الغرب أم روسيا.. ماذا يريد قادة حزام الانقلابات الأفريقي؟
تقول مجلة إيكونوميست إن علاقات الغرب مع دول الساحل قد تكون وصلت إلى أدنى مستوياتها في مايو/أيار الماضي عندما أمرت النيجر الولايات المتحدة الأميركية بسحب قواتها بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، في الوقت نفسه طردت قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية، ورحبت بالمستشارين العسكريين الروس.
وتضيف المجلة أن الأمر تطوّر لأبعد من ذلك بإلغاء النيجر الشهر الماضي عقد الشركة التي تزود أوروبا بنحو ربع احتياجاتها من اليورانيوم، وذلك بسحب امتياز التعدين الممنوح لشركة الوقود النووي الفرنسية. وهناك خشية من قيام نيامي الآن بمنح امتياز التنقيب في أحد أكبر مناجم اليورانيوم في العالم إلى شركة روسية.
ويأتي تحول النيجر ضد الغرب وسط ما يطلق عليه في غرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية “الاستقلال الثاني”. ويحفز تلك الإجراءات جيل جديد من القوميين الذين استولوا على السلطة في المستعمرات الفرنسية السابقة من السنغال إلى تشاد والدول الثلاث الأساسية في منطقة الساحل، وهي بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وتقول المجلة إنهم فعلوا ذلك وسط مناشدات مستمرة بضرورة صون السيادة والاستقلال الوطني، “بلغة تذكرنا بأول رئيس في غينيا المستقلة أحمد سيكوتوري”، الذي قال لشارل ديغول في عام 1958 إن “غينيا تفضل الفقر في الحرية على الغنى في العبودية”.
السيادة هي العنوان
يقول إبراهيم يحيى من مجموعة الأزمات الدولية “الكل يريد علاقة جديدة مع الغرب. وكلمة السيادة هي الكلمة الكبيرة في المنطقة هذه الأيام. لقد أصبح الأمر أشبه بعقيدة دينية تقريبًا”.
ومن أبرز القوميين الجدد ثلاثي الساحل العسكريون: رئيس بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري، والرئيس النيجري عبد الرحمن تياني، ورئيس مالي أسيمي غويتا. وتضم المجموعة الأوسع رئيس السنغال الجديد باسيرو ديوماي فاي، وزعيم غينيا المقدم مامادي دومبويا، الذي قاد انقلابا عام 2021.
وقال دومبويا للأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي “لقد انتهى عصر أفريقيا القديمة. هذه نهاية حقبة غير متوازنة وظالمة لم يكن لنا فيها رأي. لقد حان الوقت لنأخذ مكاننا المناسب”.
ويصور القوميون الجدد أنفسهم على أنهم التجسيد الحديث للنضال ضد الاستعمار.
ويصف زعيم بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (36 عاما)، الذي استولى على الحكم في انقلاب عام 2022، نفسه بأنه تجسيد للزعيم الاشتراكي توماس سانكارا الذي اغتيل عام 1987.
ومع تسجيل رقم قياسي بلغ 11 ألفا و643 حالة وفاة مرتبطة بـ”العنف الجهادي” في عام 2023، أصبحت منطقة الساحل الآن المركز العالمي للهجمات الإرهابية، حسب ما تقول المجلة.
اللوم على الغرب
واتهمت بوركينا فاسو والنيجر القوات الفرنسية، وعددها أكثر من 5000 جندي، بالفشل في القضاء على المتمردين، وهو موقف يؤيده السكان المحليون.
منذ عام 2022، انسحبت القوات الفرنسية أو طُردت من منطقة الساحل بأكملها تقريبًا. بقي آخر معقل لها هو تشاد. لكن المشاعر تتغير هناك أيضا. ويُعتقد أن محمد إدريس ديبي يفكر في إنهاء الوجود العسكري الفرنسي الذي يعود تاريخه إلى عام 1899.
واقترحت السنغال على باريس سحب قواتها، وطردت مالي قوات حفظ السلام الدانماركية والأممية.
تعاون مع روسيا
وحذت النيجر حذو مالي وبوركينا فاسو في توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا التي يقوم مرتزقتها بحماية النظام وليس لديهم أي وازع بشأن حقوق الإنسان، حسب تعبير المجلة. كما تقربت أيضا من إيران التي ربما تضع أعينها على اليورانيوم الموجود في النيجر.
اقتصاديا، تراجع دور الشركات الفرنسية رغم أن بعضها مثل شركة الاتصالات العملاقة “أورانج” لا يزال لديها حضور كبير لكنها أصبحت هدفا للغضب الشعبي.
وفي التعدين، فرضت القوانين الجديدة في مالي وبوركينا فاسو زيادة الحد الأدنى لمساهمة الحكومات في هذه الشركات.
وفي غينيا، موطن بعض أغنى احتياطات الحديد والبوكسيت في العالم، ألغى النظام أكثر من 100 ترخيص تعدين أجنبي، أغلبها مملوكة لشركات صينية، وقدم متطلبات الاستيعاب المحلي للمقاولين في مشاريع التعدين.
والأهم من ذلك أنها أعادت التفاوض على تراخيص لتطوير خام الحديد والسكك الحديدية والموانئ بقيمة 20 مليار دولار، مما دفع كونسورتيوم من الشركات الصينية المملوكة للدولة إلى تقديم مشروع مشترك مع ريو تينتو، في صفقة تضمن حصة 15% لغينيا.
وفي السنغال، دعا الرئيس فاي إلى “القطيعة” مع النموذج الحالي للعلاقات مع الغرب، ووعد بالسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة. ويقول المسؤول في الحزب الحاكم في السنغال عبد الرحيم كيبي “إذا لم تتمكن من إنتاج ما تأكله، فلا يمكنك القول بأنك حر”.
ويخطط الرئيس السنغالي أيضًا لمراجعة عقود النفط والغاز مع الشركات المتعددة الجنسيات، والتي يقول إنها ليست في مصلحة السنغال. ويقول كيبي “لن نقبل أن نكون خدما بعد الآن”.
الحرب الثقافية
أما الجبهة الثالثة فهي ثقافية، إذ تدعو للتخلص من القبضة الاستعمارية الجديدة على اللغات والعادات. ويقال إن الحزب الحاكم في السنغال يفكر في التخلي عن اللغة الفرنسية لغة رسمية. ويتحدث حلفاء فاي عن الحد من النفوذ الفرنسي في التعليم.
وفي بوركينا فاسو، حث رئيس الوزراء مواطنيه مؤخرًا على مقاومة “الاغتراب الثقافي” الذي يفرضه الغرب.
وتقول إيكونوميست إن العديد من القوميين في غرب أفريقيا معجبون ببول كاغامي، رجل رواندا القوي، بسبب تعاملاته المتشددة مع الغرب وقوميته الاقتصادية ونفوره من الديمقراطية. يقول باباكار ندياي، من مركز واثي للأبحاث في السنغال، إن نموذجه جذاب “لأن ما يهم كاغامي هو ما يفيد رواندا”.
بريق السلطة
في الجانب الآخر، فإن العديد من هؤلاء القادة يسعون وراء السلطة. ففي مايو/أيار الماضي، قال المجلس العسكري في مالي إنه سيسعى إلى تأخير انتقال البلاد إلى الديمقراطية.
وحذت القيادة العسكرية في بوركينا فاسو حذوها بعد أسبوعين، معلنة أن تراوري مؤهل لخوض الانتخابات في عام 2029.
وفي غينيا، وعد دومبويا بإنهاء حقبة السلطة “الشخصية”. وقد أخبر المسؤولين الأجانب مرارا وتكرارا أنه سيترك منصبه في عام 2025. ولكن صورته في كوناكري موجودة في كل مكان.
يقول الصحفي سانسو باري “دومبويا هو بداية ونهاية الدولة. القمع يتكثف. وقد حبس الصحفيين أو أجبروا على الخروج إلى المنفى”.
أنصار للوحدة الأفريقية
ويقول القوميون الجدد إنهم من أنصار الوحدة الأفريقية. وقد أعاد الرئيس فاي بالفعل تسمية وزارة الخارجية بـ”وزارة التكامل الأفريقي والشؤون الخارجية”، وقام بجولة في العواصم الإقليمية.
لقد انسحبت مالي وبوركينا فاسو والنيجر من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وشكلت تحالفًا منافسًا، وهو اتفاق دفاعي واتحاد كونفدرالي. ويعتقد أن تشاد ترغب في الانضمام لهذا التحالف.
لكن المجلس العسكري في غينيا، الذي يسعى لتعزيز العلاقات مع الحكومات الغربية، لا يريد أن يفعل شيئا في هذا الشأن. الرئيس دومبويا كان عضوا سابقا في الفيلق الفرنسي ومتزوج من فرنسية، وعلى الرغم من أنه حليف سوفياتي سابق، فإنه يتمتع بعلاقات ودية مع فرنسا وأميركا أيضًا مثل روسيا والصين.
وعلى الرغم من أن الرئيس السنغالي فاي يبدو متعاطفا مع التحالف الجديد، فإنه يريد أن يعود أعضاؤه إلى الإيكواس.
التوترات البينية
وتريد بعض هذه الدول إطلاق عملة مشتركة جديدة لتحل محل الفرنك الأفريقي المدعوم من فرنسا، لكن المنطقة تمزقها المشاحنات التجارية والنزاعات على الموارد. ويقول يحيى من مجموعة الأزمات الدولية إن العقوبات التي فرضتها دول الإيكواس على بوركينا فاسو ومالي والنيجر (رُفعت جزئيا الآن) هي أحد الأسباب وراء “تزايد التوترات بين دول المنطقة إلى درجة لم نشهدها منذ مدة طويلة”.
وترى إيكونوميست أن القومية الجديدة في غرب أفريقيا غير مكتملة، ومتناقضة في بعض الأحيان، وعرضة للانجراف الاستبدادي. ولكن من الخطأ أن نفترض أن حاملي لوائها أيديولوجيون عنيدون متجهون إلى فلك روسيا.
ويقول كاميرون هدسون، من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، “بقدر ما يهدف هؤلاء القادة إلى تأكيد سيادتهم، فإنهم لا يتطلعون إلى صناعة أعداء في واشنطن، وبدلاً من ذلك فإن نهجهم تجاه العالم الخارجي هو البحث عن أفضل صفقة”.
وقضى المجلس العسكري في النيجر أشهرا وهو يحاول التفاوض على اتفاق عسكري جديد مع أميركا قبل أن يقطع العلاقات. ويتحدث المسؤولون في السنغال وغينيا عن إبرام اتفاقيات مع الحكومات والشركات الأجنبية تكون مربحة للجانبين.