نزوح وأزمة إنسانية كبيرة نتيجة الجفاف الحاد في الصومال
مقديشو- تحت ظل شجرة في “مخيم العدالة” تأخذ أسرة حلمية إبكير استراحة من مشقة السفر الذي استغرق يومين، هاربة من مناطق سكنها في إقليم بكول جنوب غربي الصومال.
وتقول إبكير للجزيرة نت “صبرنا على مشقة العيش في قريتنا على أمل هطول موسم الأمطار، لكن مع تأخر موعده، اشتد الأمر علينا وبدأ الجفاف يخطف المواشي واحدة تلو الأخرى حتى بات الهروب خيارنا الوحيد خشية أن نموت جوعا”.
لا يمضي عام في الصومال إلا وتتكرر فيه الأزمات البيئية الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي العالمية، مما يؤدي إلى إعلان حالة مجاعة نتيجة الجفاف. ومع بداية عام 2025، أصبحت الأزمة أكثر حدة نتيجة تأخر هطول موسم الأمطار في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
نداء عاجل
يُقدر عدد السكان في الصومال بأكثر من 18 مليون نسمة. وفي ظل هذا الظروف، أطلقت الهيئة الوطنية للكوارث والشؤون الإنسانية نداء عاجلا لتوفير الدعم لنحو ثلث السكان المقدّر بـ 6 ملايين صومالي، بينهم 3.2 ملايين شخص يواجهون أوضاعا مأساوية نتيجة نقص حاد في الغذاء والمياه والخدمات الأساسية.
وبحسب تقرير الهيئة، نزح نحو 200 ألف صومالي من مناطقهم هربا من الجفاف وخوفا على حياتهم، كما سُجل نفوق قرابة مليون و500 ألف رأس ماشية بسبب القحط في مناطق عدة في وسط البلاد وجنوبها.
بدورها، تسابق صفية الزمن لطبخ وجبة لأطفالها الأربعة بعد أن استقر بها المقام في “مخيم العدالة” قبل أسبوع تقريبا. وتقول للجزيرة نت إن المياه وحدها متوفرة فيه، لكن الحصول على لقمة العيش لا يختلف كثيرا عن المناطق التي هربوا منها، حيث يعتمدون على دعم المقيمين الأصليين ويتقاسمون معهم بعض ما توفر من الغذاء، “لكن هذا الدعم محدود وقد يكفينا ليوم أو يومين فقط”.
من جانبها، توضح رئيسة المخيم نظيفة حسين للجزيرة نت، أن الأسر الهاربة من الجفاف تصل تباعا إلى المخيمات القريبة من العاصمة مقديشو، “وليس أمامنا سوى أداء واجبنا الإنساني بالترحيب بهم وتوفير قطعة أرض لإقامة كوخ صغير كمأوى مؤقت، ووجبة جاهزة لمقاومة الجوع”.
وأضافت أن غياب المساعدات فاقم الوضع الإنساني في هذه المخيمات الذي أصبح معقدا للغاية، وأن قدرتهم على تقديم العون محدودة جدا وقد تتراجع إلى الصفر كلما زادت أعداد الفارين من ويلات الجفاف، محذرة من تأزم الوضع في حال لم تقدم الهيئات الأممية والمحلية مساعدات عاجلة للنازحين الجدد.
واستقبل “مخيم العدالة” وحده خلال أسبوعين نحو 156 أسرة هربت من عدة أقاليم مختلفة، ويختزل هذا العدد حجم العائلات الفارة من الجفاف التي يستقبلها قرابة 200 مخيم في ضواحي مقديشو.
خطة طوارئ
وللاستجابة لهذه الأزمة، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير له في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خطة طوارئ إنسانية بقيمة 1.42 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في الصومال خلال العام 2025، وتسعى لتقديم مساعدات حيوية ومنقذة للحياة، لا سيما للفئات الأكثر ضعفا، بما في ذلك النساء وكبار السن.
وبحسب تقديرات المكتب، يحتاج نحو 5.98 ملايين شخص إلى المساعدات الإنسانية سنة 2025. ورغم ذلك، فإن هذا الرقم أقل بنسبة 13% مقارنة بالعام 2024.
وأشار التقرير إلى أن المخاطر الرئيسية لعام 2025 تتمثل في الجفاف والصراعات المحلية، حيث تشكل الصراعات أكثر من 50% من عمليات النزوح، موضحا أن خطة الاستجابة تنص على اتخاذ إجراءات طارئة للتعامل مع المخاطر المتوقعة في العام الجديد قبل أن تتفاقم الأوضاع الإنسانية.
من جهته، قال رئيس الهيئة الوطنية للكوارث والشؤون الإنسانية محمود معلم، إن الهيئة تعمل بكل طاقتها على تخفيف معاناة الفارين من ويلات الجفاف في 16 إقليما من أصل 18 في الصومال. وأضاف للجزيرة نت، أن الهيئة تمكنت خلال الأشهر الثلاثة الماضية من إيصال مساعدات إنسانية لنحو 2.1 مليون شخص كانوا في أمس الحاجة لها.
وطالب معلم الهيئات الدولية والمحلية بتضافر الجهود الإنسانية للحد من أزمة الجفاف التي تتربص بملايين الصوماليين، قبل أن تتفاقم إلى مرحلة إنسانية صعبة.
جهود محدودة
وتعهدت المملكة المتحدة بتقديم مبالغ مالية استجابة لنداءات الأمم المتحدة، حيث أعلنت في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تقديم 5 ملايين جنيه إسترليني (نحو 10 ملايين دولار) من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الصومال، لتوفير الغذاء والدعم والمياه للأشخاص المتضررين من النزاعات المسلحة.
من ناحيته، أرجع خضر محمد نور، مدير مركز إدارة مخاطر الكوارث والإنذار المبكر في الهيئة الوطنية للكوارث، سبب الجفاف المتكرر في البلاد إلى التغير المناخي الذي يشهده العالم؛ حيث تشير البيانات إلى أن دورته تغيرت في الصومال ليشهد أزمة جفاف عاما تلو الآخر وإن اختلفت وتيرته.
وأضاف للجزيرة نت أن التقلبات المناخية اليوم تختلف كثيرا عن سابقتها وهو ما أدى إلى تعرض الصومال لأزمات جفاف متلاحقة وهطول أمطار متذبذبة أثرت سلبا على المزارعين والرعاة.
وبرأيه، فإن جهود الحكومة الصومالية لمواجهة التغير المناخي محدودة جدا مقارنة بالدول الأخرى، مما جعل البلاد عرضة لتداعياته من جفاف وفيضانات. وقال نور إن غياب الدعم الطويل الأمد يجعل الصومال يركز على مواجهة الأزمات القصيرة الأمد، مما يبقيه غير قادر على بناء إستراتيجيات مستدامة للحد من تأثير مشكلة التغير المناخي.
وبحسب مركز رصد النزوح الداخلي الدولي، يواجه الصومال منذ عدة سنوات أزمات مختلفة، مما أسفر عن نزوح عدد كبير من السكان، ويقدر المركز عددهم في عام 2023، بحوالي 3.9 ملايين شخص.