السلطة الفلسطينية تشن حملة “القبضة الحديدية” في طوباس وسط ضغوط داخلية واشتباكات مع المسلحين
تشن السلطة الفلسطينية حملة في طوباس لضبط مجموعات مسلحة تتحدى سيادتها وتشتبك مع إسرائيل، في مسعى لإظهار قدرتها على فرض النظام وسط اتهامات من حماس والجهاد بخدمة مصالح إسرائيلية.
دفعت السلطة الفلسطينية بقواتها إلى طوباس للقضاء على الفوضى، في حملة شهدت مواجهات عنيفة مع مسلحين استخدموا أسلحة ثقيلة وقنابل، ما جعلها من الأشد في تاريخ المدينة الحديث.
يرى مراقبون أن الحملة تعكس تحديات السلطة التي تأسست عام 1994 لتحقيق دولة فلسطينية، لكنها اليوم تجد نفسها مضطرة لتعزيز سيطرتها في الضفة الغربية، بينما تسعى الولايات المتحدة لتوحيد الضفة وغزة تحت سلطة فلسطينية معززة بعد حرب غزة الأخيرة.
حملة “القبضة الحديدية”
أفاد محافظ طوباس، أحمد الأسعد، بأن الحملة تستهدف القضاء على “الفوضى وعدم النظام”، موضحًا أن السلطة قررت التعامل بـ “قبضة من حديد” لمواجهة ما وصفه بـ “العبث الأمني” الذي يعرض المدينة للخطر. خلال العملية، أصيب اثنان من عناصر الأمن الفلسطيني وجرى اعتقال عدد من أعضاء “كتيبة طوباس” المسلحة، والتي تهيمن عليها حركة الجهاد. أحد هؤلاء المحتجزين هو قائد الكتيبة، في حين انتشرت أخبار عن اشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين، شملت تبادلًا كثيفًا لإطلاق النار.
تحديات وعقبات
أكدد الأسعد أن الحملة الأمنية جاءت استجابة لمطالب السكان، مستشهداً بحادثة زرع قنبلة قرب مدرسة، يُعتقد أنها كانت تستهدف القوات الإسرائيلية. وقال الأسعد: “لا نريد لطوباس أن تتحول إلى ساحة خراب تحت شعار المقاومة أو أي شعارات أخرى؛ نهجنا هو نهج الرئيس: المقاومة السلمية وحماية الأمن والنظام”.
حظيت الحملة بتأييد بعض الدول المانحة التي كانت قلقة من تراجع نفوذ السلطة في الشمال. واعتبر دبلوماسي أوروبي أن “جهود السلطة الأخيرة نُظر إليها بإيجابية”، حيث أظهر انتشار القوات وعمليات التفتيش الجادة التزام السلطة بتعزيز سيطرتها في مناطق لم يكن لها حضور أمني كافٍ.
في عملية أمنية حديثة، حاصرت قوات السلطة مبنى قرب طوباس، حيث كان يتحصن اثنان من أعضاء “كتيبة طوباس”، مهددًا أحدهما، عبادة المصري، بتفجير نفسه. وأوضح والد المصري، عبد المجيد، أن المفاوضات مع ابنه استمرت خمس ساعات، قبل أن يسلم نفسه بعد الحصول على ضمانات بعدم نقله إلى سجن آخر حيث تعرض سابقًا لسوء معاملة. وعبّر الوالد عن ارتياحه لاحتجاز ابنه لدى السلطة الفلسطينية بدلًا من مواجهة اعتقال إسرائيلي.
من جانبها، أدانت حركة الجهاد الحملة، معتبرةً أن السلطة الفلسطينية تستهدف القضاء على الفصائل التي تواجه إسرائيل، وأن أساليبها لا تختلف عن الأساليب الإسرائيلية. وأكدت الحركة أن أعضاء “كتيبة طوباس” يسعون لما وصفته بـ”تحرير فلسطين” وليس إثارة الفوضى.
مصداقية السلطة في اختبار
في جولة للمراسلين في طوباس، بدت المدينة هادئة نسبيًا، مع انتشار قوات السلطة الفلسطينية التي أقامت نقاط تفتيش على مداخلها. ويرى غيث العمري، خبير الشؤون الفلسطينية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن حملة السلطة هناك تمثل خطوة لإثبات قدرتها على فرض النظام بالضفة الغربية، لكنها تأتي أيضًا كاستجابة للانتقادات المتزايدة حول ضعف سيطرتها.
أضاف العمري أن عملية واحدة لا تكفي لترسيخ سمعة جديدة للسلطة، مشيرًا إلى أن طوباس قد تكون “هدفا سهلاً” نسبيًا، حيث الجماعات المسلحة أقل قوة مقارنة بمخيم جنين. ومنذ إعادة تشكيل قوات الأمن الفلسطينية بدعم أميركي في أعقاب سيطرة حماس على غزة عام 2007، وُجهت للسلطة انتقادات حيال قدرتها على فرض الأمن بشكل فعال.
في المقابل، تُثير حملة طوباس تساؤلات حول مستقبل السلطة في غزة بعد الحرب، خاصة مع سعي الولايات المتحدة لتوحيد الضفة الغربية وغزة تحت إدارة فلسطينية واحدة. لكن هذه التطلعات تصطدم بواقع سياسي معقد؛ فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن 89% من الفلسطينيين بالضفة يطالبون باستقالة الرئيس عباس، مع تفوق شعبية حماس على فتح.
ويختتم العمري بالقول: “لا يتعلق الأمر بالقدرة الأمنية فقط، بل بشرعية السلطة ومصداقيتها أمام الشارع الفلسطيني”، وهي تحديات جوهرية تقف في طريق تعزيز سيطرة السلطة واحتواء الفصائل المسلحة.