هل توسّع محاولة اغتيال البرهان الحرب بالسودان؟
مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- نجا رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان من محاولة اغتيال بطائرة مسيّرة، في منطقة جبيت بولاية البحر الأحمر، في حين قُتل 5 ضباط في الحادث الذي قدّر خبراء أنه جرى تنفيذه من قِبل قوات الدعم السريع، لتوسيع نطاق الحرب إلى شرق البلاد، واستهداف العاصمة الإدارية المؤقتة “بورتسودان”.
وقال مكتب المتحدث باسم الجيش السوداني، في بيان مقتضب، إن “المضادات الأرضية تصدّت اليوم لمسيّرتين معاديتين استهدفتا موقع الاحتفال بتخريج دفعات من الكليات الحربية والجوية والبحرية”.
وأوضحت مصادر عسكرية في جبيت، للجزيرة نت، أن المسيّرة الانتحارية الأولى سقطت خلف المنصة بالصالة التي يوجد بها الحفل، وسقطت الثانية بعد نصف ساعة في موقع مروحية البرهان، التي تم تحريكها بعد الحادث الأول، حيث جرت المحاولة في استاد معهد المشاة بجبيت، التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن بورتسودان.
ما بعد المحاولة
وتقول المصادر العسكرية -التي طلبت عدم الكشف عن هويتها- إن البرهان خاطب الضباط المتخرجين في معهد المشاة، وتفقد الجرحى بمستشفى جبيت بعد الحادث، كما زار سوق المنطقة، قبل أن يغادر إلى بورتسودان.
وبعد نصف ساعة من محاولة اغتياله، قال البرهان إن “الجيش السوداني لن يتفاوض مع قوات الدعم السريع، ولا يخشى الطائرات المسيّرة، ولا الموت، وسيستمر في القتال”.
وأضاف خلال مخاطبته الضباط المتخرجين “لن نضع البندقية حتى يتم تنظيف البلاد من أي متمرد ومرتزق، وماضون في سحق المليشيا والقضاء عليها”، مضيفا “معركتنا مستمرة مع العدو، ولن نتراجع أو نستسلم، ولن نتفاوض مع أي جهة مهما كانت”.
من جهته، قال مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق، في تغريدة على منصة “إكس”، إن “محاولة اغتيال البرهان تُعد تنفيذا لتهديد موجّه له من قِبل لواء البراء”، وهم مجموعة شباب يقاتلون مع الجيش السوداني.
محاولة اغتيال البرهان في جبيت هو تنفيذ للتهديد الموجه للبرهان من لواء البراء الإرهابي في حالة موافقة البرهان على إرسال وفد الجيش إلى مفاوضات جنيف وهي رسالة واضحة من تيار الحرب داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي،ومتوقع أن نرى عمليات تصفيات واغتيالات داخل قادة…
— الباشا طبيق (@Elbashatbaeq) July 31, 2024
توسيع الحرب
يرى الباحث العسكري والسياسي سليمان موسى عبد الله أن تكثيف قوات الدعم السريع استخدام الطائرات المسيّرة على الولايات الآمنة يمثل تهديدا أمنيا ينذر بتوسع نطاق الحرب، في سياق مساعيها إلى نقل الصراع إلى الولايات الشمالية والشرقية، لا سيما أن قيادات القوات ظلت تهدد بنقل الحرب حتى إلى بورتسودان.
وبحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن استمرار العمليات الهجومية بالمسيرات يشير إلى وجود إمداد لوجستي متواصل للدعم السريع من خارج الحدود، وفي حال حصول تلك القوات على نسخ لطائرات مسيّرة أكثر تطورا، فإن ذلك من شأنه أن يشعل الحرب ويجعلها أكثر تدميرا.
وفي الوقت نفسه، لا يتوقع الباحث أن تؤدي الحادثة التي تعرض لها البرهان إلى توقف الجهود الأميركية لإنعاش عملية السلام، وعقد مفاوضات بين الجيش والدعم السريع، لكنه اعتبر أنها لا تساعد على تهيئة الأجواء للتفاوض، وتقوي موقف الأطراف الرافضة للتفاهم مع الدعم السريع.
وسبق الهجوم الذي استهدف البرهان عدة هجمات ليلة شنتها طائرات مسيّرة على مقار أمنية في كوستي بولاية النيل الأبيض وسط البلاد، أسفرت عن مقتل ضابط في جهاز المخابرات العامة وإصابة آخرين، فضلا عن إلحاق الضرر بإحدى كليات جامعة الإمام المهدي بكوستي، التي استهدفتها إحدى المسيرات.
كما شهدت ربك، عاصمة ولاية النيل الأبيض المجاورة لكوستي، الاثنين الماضي، هجوما بمسيرة استهدف معسكرا للجيش، فضلا عن مسيّرتين هاجمتا قاعدة كنانة الجوية بالولاية، وأيضا هاجمت طائرات مسيّرة، الاثنين الماضي، مقارا حكومية بجوار رئاسة حكومة ولاية نهر النيل بمدينة الدامر، التي تبعد نحو 310 كيلومترات شمالي العاصمة الخرطوم، دون وقوع خسائر في الأرواح.
ومنذ أشهر عمدت قوات الدعم السريع إلى مهاجمة المدن التي يسيطر عليها الجيش بالطيران المسيّر، وكان أول هجوم على إفطار رمضاني لـ”كتيبة البراء بن مالك”، التي تقاتل إلى جانب الجيش في عطبرة بولاية نهر النيل في أبريل/نيسان الماضي، وأسفر الهجوم عن 12 قتيلا وجرحى، كما هاجمت مسيّرات الدعم السريع مدن القضارف شرقي السودان، وشندي بولاية نهر النيل، ومواقع عسكرية ومدنية في الخرطوم.
فشل استخباري
من جانبه، يعتقد الخبير العسكري والأمني اللواء المتقاعد مازن إسماعيل أن ما حدث في جبيت “ليس إخفاقا استخباريا فحسب، وإنما فشل واضح في عملية إدارة الحرب والدولة”، ويقول إنه “ثمة إصرار في انتقاء الفاشلين والإبقاء عليهم في مواقع مهمة بمؤسسات الدولة”.
ويستبعد، في تصريح للجزيرة نت، أن تكون هناك أصابع أجنبية في محاولة اغتيال البرهان، ويكشف عن غرفة قيادة وسيطرة متعددة الجنسيات في خارج البلاد، تدير العمليات العسكرية لقوات الدعم السريع، وتنظم الحملات الإعلامية والعلاقات العامة لقيادات القوات وحلفائها السياسيين، وتوجه النشاط الدبلوماسي الإقليمي والدولي لصالحهم.
ويقول مهندس طيران -طلب عدم الكشف عن هويته- إن قوات الدعم السريع تستخدم طرازين من الطائرات المسيرة:
- الأولى صربية الصُّنع من نوع “كواد كابتر” مصنوعة من مكونات تجارية، وتحمل قنابل هاون عيار 120 ملم، ظهرت خلال يونيو/حزيران 2023، وهاجمت مقر سلاح المدرعات والقيادة العامة للجيش في الخرطوم، وتعتمد على الإحداثيات وتنفجر في الهدف، لذا أُطلق عليها لقب “انتحارية”.
- ووفقا لحديث المهندس للجزيرة نت، فإن قوات الدعم السريع لديها أيضا طائرات أخرى صينية الصنع، تعمل بالبنزين أو باستخدام بطارية كهرباء، ولا يمكن التحكم فيها بعد إطلاقها، ويمكن أن يصل مداها أكثر من 300 كيلومتر، وتعتمد في دقتها على الإحداثيات المدخلة وخبرة الطاقم الفني، وهي رخيصة السعر.