نهاية الحقارة.. صحف فرنسية: مستقبل سوريا حلم جميل لكنه محفوف بالمخاطر
علقت صحف ومواقع فرنسية باهتمام بالغ، ومن زوايا مختلفة على الأحداث في سوريا، فرأى بعضها أن ما يحتفل به السوريون بعد خروج الرئيس المخلوع بشار الأسد ليس انتصارا لأي جهة، بل هو نهاية أكثر من نصف قرن من نظام بغيض من القمع والنهب، في حين رأت أخرى أن مرحلة ما بعد الأسد بداية حلم جميل ولكنه محفوف بكثير من المخاطر، ودعت أخرى الغربيين إلى أن يمدوا أيديهم للسلطة الجديدة في سوريا.
وقال موقع ميديا بارت إن يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول سيكتب في تاريخ سوريا على أنه اليوم الذي اضطر فيه الطاغية بشار الأسد، نجل الطاغية حافظ الأسد، لمغادرة البلاد على عجل بعد أن قام كل من الأب والابن بتمزيق سوريا وتدميرها لمدة 54 عاما، وعلى أنه نهاية نظام من القمع والنهب.
وأوضح الموقع -في تقرير غوينايل لينوار- أن أبواق الفرح دوت وغنى الناس، ليس احتفالا بنصر هيئة تحرير الشام ولا بنصر الفصائل القادمة من مدن الجنوب، ولا حتى بنصر بقايا الجيش السوري الحر، ولكن بنهاية أكثر من نصف قرن من نظام القمع والنهب، نظام اعتقد أكثر من 6 ملايين من النازحين ومثلهم من اللاجئين أنه سيواصل أعمال القتل والسرقة مع الإفلات التام من العقاب.
نظام الرعب والصمت
وقد خنق نظام الرعب والصمت -الذي قام به الأب أولا ثم الابن بعده- بلدا بأكمله قبل أن يمزقه، وتقول سناء يازجي، مؤسسة موقع الذاكرة الإبداعية للثورة السورية، “ولدت عام 1970 وهو العام الذي وصل فيه الأسد إلى السلطة، لذلك ولدت في ظل الخوف ولم أعرف سوى الخوف، لم أتمكن قط من التخلص من هذا الخوف، الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله مع هذا الخوف هو التصالح معه. لقد اعتبرت الخوف طرفا آخر في جسدي. تعلمت أن أعيش معه. كنت أتمنى شيئا واحدا وهو أن أموت متحررة من هذا الخوف”.
سناء يازجي: ولدت في ظل الخوف ولم أعرف سوى الخوف، لم أتمكن قط من التخلص من هذا الخوف
كان بشار يعرف أو يعتقد أنه قادر على إعادة ترسيخ هذا الخوف من خلال حرب وحشية ضد شعبه، بمساعدة المليشيات التي تشكلت على صورة نظام وحشي وأجهزة استخبارات ضخمة بقدر ما كانت هائلة، وبمساعدة حلفاء خارجيين قاموا بتدويل الحرب السورية، كروسيا التي تمسكت بقواعدها على الساحل السوري، وجعلت قواتها الجوية ومرتزقتها متاحة لحليفها، وكالنظام الإيراني الذي قدم الأسلحة والتمويل والمستشارين، وشجع حزب الله اللبناني على تقديم المساعدة.
ومع ذلك -يقول الموقع- لم يهب أي من هؤلاء الحلفاء لمساعدة الأسد في الأسابيع الأخيرة، أما بشار فقد سقط في نهاية المطاف، وأعلن أنه هارب، بعد أن فضل المنفى على غضب الشعب، ولا شك في أن بالأذهان صور نهاية رفاقه في الاستبداد، الليبي معمر القذافي، والعراقي صدام حسين، والمصري حسني مبارك الذي نجا.
في سوريا بشار الأسد، حيث اختفت الإنسانية وحيث “المذبحة هائلة وترتكب في صمت”، حسب سناء يازجي التي تعمل مع فريق هيومن رايتس ووتش على قضايا الاختفاء القسري منذ عام 2011، كان عنوان تقريرها لعام 2012 هو “أرخبيل التعذيب”، وجميع الشهادات تؤكد أن هذا الوصف ليس مبالغا فيه، بل هو أقل من الحقيقة.
ولم تبتعد صحيفة لوتان -وهي صحيفة سويسرية ناطقة باللغة الفرنسية- عن نهج الموقع، فكان عنوانها “نهاية الحقارة” يشير إلى أن الاستيلاء على دمشق، ربما يكون نهاية واحد من أسوأ الصراعات في عصرنا، منبهة إلى أن بشار الأسد وصل إلى ذروته بممارسات والده حافظ الأسد، وعزف على اللحن المريح “أنا أو الفوضى”، ليبدأ لعبة شريرة تنافست فيها القسوة مع السخرية: خلال بدايات الاحتجاجات، وفتح بنفسه أبواب السجن كي يخرج المعتقلون الجهاديون وليتمكن بشكل أفضل من الظهور كمدافع في مواجهة التهديد الذي “يمثلونه”.
وذكرت الصحيفة -في تقرير لويس ليما- أنه، حتى الحلفاء مثل روسيا وإيران الذين سمحوا له بإطالة أمد التعذيب، ربما كانوا يحتقرون الطاغية السوري بشكل واضح، وإن لم يمنعهم ذلك من القيام بأكثر من دورهم في هذه الجرائم الشنيعة.
وخلصت لوتان إلى أن ملايين السوريين يحلمون اليوم بالعودة إلى ديارهم، محملين بالأمل وخطط إعادة الإعمار، وأحيانا بالإمكانيات المالية المكتسبة من خلال العمل في تركيا أو ألمانيا أو سويسرا، ولكن المخاطر التي تواجه البلاد عديدة، بين تمرد إسلامي ومعارضة متنافسة ومجزأة وجيران يتربصون.
حلم جميل ولكن مع مخاطر عالية
ومن حيث انتهت لوتان، بدأت صحيفة لاكروا، بعنوانها “مرحلة ما بعد الأسد انتقال إلى حلم ولكن مع مخاطر عالية”، مؤكدة أن كل سوري غمرته زوبعة من المشاعر عندما علم بسقوط الدكتاتور المتعطش للدماء بشار الأسد وأعوانه بعد عشيرته، التي حكم بوحشية أكثر من نصف قرن.
لاكروا: كل سوري غمرته زوبعة من المشاعر عندما علم بسقوط الدكتاتور المتعطش للدماء بشار الأسد وأعوانه بعد عشيرته، التي حكم بوحشية أكثر من نصف قرن
“هناك فرحة بين الجميع ووعود جميلة كثيرة بعد هذه الفترة” -كما تقول الدمشقية جيهان- ولكنها مع ذلك عبرت عن خوفها قائلة “هناك قلق بشأن المجهول. يجب ألا نتوهم أننا بين عشية وضحاها سوف نصبح في الجنة. سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تستقر الأمور”.
ومع أنه لا أحد ينكر متعة رؤية تماثيل الأسد تتداعى، ورفع علم الاستقلال السوري بكل فخر، وعثور الناس على أحبائهم الذين غابوا عن الأنظار سنوات، فإن مسألة المرحلة الانتقالية والحكم المستقبلي تطرح بشكل عاجل بالنسبة لبلد لم يكد ينتهي من التحرير.
ورغم رؤية أحمد الشرع (الجولاني)، زعيم هيئة تحرير الشام لما حدث على أنه “بداية لحقبة جديدة في سوريا” ودعوته رجاله إلى عدم الاقتراب من المؤسسات العامة وغيرها من إعلانات النوايا الحسنة، تتساءل الصحيفة ما هو الحكم الذي سينشأ من الفسيفساء السورية التي تخرج من 13 عاما من حرب أهلية دموية، باقتصاد خاضع للعقوبات في دولة كارثية يسود فيها الفساد على نطاق واسع؟
وتسلط إدارة إدلب الضوء بالفعل على أساليب الشرع، ولكن “نموذج” الحكم التكنوقراطي في إدلب بما يخالطه من “استبداد” -حسب الصحيفة- لا يمكن نسخه ولصقه في جميع أنحاء سوريا، خاصة أن هيئة تحرير الشام، مع أنها تتمتع بنفوذ واسع -حسب الخبير والأستاذ بجامعة لوزان جوزيف ضاهر- لا تمتلك القدرات العسكرية والبشرية اللازمة لإدارة كل شيء، وسيضطر قادتها إلى تقاسم السلطة، مع محاولتهم الحفاظ على النظام ومحاولة الانتقال في إدارة الأمور دون كثير من عدم الاستقرار.
ومن بين الأمور المجهولة العديدة في هذا العهد الجديد -حسب الصحيفة- مسألة السيطرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث يوجد جزء كبير من العلويين الموالين عادة لبشار الأسد، لأن خطر الانتقام بعد حرب أهلية دامية ليس ضئيلا.
يجب ألا نكرر الخطأ
ومثل لاكروا، ركزت مجلة لوبوان على مخاطر المرحلة الانتقالية في بلد أنهكته الحرب الأهلية ورأت -في مقابلة مع السفير السابق والمستشار الجيوسياسي ميشيل دوكلو- أن “على الغربيين أن يمدوا أيديهم للسلطة الجديدة في سوريا”
ويقول ميشيل دوكلو إن هناك فرصة، ولكن الأمور يمكن أن تسوء، دون أن يستبعد سيناريو على النمط الليبي عندما تنقسم الجماعات المتمردة، أو على النمط الأفغاني عندما تسحق مجموعة واحدة المجموعات الأخرى، إلا أن هناك درجة معينة من النضج السياسي بين الشعب السوري، مشيرا إلى أن أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام، سياسي حقيقي، أظهر أنه كان قادرا على التخفيف من إسلاميته من خلال الانفتاح على الأقليات ومن خلال حكومة مسؤولة نسبيا في إدلب، مما يعني أن هناك عناصر أمل في إعادة صياغة العقد الوطني السوري.
دوكلو: الأسباب نفسها التي دفعت الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان، هي التي دفعت إيران وسوريا لذلك، عندما بدت نسبة التكلفة إلى المنفعة مجحفة بالنسبة لهم، علما أن سلسلة كاملة من الإجراءات وردود الفعل أدت خطوة بخطوة، إلى تعديل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.
وعند السؤال لماذا تخلى الإيرانيون والروس عن تلميذهم الأسد بهذه السرعة، على الرغم من أنهم بذلوا جهودا كبيرة لإبقائه في السلطة؟ رد المستشار الجيوسياسي أن الأسباب نفسها التي دفعت الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان، هي التي دفعتهما لذلك، عندما بدت نسبة التكلفة إلى المنفعة مجحفة بالنسبة لهم، علما أن سلسلة كاملة من الإجراءات وردود الفعل أدت خطوة بخطوة، إلى تعديل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.
دولو: سبب تحول الثوار إلى إسلاميين هو أننا تخلينا عنهم عام 2013، ويجب ألا نكرر هذا الخطأ.
وعند سؤاله كيف يجب أن يكون رد فعل الغربيين؟ قال ميشيل دوكلو إن على الغربيين أن يخرجوا من عدم فهمهم، مؤكدا أنه من الضروري اليوم أن يتعاون الغربيون، وخاصة الفرنسيين الذين يتحملون مسؤولية تاريخية نحو سوريا، مع القوة الجديدة، ويجب أن يرسلوا إشارات تظهر أن فرنسا تشارك السوريين فرحتهم بتحرير بلدهم، وعلينا أن نحيي تضحيات جميع السوريين الذين ماتوا من أجل تحرير بلدهم.
وبالنسبة لمخاوف تحول سوريا من يد دكتاتور متعطش للدماء إلى يد قوة إسلامية و”كأننا نستبدل شرا بشر آخر”، أكد المستشار الجيوسياسي أن هذا سيكون الشعور العام، ولكن علينا أن نتذكر -حسب رأيه- أن سبب تحول الثوار إلى إسلاميين هو أننا تخلينا عنهم عام 2013، ويجب ألا نكرر هذا الخطأ.