هل يصبح “قانون قيصر” عائقا أمام الانفتاح الأميركي على سوريا الجديدة؟
واشنطن- وضع الانهيار السريع والمفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا، والذي رحبت به الولايات المتحدة رسميا، صانعي السياسات ومتخذي القرار في واشنطن أمام مجموعة معقدة من التحديات القانونية والسياسية المتعلقة بمصير مئات العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
وتواجه واشنطن معضلة التوفيق بين الحاجة إلى التعامل مع سوريا الجديدة ما بعد الأسد من جهة، وبين القوانين والقرارات التنفيذية التي فُرضت على دمشق والتي تقف حائلا أمام الكثير من التحركات والمبادرات الممكن اتخاذها خدمة لمصالح واشنطن من جهة أخرى، وعلى رأسها ما يعرف بـ”قانون قيصر”، واسمه الرسمي قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019”.
وتعرض الجزيرة نت كل ما يتعلق بهذا القانون في صورة سؤال وجواب:
لماذا لجأت الولايات المتحدة لفرض قانون قيصر؟
رأت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الأولى أن هناك تراخيا وتساهلا دوليا متزايدا تجاه نظام الأسد، وهو ما أعطى مؤشرا برغبة بعض الدول برفع العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، فقررت واشنطن أن تكشر عن أنيابها بهذا القانون الصارم، الذي لم يفرق بين الشركات التي لها أنشطة عسكرية وتلك المتخصصة في أعمال البناء والهندسة المدنية أو شركات التكنولوجيا، ففرضت عقوبات شديدة على الجميع.
وكانت واشنطن عبرت عن قلقها من قيام بعض الدول -وبعضها من حلفائها- بفتح خطوط اتصال اقتصادية مع النظام السوري، واعتبرت أنه في حال اتخاذ تدابير جادة تعكس نص القانون الجديد فمن الممكن تصور توقف التجارة الخارجية مع سوريا بصورة شبة كاملة.
وهدفت واشنطن إلى تحقيق هدفين من الضغط الشديد على نظام الأسد:
- أولهما فض تحالفه مع إيران، وهذه مصلحة أميركية إسرائيلية مشتركة.
- وثانيهما تتعلق باحتمال أن تدفع العقوبات الصارمة إلى انهيار النظام الحاكم في سوريا.
مَن المستهدف من العقوبات في قانون قيصر؟
استهدف التشريع فرض عقوبات على الحكومات أو الشركات أو الأفراد الذين يعملون بشكل مباشر وغير مباشر مع نظام بشار الأسد، سواء عسكريا أو اقتصاديا.
وفي أول أيام تطبيق للقانون في 17 يونيو/حزيران 2020، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بالخارجية الأميركية عقوبات على 24 شخصا وكيانا ممن يدعمون جهود النظام السوري لإعادة الإعمار. وقال بيان الخارجية آنذاك إن “تصنيفات اليوم هي أول الخطوات التي تتخذها وزارة الخزانة لفرض عقوبات بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019”.
في أي إطار صدر قانون قيصر؟
على مدار 9 سنوات من اندلاع الثورة السورية عام 2011، فشلت الولايات المتحدة وعقوباتها وتدخلها العسكري المباشر وغير المباشر في استهداف نظام الأسد بشكل مباشر، بعد لجوئه لاستخدام القوات المسلحة السورية لقمع الاحتجاجات المطالبة بالحرية والديمقراطية، واعتماد دمشق الواسع على دعم روسيا وإيران وحزب الله اللبناني.
من هنا لجأت واشنطن لهذا القانون للضغط على نظام بشار الأسد، حيث أكدت مسؤولة بالخارجية الأميركية أن الهدف الرئيس من وراء قانون قيصر هو “إجبار الأسد على الخوض في مسار الحل السياسي بجدية”، وهو ما اعتبر تخليا عن هدف أميركي قديم تمثل في إسقاط نظام الأسد.
ما سبب تسمية القانون باسم “قيصر”؟
“قيصر” هو اسم مستعار لمصوّر سابق في الشرطة العسكرية السورية، انشقّ عن النظام عام 2013، حاملا معه 55 ألف صورة تظهر التعذيب والانتهاكات في السجون السورية.
وكان نواب عديدون قد قدموا مشروع القانون عام 2016 بهدف “وقف قتل الشعب السوري بالجملة، وتشجيع التوصل لتسوية سلمية عبر التفاوض، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان السوري على جرائمهم”.
وبعد المناقشات، أقر الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ القانون في ديسمبر/كانون الأول 2019، ودخل قانون العقوبات الأميركي “قيصر لحماية المدنيين السوريين” حيز التنفيذ بعد توقيع الرئيس السابق دونالد ترامب عليه أواخر عام 2019، ليتم تضييق الخناق على النظام السوري بشكل أكثر من كل العقوبات السابقة.
هل لقانون قيصر فترة زمنية محددة؟
نعم، حدد القانون فترته بـ5 سنوات، أي أنه ينتهي نظريا في نهاية هذا العام 2024، ورغم ذلك أشار عدد من أعضاء الكونغرس خلال السنوات الماضية أنه سيتم تمديد العمل بالقانون حتى تنتفي أسباب صدوره.
ما أهمية وخطورة قانون قيصر؟
تضمن القانون فرض عقوبات على حكومة نظام بشار الأسد والدول الداعمة لها، وأي جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو توفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري، وتنبع أهمية القانون وخطورته في اتساع مداه العملي والجغرافي، إذ يستهدف أي فرد أو كيان في العالم يقدم الدعم أو يتعامل مع النظام السوري.
ما أهم العقوبات المتضمنة في القرار؟
نص القانون على فرض عقوبات على أشخاص مسؤولين أو متواطئين في ارتكاب انتهاكات، أو نقل سلع أو تقنيات إلى سوريا من المرجح أن تستخدم في الانتهاكات.
كما استهدف كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري، وأجهزة الاستخبارات والأمن السورية وقواتها المسلحة، وكل من يقدم تقنيات أو سلعا تزيد من إنتاج القطاع النفطي، أو يشتري النفط السوري.
واستهدف قانون قيصر أيضا كل ما قد يؤدي إلى مساعدة النظام على امتلاك أو تطوير الأسلحة، كما نص على تجميد مساعدات إعادة الإعمار، واستهداف كيانات روسية وإيرانية تعمل مع النظام.
ما مدى فعالية قانون قيصر؟
حتى أواخر العام 2022، تم إدراج 15 فردا وكيانا سوريا من أركان النظام السابق وعائلة الأسد على وجه التحديد على قوائم العقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر. كما صنفت إدارتا ترامب الأولى وبايدن أكثر من 650 فردا وكيانا من خارج سوريا كوسطاء للنظام، وخضعوا جميعهم لعقوبات أميركية.
وركزت تصنيفات قيصر حتى الآن على الأفراد والكيانات المشاركة في مشاريع تطوير عقاري واسعة النطاق مبنية على أراضٍ صودرت من السوريين النازحين بسبب النزاع.
وبموجب القانون، تم حجب السلع، أو الخدمات، أو التكنولوجيا، أو المعلومات التي تسهل بشكل كبير الحفاظ على أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو النفط أو المنتجات البترولية.
وأضر القانون بالطائرات وقطع غيار الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو القوات المرتبطة بها. كما عطّل القانون خدمات البناء أو الهندسة الهامة للحكومة السورية.
هل هناك استثناءات في العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر؟
تحتوي تشريعات العقوبات الأميركية على مجموعة متنوعة من الإعفاءات التي تسمح بتجارة السلع الأساسية كالغذاء والدواء وبإدخال المساعدات الإنسانية.
وفي نوفمبر/تشرين الأول 2021، عدلت وزارة الخزانة الأميركية الترخيص العام للمنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا، وسمحت لها بالمشاركة في المعاملات الإضافية التالية لدعم بعض الأنشطة غير الهادفة للربح في سوريا:
- استثمارات جديدة في سوريا.
- شراء المنتجات النفطية المكررة ذات المنشأ السوري لاستخدامها في سوريا.
- بعض المعاملات مع عناصر من الحكومة السورية.
ولا يسمح القانون بهذه المعاملات إلا لدعم الأنشطة غير الهادفة للربح، والمأذون بها بالفعل بموجب الترخيص العام، بما في ذلك المشاريع الإنسانية.
كيف يمكن تعليق قانون قيصر وعقوباته؟
اشترط القانون لتعليق العقوبات وقف استخدام الأجواء السورية لاستهداف السكان المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الدولية الإنسانية مع حرية السفر والرعاية الطبية، وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين المحتجزين قسرا، وتوقف قوات النظام وحلفائها -بمن فيها حزب الله والقوات الإيرانية والروسية- عن مهاجمة المرافق الطبية، والمدارس، والمناطق السكنية، والأسواق.
وجاء في نص القانون أيضا أن العقوبات ستُعلق إذا قرر الرئيس الأميركي أن “المباحثات المعترف بها دوليا لحل مشكلة العنف في سوريا انتهت بالتوصل لاتفاق، أو من المرجح أن تنتهي بالتوصل لاتفاق”.
هل يصبح “قانون قيصر” عائقا أمام الانفتاح الأميركي على سوريا الجديدة؟
كتب موقع الإنترسبت يقول “إنه من المؤكد أن إعادة بناء سوريا من رماد الحرب الأهلية المدمرة ستكون طريقا طويلا. ومع ذلك، بالنسبة للسوريين الذين يتطلعون إلى تقديم الإغاثة لمواطنيهم والبدء في إعادة بناء سوريا الجديدة، هناك نقص في السيولة النقدية”.
ومع ذلك، يضيف الموقع “هناك طريقة واحدة يمكن للغرب من خلالها مساعدة السوريين في الحصول على الأموال اللازمة لمحاولة رسم مستقبل مستقر ومزدهر: إنهاء العقوبات الأميركية”.
ولهذا السبب كتب اثنان من المشرعين بمجلس النواب الأميركي، وهما النائب جو ويلسون، جمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، والنائب بريندان بويل، ديمقراطي من ولاية بنسلفانيا، رسالة يحثان فيها إدارة بايدن على تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا.
ودعا المشرّعان الإدارة إلى الإبقاء على العقوبات على المسؤولين السابقين في حكومة الأسد، ولكن في الوقت نفسه تعليق أجزاء أخرى من قانون قيصر، وتحديدا تلك التي أدرجت قطاعات كاملة من الاقتصاد على القائمة السوداء ومنعت إعادة الإعمار.
هل سيلغي الكونغرس قانون قيصر مع انقضاء فترته في 20 ديسمبر الجاري؟
لا، فقد مرّت الفرصة أمام الكونغرس هذا الشهر لإنهاء قانون قيصر، وأصبح الكونغرس ملتزما بإبقاء القانون ساري المفعول، حيث تضمن اقتراح ميزانية الدفاع الأميركية للعام المقبل بندا من شأنه تمديد عقوبات قيصر. وتم إصدار مشروع الميزانية قبل ساعات فقط من سقوط نظام الأسد.
ونظرا لأن ميزانية الدفاع يجب تمريرها، فمن غير المرجح أن يتغير هذا النص. ولأن سقوط الأسد يفي بشروط معينة في القانون، يمكن للرئيس معها تجميد وإلغاء العديد من العقوبات.