سياسة

قصة السجين السوري.. هل انخدعت “كلاريسا وارد” أم تعمّدت تزييف الحقيقة؟

“شخص صُوِّر بواسطة (سي إن إن) أثناء تحريره من قِبَل الثوار السوريين كان ضابطَ مخابرات سابقا تابعا للنظام السوري المخلوع” بهذه العبارة الفضفاضة يبدأ النص الذي نشرته “سي إن إن” على موقعها للتراجع عن التقرير المصوَّر الذي ادَّعت فيه إحدى صحفيات هذه الشبكة الإخبارية الأميركية أنها عثرت على معتقل سوري منسيّ في أحد مقرات الاحتجاز التابعة لنظام الأسد.

ولم تعتذر “سي إن إن” ولم تعتذر صحفيتها (كلاريسا وارد كبيرة المراسلين الدوليين بالشبكة) عن تضليل المشاهدين وعما وصفه متابعون بأنه إضرار بقضية المعتقلين السوريين الذين يعانون وأهاليهم منذ سنوات طويلة.

ولم يكن هذا هو “الخطأ” المهنيّ الأول لكلاريسا، ولم يكن البيان محاولة الاعتذار الأولى عن أخطائها، لكن لا الصحفية ولا “سي إن إن” استخدما ألفاظا توحي بالندم أو الاعتذار. وأما تتبع سيرة كلاريسا في تغطية شؤون المنطقة، فيطرح الكثير من علامات الاستفهام حول “براءة الخطأ المهني” الذي وقعت فيه، فهي ذاتها من ظهر في مقطع درامي على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي شنته فصائل المقاومة على الأراضي المحتلة العام الماضي. حينها ظهرت الصحفية وكأنها تحتمي من صواريخ أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية على الأراضي المحتلة.

لكن -وبتحليل بسيط للدقائق السبع التي شكّلت تقريرها- لا يمكنك أن تسمع صوت صاروخ واحد فضلا عن “وابل الصواريخ” بحسب الرواية التي ادّعتها كلاريسا، ولا يمكنك أن تلحظ في المقطع المرئي سوى اتساق ما تحكيه كلاريسا مع الرواية الإسرائيلية. وهو ما دفع الصحفية المصرية الشابة رحمة زين في وقت لاحق لمواجهتها، قائلة لها “أنت مجرد دمية”.

كما أن كلاريسا هي من ادّعت في وقت سابق من هذا العام اختطافها في دارفور من قبل “مليشيات مسلحة” دون وجود دليل واحد على صحة روايتها، وهي ذاتها التي ظهرت على “سي إن إن” مرتدية الحجاب من وسط العاصمة الأفغانية بعد سيطرة طالبان على الحكم هناك عام 2021. فما قصة كلاريسا؟ وهل أخطأت حقا في عرض قصة السجين السوري، أم أن هذا “الخطأ” يأتي ضمن سلسلة من الأحداث والوقائع المتصلة التي تبرز وجها آخر تحاول كلاريسا التستّر وراءه.

صناعة “اللحظة الاستثنائية”

“طوال العشرين عاما التي عملت فيها صحافية، كانت هذه من أكثر اللحظات الاستثنائية التي شهدتها”.

هكذا وصفت كبيرة المراسلين الدوليين في “سي إن إن” اللحظة الصادمة التي وثَّقتها أثناء تجولها بأحد السجون السرية داخل مقر المخابرات الجوية في العاصمة دمشق، وذلك بعدما عثروا على أحد المعتقلين المحتجزين في زنزانة مُحكَمة الغلق، وقد تُرك لأيام بلا طعام أو شراب. حينذاك اضطر فريق الشبكة الأميركية لإغلاق الكاميرات أثناء قيام المسلح التابع لقوات المعارضة بإطلاق النار على الباب الحديدي بهدف إطلاق هذا المعتقل.

ونكتشف فيما بعد أن هذا السجين كان يجهل طوال الأيام الفائتة خبر الإطاحة بنظام الأسد، وهو ما وثَّقته المراسلة الأميركية بمقطع مصوَّر نشرته “سي إن إن” بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري على موقعها الرسمي ومنصة “يوتيوب” ليتخطى مليونيّ مشاهدة في غضون أيام.

 

 

وتقول كلاريسا إنها ذهبت وفريقها إلى هناك بحثا عن أي أثر للصحفي الأميركي أوستن تايس الذي اعتقله نظام الأسد عام 2012، لكنهم عوضا عن ذلك وجدوا “عادل غربال” الذي اعتُقل -بحسب الرواية التي ظهرت أمام الكاميرا قبل 3 أشهر من مدينة حمص– وكان قد تنقَّل خلال ذلك بين السجون حتى انتهى به الحال كما شاهدناه بمقر المخابرات الجوية.

وفي المقطع المصوَّر، ظهر هذا السجين يشد على يد مراسلة “سي إن إن” والمسلح الذي رافقها، فكان يرتجف تارة، وينظر للسماء تارة أخرى، وعندما قدَّموا له الطعام بدا وكأنه عاجز عن البلع، فأجلسوه على كرسي خارج أسوار السجن في انتظار وصول المسعفين، وأثناء ذلك كان يُدلي بشهادته عما تعرَّض له من قِبَل أجهزة المخابرات مدعيا أنهم فتشوا هاتفه واستجوبوه وضربوه.

 

وإحدى المشكلات التي ظهرت في “اللحظة الاستثنائية” التي وثَّقتها كلاريسا كانت عدم وجود أية معلومات متوفرة في السجلات الرسمية عن “غربال” السجين المنسيّ.

ومع انتشار التقرير، تصاعدت الأصوات المُشكِّكة -بين السوريين وغيرهم- مطالبين بالتحقق من مصداقية الصحفية، والحدث نفسه. ولا يبدو من خلال تتبع مسار الأحداث أن “سي إن إن” ولا الصحفية قد التفتا لهذه الدعوات. لكن بعد 3 أيام، نشرت منصة “تأكد” السورية للتحقق من الأخبار أن المعتقل المنسيّ في الحقيقة هو “سلامة محمد سلامة” ضابط بأجهزة الأمن، وأنه سُجن لفساده ضمن المنظومة القمعية السورية، وليس معتقلا مدنيا بريئا كما ادَّعت “سي إن إن”.

الحقيقة وراء فيديو “سي إن إن”

بعد الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، انتشرت عشرات المقاطع المصوَّرة لقوات المعارضة التي وثَّقت لحظات اقتحام السجون وتحرير المعتقلين. وكان المُحرَّرون يغمرون الشوارع وتختلط لديهم مشاعر الفرح بالبكاء. أما السجون التي مثَّلت أبشع أدوات القمع والتعذيب لدى النظام البائد، فقد كانت شاهدة على أبشع الفظائع، كما رواها الناجون من سجون بشار.

وعلى العكس من ذلك، نجد التقرير الذي نشرته شبكة “سي إن إن” -عن تحرير المعتقل المنسيّ- يعج بعدد من التناقضات.

فقد ظهر السجن فارغا ومهجورا، وكانت أبواب الزنازين كلها مفتوحة دون وجود أي أثر لمعتقلين بداخله، وهو بالفعل أحد مراكز الاحتجاز المحررة منذ عدة أيام من قِبَل قوات المعارضة، وجابته مئات العائلات من أبناء الشعب في محاولة للبحث عن ذويهم المغيّبين بمعتقلات الأسد، وتجوَّلت داخله كاميرات الجزيرة يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري موثقة أهواله والفظائع التي ارتُكبت داخله بوصفه أحد أبشع سجون الأسد، الأمر الذي دفع مشاهدي التقرير للتساؤل عن الكيفية التي غفل بها كل هؤلاء عن هذا السجين الوحيد لحين وصول مراسلة “سي إن إن” لتحرره؟

أضف إلى ذلك أن هذا الشخص -الذي من المفترض أنه احتُجز 3 أشهر دون التعرض للشمس، وتعرض للتعذيب، وقضى الأيام الأربعة الأخيرة بلا طعام أو ماء- لم ترمش عيناه عند رؤيته للشمس، بل ظهر في الفيديو مهندما حليق الذقن بأظافر نظيفة وصحة جيدة، وبلا أي كدمات أو آثار للتعذيب. وهذه التفاصيل المريبة التي تتناقض مع ادعائه بأنه كان محتجزا بالحبس الانفرادي مدة 90 يوما في الظلام، مما جعل الكثيرين يشككون فيما إذا كان سجينا من الأساس.

أما المفاجأة الكبرى فقد كشف عنها تقرير منصة “تأكد”. فبعد أن تتبَّع فريق التحقق من الأخبار تاريخ غربال -الذي ظهر بمقطع “سي إن إن” المصوَّر- تبيَّن أنه ضابط برتبة مساعد أول في المخابرات الجوية التابعة لنظام الأسد، وقد كان مسؤولا عن تعذيب واعتقال العديد من شباب مدينة حمص.

وقد تعرَّف أهل منطقة البياضة في حمص على غربال من صورته، وأكدوا أن اسمه الحقيقي سلامة ويشتهر بـ”أبو حمزة” وكان مسؤولا بحكم عمله عن عدة حواجز أمنية بالمدينة. ووفقا لشهادات أهالي الشهداء والناجين من المعتقل -كما نقلته منصة “تأكد”- فإنه كان “ظالما استغل منصبه في فرض الإتاوات والسرقة وتجنيد المخبرين قسرا لجمع المعلومات لصالحه” كما تورط في قتل المدنيين بعدة عمليات عسكرية شارك بها عام 2014، كما نقلت المنصة السورية.

وبالحديث مع الصحفي أحمد بريمو (مدير منصة تأكد) قال إن من ملابسات المقطع نفسه وجود هذا السجين وحيدا في وضَح النهار داخل سجن تم التحقق من الموجودين فيه سابقا فترات المساء، كما أن ملابسه وأظافره ومظهره العام لا يدل على أنه بقي وحيدا في زنزانة لأيام. وأضاف بريمو للجزيرة نت أن “ما شاهدنا يعبر عن سذاجة صحفية ومسرحية لا ترقى أن تُعرض على قناة “الدنيا” التابعة لنظام الأسد، فضلا أنه يُعرض في قناة بحجم “سي إن إن” بحسب تعبيره.

ويؤكد بريمو أنهم ما زالوا يتتبعون قصة الضابط سلامة، كما يسعون لمعرفة من هو المسلح الذي رافق الصحفية الأميركية أثناء دخولها الزنزانة في محاولة لاستخلاص المزيد من المعلومات حول هذه الواقعة.

هل وقعت “سي إن إن” بالفخ أم أوقعت المشاهدين؟

مساء الاثنين 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن شبكة “سي إن إن” قولها إن فريقها بقيادة كبيرة المراسلين الدوليين كلاريسا، وبرفقتهم الحارس الذي كان أحد عناصر قوات المعارضة، قد تعرضا للخداع أمام الكاميرات من قِبَل المدعو سلامة، وإن الشبكة تواصل حاليا التحقيقات لجمع المعلومات عن خلفية هذا الشخص الذي عرَّف نفسه بهوية مزيفة.

وقد برَّرت شبكة “سي إن إن” موقفها قائلة إن تداول هذا المقطع المصوَّر على مواقع التواصل كان المراد به فتح نافذة جديدة لفهم الشعب السوري للحرية المكتسبة بعد عقود من الاستبداد، لكنهم تعرضوا للتضليل، وقد وضعت الشبكة تحذيرا نهاية الفيديو على موقعها الرسمي تتنصل فيه مما جاء في التقرير.

وكان المتحدث الرسمي باسم “سي إن إن” قد صرح لأحد المواقع الإخبارية الأميركية أن الشبكة قامت ببث الحدث فور وقوعه كما شاهدناه بالمقطع المصوَّر، مشيرا إلى أنها أذاعت شهادة السجين كما رواها، فضلا عن أن أحدا لم يكن يعلم بخطط كلاريسا لزيارة السجن ذلك اليوم بخلاف الفريق الصحفي للشبكة. أضف إلى ذلك أن اتخاذ قرار إطلاق السجين جاء من قِبَل الحارس التابع لحركة المعارضة، وليس طاقم الشبكة، وذلك وفق بيان “سي إن إن” عن الواقعة.

وكانت “سي إن إن” قد خرجت عن صمتها في تقرير ضعيف نشرته على موقعها الرسمي، أفادت فيه أنها حصلت على صورة من أحد سكان حي البياضة بحمص توضح الهوية الحقيقية لهذا المحتال الذي ظهر في المقطع المصوَّر تحت اسم “غربال” مدعيا أنه شخص مدني كان معتقلا منسيا في سجون الأسد.

وكان غربال في الصورة يجلس على مكتب حكومي مرتديا زيًّا عسكريا، وقد أظهرت برامج التعرف على الوجه تطابقا بنسبة 99% مع ملامح السجين المحرر الذي ظهر بالفيديو. ووفق شهادات أهالي حمص، تبيَّن أن اسمه الحقيقي سلامة، وكان يعمل ضابطا في جهاز المخابرات الجوية التابع لنظام الرئيس المخلوع.

وأشارت الشبكة الأميركية إلى أنها حاولت الاتصال بالسجين المحرر الذي ظهر بالفيديو، لكن ليس هناك أي معلومات تدل على مكان وجوده الحالي، فقد كان آخر ظهور له من خلال صورة نشرتها منظمة الهلال الأحمر السوري في وقت سابق على مواقع التواصل، حيث أعلنت فيها أنهم قاموا بإعادة هذا السجين إلى أقاربه في دمشق. وقالت “سي إن إن” إن فريقها يسعى في جهود مستمرة لجمع بيانات عن “أبو حمزة” وكيف انتهى به الحال داخل أحد سجون دمشق، لافتة إلى أن هناك دعاوى تشير إلى أنه سُجن نتيجة خلاف مع ضابط أعلى رتبة على تقاسم الأموال المُبتزة، لكن الشبكة الأميركية لم تستطع التأكد من هذه المعلومات.

وبالعودة إلى بريمو وحديثه للجزيرة نت، فهو يقول إن رأيه الشخصي -الذي لا يعبّر عن المنصة التي يعمل بها (تأكد)- أن كلاريسا جاءت إلى سوريا بعد سقوط الأسد وخروج المعتقلين، وهما القضيتان اللتان حازتا الزخم الأكبر من الاهتمام العالمي. وبحسب رأيه الذي أدلى به للجزيرة نت، فإن هذا التأخر ربما دفع كلاريسا لمحاولة صناعة زخم عبر صناعة مشهد إعلامي متصل بقضية المحتجزين. أما ما يدعم هذا الرأي بحسب بريمو، فهي سوابق كلاريسا نفسها التي صنعت مشهدا زائفا في حرب غزة.

ويضيف للجزيرة نت أنه “في حال صدّقنا رواية” (سي إن إن) بانخداع المراسلة، فإن هذا لا يقل فداحة عن خطأ صناعة الحدث، فالصحفي يجب أن يمتلك حسا نقديا يميز من خلاله ما هو حقيقي أو مزيف. ووضّح بريمو أنه وقبل أن تُبيّن منصة تأكد حقيقة ما جرى، ومنذ اللحظات الأولى لنشر التقرير، فقد ضجّت مواقع التواصل بسيل من الانتقادات التي توضح هزلية المشهد، وأن هناك أحد أمرين: إما أن المشهد كان مفبركا، أو أن السجين كان ممثلا. وهما فرضيتان تفطّن لهما مشاهدون عاديون، فما ظنّك بمراسلة في أحد أكبر القنوات العالمية ولها خبرة تزيد على 20 عاما بالمجال الصحفي.

إنها تقدم ما يُعجب الرجل الأبيض

وصف موقع “ذا غراي زون” الإخباري المقطع المصوَّر الذي أعدَّته “سي إن إن” بالعرض المسرحي، مشيرا إلى اللقطات التي تُظهِر لحظة التحرير التاريخي للسجين المفترض، التي تكشف عن عملية احتيال فاضحة، ورغم كشف أكاذيبها فإن الشبكة ما زالت تبث هذه المقاطع، وتدافع عن مراسلتها بدعوى أنها تعرضت للاحتيال.

وكانت “واشنطن بوست” قد دافعت عن كلاريسا -في تقريرها سابق الذكر- قائلة إنها مراسلة بارعة وتُعد وجه “سي إن إن” لتغطية الصراعات حول العالم، لافتة إلى أن الكثير من الصحفيين حاولوا تقديم الدعم لها في أزمتها الأخيرة، حيث أرفقت تصريح كبير مراسلي شبكة “فوكس نيوز” الأميركية تري ينجست الذي قال عنها إنها صحفية “محترفة ونزيهة” مضيفا أن الهجوم الذي تعرضت له كلاريسا سخيف ولا أساس له من الصحة.

وطوال الأيام الفائتة، تصدَّر اسم كلاريسا منصات التواصل بطريقة ساخرة، حيث اتهمها الصحفي الأميركي ماكس بلومنتال عبر حسابه الرسمي بمنصة “إكس” بعدم احترام المعايير التحريرية لمهنة الصحافة، واصفا إياها بـ”الممثلة الإخبارية” في حين علَّق متابعون آخرون بأن أداءها التمثيلي يستحق جائزة الأوسكار.

فيقول بلومنتال إن هذه لم تكن المرة الأولى التي تُتهم فيها مراسلة “سي إن إن” باختلاق قصة خبرية وإخراج مشاهد مفبركة أمام الكاميرات، ففي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ظهرت كلاريسا في مقطع مصوَّر ادَّعت فيه أنها اضطرت للاختباء داخل حفرة قرب حدود إسرائيل مع القطاع الفلسطيني لتحتمي من هجوم بالصواريخ شنَّته حركة المقاومة الفلسطينية (حماس).

وتبيَّن للمشاهدين فيما بعد أن تلك اللقطة لا تزيد على كونها مشهدا تمثيليا، شاركت كلاريسا في إخراجه وتصويره للتظاهر بالخطر أمام الكاميرات، مما عرَّضها لسخرية واسعة على مواقع التواصل.

وفي واقعة أخرى، ظهرت كلاريسا بأحد المقاطع المصوَّرة التي انتشرت على نطاق واسع بمنصات التواصل، وذلك بعد أن وبَّختها الصحفية المصرية رحمة زين، قائلة لها “أنت مجرد دمية”.

وكان ذلك أثناء تغطية الأحداث في الجانب المصري من معبر رفح الواقع على الحدود مع القطاع غزة، وقد انتقدت الصحفية الشابة كلاريسا لتغطيتها المضللة للحرب على غزة وتحيزها للخطاب الدعائي الإسرائيلي بحسب وصفها، داعية إياها لنقل حقيقة ما يحدث على الجانب الفلسطيني من قتل وذبح وتهجير دون الالتفاف إلى الوقائع وتغيير السردية لتتوافق مع التوجهات الأميركية والغربية الداعمة لحرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني المحاصر.

وتُتهم كلاريسا بالتحيز الشديد، والتضليل المتعمد أثناء تغطيتها للمناطق في الدول العربية والإسلامية، وقد ارتدت حجابا متعسفا أثناء تغطيتها للأخبار في كابل بعد انسحاب القوات الأميركية وعودة طالبان للسلطة بأفغانستان، في إشارة إلى إجبار النساء على ارتداء أزياء معينة. وأثناء تغطيتها للحرب بالسودان، قبل شهرين، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، ادَّعت كلاريسا أنها وفريقها اختُطفوا ليومين من قِبَل مليشيات مسلحة. وتعالت الاتهامات بأنها فبركت عملية اختطافها، فقط لجذب المزيد من الانتباه.

وفي معظم تغطياتها التي تتناول المنطقة، تبدو كلاريسا معنية بتجسيد الصورة التي يتوقعها الرجل الأبيض، أكثر من استعدادها لنقل الحقيقة بما هي عليه. وهذا ما فعلته في غزة، وسوريا، والسودان، وأفغانستان، فالذي يتوقعه المواطن الأبيض، الذي لا يرى سوى الدعاية الإسرائيلية، أن يرى صواريخ تهبط على رؤوس المدنيين العُزل في إسرائيل، وهذا ما قدمته كلاريسا. وفي سوريا، سيكون الرجل الأبيض سعيدا بأن تُنقذ امرأة بيضاء شخصا أسمر نسيه جلّادوه في زنزانته ولم يلتفت إليه الثوار. وفي أفغانستان، سيتعجب الرجل الأبيض إن رأى امرأة بلباس غربي وسط كابل، لقد خلفت الدعاية الغربية والمستشرقون ووسائل الإعلام صورة المنطقة التي تريد للأبيض أن يراها، وبغض النظر عن مصداقيتها أو مهنيتها أو الاتهامات ضدها، لم تدخر كلاريسا جهدا في تثبيت هذه الصورة المضللة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى