دولي

اختراق إسرائيل لحزب الله.. عقود من الرصد والحرب في سوريا “الثغرة” القاتلة

لم تكن رحلة اختراق حزب الله اللبناني سهلة بالنسبة إلى إسرائيل، فمنذ نشأته في بداية الثمانينيات، وحتى أصبح من القوى العسكرية والسياسية البارزة في لبنان، شكل الحزب تحدياً كبيراً لإسرائيل التي راكمت عبر عقود أساليب وطرقاً استخباراتية فريدة لاختراقه، لتأتيها الفرصة بانخراط الحزب في الصراع السوري، فتنجح في اختراقه وتكيل له الضربات واحدة تلو الأخرى. 

في مساء الجمعة يوم 27 سبتمبر 2024، تعقب الجيش الإسرائيلي الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى مخبأ مبني على عمق كبير تحت مجمع سكني في جنوب بيروت، وأسقط ما يصل إلى 80 قنبلة للتأكد من مقتله، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، ما أدى إلى تدمير أربعة مبان سكنية على الأقل. 

ولكن الثقة التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، والتي وجهت في الأسابيع القليلة الماضية ضربات مدمرة مستمرة إلى أحد أكبر منافسيها الإقليميين، تخفي حقيقة غير مريحة مفادها أنه وخلال ما يقرب من أربعة عقود من القتال ضد حزب الله، لم تتمكن إسرائيل من تغيير مسار الأمور إلا مؤخراً. وبحسب مسؤولين حاليين وسابقين فإن ما تغير هو عمق ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين، بدءاً باغتيال فؤاد شكر، أحد الأذرع القوية لنصر الله، في الثلاثين من يوليو الماضي. 

وعلى مدى العقدين التاليين، اعتبرت الفرقتان 8200 و9900 مثالاً لكيفية استخدام التكنولوجيا المتقدمة في مجال الاستخبارات العسكرية، حيث قامت وحدة الاستخبارات الإسرائيلية المتطورة 8200، التي تُعنى بجمع المعلومات الاستخباراتية من خلال التنصت الإلكتروني والتجسس السيبراني، والفرقة 9900 الصور الاستخباراتية التي تركز على استخدام الصور الجوية والفضائية لجمع المعلومات حول الأعداء وتقديم تحليلات دقيقة حول الأوضاع الميدانية، بتقديم دعم حيوي لعمليات الجيش الإسرائيلي. 

تحول 
في تتبع لمراحل هذا الاختراق نجد أن عام 2006 كان عام تحول جذري في تعامل الاستخبارات الإسرائيلية مع حزب الله. خلال تلك الحرب، حاول الجيش الإسرائيلي اغتيال حسن نصر الله، لكن محاولاته باءت بالفشل، فلم تحقق أي من الضربات الجوية التي تم توجيهها لنصر الله أهدافها. 

ورغم خسارة إسرائيل تلك المعركة، إلا أنها خرجت بفائدة واحدة مهمة، وهي قرار إعادة تقييم قدراتها الاستخباراتية واستراتيجياتها، فانكبت الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية على تعزيز جهود جمع المعلومات، ما سمح لها بتحليل الوضع بدقة أكبر، وحسب ضابطة الاستخبارات السابقة ميري إيسين، فإن هذا التحول تطلب نظرة شاملة لحزب الله كقوة عسكرية وسياسية، بدلاً من التركيز فقط على جناحه العسكري. 

جاء تدخل حزب الل في سورياه، ليضيف تعقيداً للمشهد، لكنه منح إسرائيل فرصة ذهبية لتعزيز قدراتها الاستخباراتية، حيث نجحت في اختبار تقنيات متقدمة مثل الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار لكشف ثغرات مهمة للحزب، ما زاد من دقة المعلومات الاستخباراتية التي تجمعها.

بيانات عامة

إحدى أهم نتائج انخراط حزب الله في الحرب السورية، انكشافه أمام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الذي وقع على منجم من البيانات العامة، حيث كانت المعلومات عن القتلى و”ملصقات الشهداء” وسيلة فعالة لجمع الكثير من المعلومات حول مقاتلي حزب الله، مثل تفاصيل عن انتماءات المقاتلين ومكانهم، ما ساعد في تحديد أنماط الحركة والتواصل داخل الجماعة. وعلى سبيل المثال عكست جنازات مقاتلي الحزب في سوريا تفاصيل مهمة عن كبار القادة، أتاحت لإسرائيل فهم تحركاتهم وتحليلها وصولاً إلى اقتناصهم واحداً تلو الآخر.

كان من أبرز الثغرات التي خلقتها الحرب السورية لحزب الله، أنها اضطرته للتوسع وتجنيد مقاتلين جدد، ما جعله أكثر عرضة للاختراق من قبل الجواسيس الإسرائيليين. كان لهذا التجنيد السريع إسهام كبير في تقويض آليات الرقابة الداخلية لحزب الله، ما جعل الجماعة أقل قدرة على تأمين معلوماتها.

تقنيات

تستخدم إسرائيل تقنيات متقدمة مثل الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار لجمع المعلومات، حيث خصصت وحدة 9900 لتحليل الكميات الهائلة من الصور والبيانات لتحديد أبسط التغيرات الطفيفة في المواقع، ليتم توظيف هذه المعلومات في تحديد مواقع مقاتلي الحزب، ومتابعة الاتصالات من الأجهزة الذكية، إلى جانب المعلومات المستمدة من الأجهزة المنزلية الحديثة، مثل ميكروفونات أجهزة التحكم عن بعد في التلفاز، التي أسهمت في كشف معلومات حساسة حول تحركات الأفراد.

ورغم كل هذه القدرات، ظهرت تحديات جديدة أمام الثقة الإسرائيلية من قبيل تداخل السياسي بالأمني، فمراراً تم إلغاء غارات جوية بناءً على طلب الولايات المتحدة، ما يعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. 

ثمار

أثمرت جهود الاستخبارات الإسرائيلية، في الأسابيع الأخيرة، عن توجيه ضربات مدمرة لحزب الله. فبداية من يوليو الماضي، نجحت إسرائيل في اغتيال فؤاد شكر، أحد القادة البارزين في الجماعة، ما شكل علامة فارقة في الصراع. 

هذا النجاح عكس التقدم الذي حققته إسرائيل في جمع المعلومات الاستخباراتية حول القيادة والعمليات داخل حزب الله. لكن وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها إسرائيل، فإن حزب الله مازال يشكل قوة تهديد حقيقية.

يتطلب هذا الوضع المستمر من إسرائيل البقاء على أهبة الاستعداد، مع الاستمرار في تعزيز قدراتها الاستخباراتية لضمان أمنها، وستظل المعركة ضد حزب الله معركة طويلة الأمد، تستند إلى التكيف والاستجابة السريعة للتطورات على الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى