شبكات الاتجار بالبشر.. الكثيرون يدركون المخاطر لكنهم يجازفون
أجرت كلية لندن للاقتصاد دراسة حول عمل شبكات الاتجار بالبشر في نيجيريا للبحث في أسباب لجوء كثير من النيجيريين الراغبين بالهجرة إلى التعامل مع مهربين، رغم وجود مخاطر عالية لأن يتم استغلالهم وإجبارهم على العمل في ظروف قاسية. وخلصت الدراسة إلى تقديم معطيات أساسية وإجابة عن أسئلة ملحة، حول العلاقة بين الرغبة في الهجرة وقبول التعامل مع شبكات تهريب البشر.
وتشير بيانات جديدة، بحسب الدراسة، من ولاية إيدو في نيجيريا إلى أن نسبة كبيرة من السكان يعرّضون أنفسهم لمخاطر التعامل مع تجار البشر من أجل الهجرة. ويتبين أن الكثيرين لديهم فهم معقد لمخاطر الاستغلال بعد قبول صفقة تشمل الهجرة مقابل العمل. وعلى الرغم من المخاطر المحتملة، يلجأ الراغبون بالهجرة إلى “تجار البشر” كوسيلة ضرورية لتحقيق فرص أفضل في الخارج.
مفهوم غير واضح
عندما نتحدث عن الاتجار بالبشر، نفكر غالبًا في مشاهد درامية للاختطاف. ومع ذلك، هذه الصورة غير دقيقة إلى حد كبير. وهناك مفهوم خاطئ شائع حول الاتجار بالبشر يتعلق بالقبول بين الطرفين المهربين والراغبين بالهجرة.
ووفقًا لبروتوكول الأمم المتحدة للاتجار بالبشر، يقوم التجار بتهريب الأشخاص لإخضاعهم ووضعهم تحت سيطرتهم واستغلالهم. وقد يوافق هؤلاء في البداية على هذه الترتيبات، ليكتشفوا لاحقا أنهم خدعوا حيث يتم إجبارهم على العمل في ظروف قاسية.
لماذا يختار أي شخص الاتجار به عن طواعية؟
يتطلب هذا السؤال منا النظر عن كثب إلى الواقع القاسي الذي يواجهه المهاجرون المحتملون من البلدان الفقيرة. وفي نيجيريا، الطرق القانونية للهجرة إلى المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة غير متاحة وغير معقولة التكلفة. وأمام هذه الخيارات المحدودة، يلجأ الكثيرون إلى تجار البشر الذين يقدمون صفقة مغرية: الهجرة إلى البلد المختار مقابل العمل عند الوصول.
وهذا الاقتراح، رغم أنه مليء بالاستغلال المحتمل، يقدم بصيص أمل للمهاجرين المحتملين الذين يعانون من ضائقة مالية. وهذا الترتيب يجذب بشكل خاص الشباب الأصغر في العائلات غرب أفريقيا، حيث يتضمن التقليد غالبًا استثمار آمال وموارد الأسرة في الابن الأكبر. أما البنات والأبناء الأصغر، الذين يتطلعون إلى شق طريقهم الخاص ولكنهم يفتقرون إلى الوسائل، فقد يرون في الهجرة الخيار الوحيد القابل للتطبيق.
تحدي مواجهة الاتجار بالبشر في نيجيريا
يعتقد أن الظروف التي تعزز الاتجار متجذرة في الأعراف الاجتماعية للهجرة، وتجارب الحرمان النسبي، والتحديات المتزايدة المرتبطة بالدخول القانوني إلى أوروبا. ومع ذلك، لايزال من غير الواضح لماذا أدت هذه الأسباب الجذرية إلى ثقافة الاتجار بالبشر جنوب نيجيريا دون غيرها. وفي دراسات أجريت خلال الفترة من 1991 إلى 2001، كان 94% من النساء المهاجرات اللاتي تم الاتجار بهن إلى أوروبا لأغراض الاستغلال الجنسي من الولايات الجنوبية في نيجيريا.
جهود الحكومة النيجيرية
ووفقًا لتقرير الاتجار بالأشخاص لعام 2023، حققت الحكومة النيجيرية في 1242 حالة اتجار، منها 511 حالة اتجار جنسي. وأدانت 97 فردًا، 50 منهم بتهمة الاتجار بالبشر. وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال التحديات قائمة، بدءًا من نقص تدريب القضاة وقلة المعرفة بالقانون وصولاً إلى قضايا الفساد. كما تفتقر السلطات الحكومية المكلفة بمكافحة الاتجار بالبشر إلى الموارد الكافية للقيام بعمليات استباقية لمكافحة هذه التجارة وغالبًا ما تفشل في تأمين الإدانات.
بيانات من ولاية إيدو
تكشف بيانات حديثة من مسح ميداني بولاية إيدو في نيجيريا، كجزء من مشروع ترانسميت عام 2023، عن مدى قابلية الأفراد للجوء لتجار البشر. وأظهرت البيانات أن 24% من المستجيبين يعرفون شخصًا تم الاتجار به أو عمل في البغاء بالخارج لدعم أسرته. ويبدو أن الاستعداد مرتفع أيضًا، حيث قال ربع المستطلعين إنهم سيهاجرون مع المهربين، مما يضعهم في خطر “عبودية الديون” والعمل القسري.
وتشير هذه المعطيات إلى أن الوعي بالمخاطر لا يثني الأفراد عن رؤية التهريب عبر تجار البشر كوسيلة ضرورية لتحقيق فرص أفضل بالخارج. ويبرز هذا التناقض حدود حملات التوعية الحالية ويؤكد الحاجة لإستراتيجيات شاملة تعالج الأسباب الجذرية للاتجار بالبشر على مستوى أفريقيا.