان هذه الجزر، فإن تغير المناخ ليس مفهوماً بعيداً أو مجرداً؛ بل هو خطر واضح وحاضر يعطل حياتنا بانتظام متزايد.
تشكل أزمة المناخ وتأثيراتها على الشعاب المرجانية والحياة البحرية، والتي تعتبر حيوية للتنوع البيولوجي واقتصادات الدول الجزرية الصغيرة النامية، تهديدًا كبيرًا لهذه الدول بسبب تركيز الناس والأصول والبنية الأساسية في المناطق الساحلية.
تعتمد العديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية بشكل كبير على السياحة ومصائد الأسماك والزراعة، والتي تتأثر بشدة بتغير المناخ. وغالبًا ما تفتقر هذه الدول إلى الموارد المالية والتكنولوجية والفنية اللازمة لتنفيذ تدابير فعالة للتكيف مع المناخ والقدرة على الصمود، مما يؤدي إلى المزيد من الفقر والهجرة.
إن هذا الظلم الصارخ لابد وأن يتصدى له المجتمع الدولي بكل إصرار وإلحاح. ولا يكفي أن نقدم المساعدات بعد الكارثة؛ بل لابد وأن نعالج السبب الجذري لهذه العواصف المدمرة على نحو متزايد. ولقد حان الوقت الآن لإبرام معاهدة دولية ملزمة لتنظيم استخدام الوقود الأحفوري وحماية مجتمعاتنا الجزرية.
إن مثل هذه المعاهدة من شأنها أن تفرض قيوداً صارمة على استخراج الوقود الأحفوري، وتعزز التحول العادل والمنصف إلى مصادر الطاقة النظيفة والعادلة التي ستواصل تيسير النمو الاقتصادي، وتحمل البلدان المسؤولية عن مساهماتها في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. كما ستتضمن المعاهدة أحكاماً لدعم الدول الأكثر ضعفاً، وضمان حصولها على الموارد اللازمة للتكيف مع آثار الانهيار المناخي والتخفيف من حدتها.
لقد انتهى زمن نصف الإجراءات والتغييرات التدريجية. والعالم في احتياج إلى اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة لمكافحة حالة الطوارئ المناخية. وبالنسبة لمنطقة البحر الكاريبي وغيرها من الدول الجزرية الصغيرة، فإن هذا ليس مجرد مسألة رعاية بيئية؛ بل هو مسألة بقاء. ومن شأن إنشاء معاهدة الوقود الأحفوري أن يشير إلى التزام عالمي بإنهاء عصر الوقود الأحفوري وإدخال مستقبل أكثر استدامة وعدالة وأمانًا للجميع.
لقد تلاشى المسار المدمر الذي خلفه الإعصار بيريل بالفعل من عناوين الأخبار، ولكن يجب ألا ننسى الدروس التي يقدمها لأنه يترك ندوبًا دائمة في حياة شعبنا وسبل عيشه.
إن أزمة المناخ قائمة، وهي تتسارع. وضحايا هذه الأزمة ــ أولئك الذين يعيشون في منطقة الكاريبي وخارجها ــ يستحقون أكثر من مجرد التعاطف؛ فهم يستحقون العمل. والدعوة إلى إبرام معاهدة بشأن الوقود الأحفوري هي دعوة إلى تحقيق العدالة، وتعزيز القدرة على الصمود، وحماية كوكبنا. ونحن نحث الحكومات على الاستجابة لهذه الدعوة على وجه السرعة والاستجابة لما تتطلبه.
الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.