المقاومة في الأغوار تقض مضجع إسرائيل رغم تعزيزاتها الأمنية
مراسلو الجزيرة نت
الأغوار الفلسطينية- في عملية عسكرية نفذتها القوات الخاصة الإسرائيلية بعد أن تنكرت بزي أطباء وممرضين يوم 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، اعتُقل الشاب أيمن غنَّام من داخل غرفة العناية المركزة في المستشفى العربي التخصصي بنابلس، واقتادته القوات رغم وضعه الصحي الصعب وإصابته الخطيرة بمركبات مدنية استقلتها لتنفيذ المهمة.
ويُتهم غنَّام -حسب ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية- بأنه أحد أفراد خلية مقاومة نفذت عملية فدائية وقتلت مستوطنا إسرائيليا يدعى يونتان دويتش وجرحت آخر، قرب مستوطنة “ميخولا” في الأغوار الشمالية الفلسطينية في أغسطس/آب الماضي، وهي واحدة من سلسلة عمليات أربكت الاحتلال ونفذها مقاومون فلسطينيون في تلك المنطقة خلال العامين الأخيرين.
وبحسب الصحيفة، فإن قوات من وحدات اليمام والشاباك التابعتين لجيش الاحتلال اعتقلت غنَّام بعد إصابته بقصف من طائرة مسيرة استهدفه ومجموعة من المطاردين، قرب مدينة طوباس الثلاثاء الماضي، كما زعمت أن قوات الاحتلال اغتالت شريكا آخر له في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
قلق إسرائيلي
تشكل الأغوار الفلسطينية 28% من مساحة الضفة الغربية، التي تصل إلى 5 آلاف و800 كيلو متر مربع، تسيطر إسرائيل على 88% منها عبر تصنفيها “أراضي دولة” ومناطق تدريب عسكري ومحميات طبيعية.
ومع تصاعد العمليات التي تستهدف الاحتلال في الأغوار الفلسطينية لا سيما الوسطى والشمالية ومدينة طوباس ومحيطها، سارعت قوات الاحتلال للقضاء على حالة المقاومة فيها ومنع انتشارها بشكل أكثر، أسوة بما تفعله ببقية مناطق الضفة الغربية التي تريدها هادئة وخالية من هذه المقاومة، التي يقلق تصاعدها إسرائيل.
يقول الخبير بالشأن الإسرائيلي وابن مدينة طوباس محمد أبو علان، للجزيرة نت، إن الاحتلال يعمل على اجتثاث المقاومة في مكان وليس بموقع دون آخر، لكنه في الأغوار يسابق الزمن أكثر لإنهائها لأسباب كثيرة أهمها:
- أن الأغوار منطقة حدودية مع الأردن، وأمنية بالدرجة الأولى، حيث إن أي عمليات للمقاومة تزعزع استقرار المنطقة.
- تعدها إسرائيل المنطقة الأولى لتهريب سلاح المقاومة، وتنشط فيها عمليات تهريب كثيرة “لدرجة أن بعض السياسيين الإسرائيليين سموا منطقة الحدود الأردنية الفلسطينية بخط فيلادلفيا الشرقي”، حسب أبو علان.
- يعد شارع 90 الذي يمتد من الأغوار شمال الضفة الغربية وحتى الخليل جنوبها شريانا حيويا للإسرائيليين، وفي الوقت نفسه هدفا للمقاومين.
- يسعى الاحتلال لتعزيز الاستيطان وتوسيعه في الأغوار، كأول منطقة طرحها للضم، حيث سبق أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك حين رفع شعار “الأغوار أولا”، لأنها تشكل مناطق جغرافية واسعة، وفيها موارد ضخمة وأراضٍ خصبة ويسكنها عدد قليل من الفلسطينيين؛ يشكلون نحو 60 ألفا مقابل قرابة 12 ألف مستوطن يقيمون بأكثر من 40 مستوطنة.
- انتشار 7 معسكرات للجيش ومناطق التدريب العسكري التي تحتل مساحات شاسعة من الأراضي، خاصة القريبة من مدينة طوباس، حيث يعتبرها الجيش مشابهة لمناطق جنوب لبنان، كما أن فيها أكبر معسكر لسلاح المظليين بمنطقة حمدات، حسب ما يؤكد أبو علان.
مقاومة نوعية
ورغم تصنيف الأغوار منطقة “مهمة أمنيا” ووجود استنفار أمني دائم فيها، فإن المقاومين تمكنوا في كل عملياتهم السابقة من الانسحاب وبسهولة، بل تمكنوا من الاختفاء لأسابيع وأشهر أحيانا، “وهو ما يدلل على فشل استخباراتي وعملياتي لإسرائيل، وفشل بقدرتها على الاستجابة، وبالتالي الردع المباشر” وفق ما يقول أبو علان.
شددت إسرائيل مظاهرها الأمنية في الأغوار، عبر نصب حواجز عسكرية جديدة، وتشديد إجراءاتها على الحواجز القديمة مثل حاجزا تياسير والحمرا، اللذين تغلق بهما مناطق الأغوار، كما نصبت كاميرات مراقبة، وكثفت حملاتها العسكرية واقتحاماتها للمناطق التي ينتشر بها المقاومون، خاصة مدينة طوباس.
يقول أبو علان إن “المقاومة ورغم تأثرها بالملاحقة العسكرية الإسرائيلية فإنها وبطبيعتها تشهد حالات مد وجزر، وبالتالي لا يمكن القضاء عليها”، وأضاف أن “العمليات الفدائية لا تقاس بعددها وإنما بنوعيتها كما هو الحال بالأغوار، حيث ينسحب المقاومون ويصورون عمليتهم أيضا”.
ووفق مركز معلومات فلسطين “معطى”، نفذ الفلسطينيون بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى مطلع ديسمبر/كانون أول الجاري 177 عمل مقاومة في أريحا والأغوار الفلسطينية، تنوعت بين إطلاق نار واشتباك مسلح وزرع عبوات ناسفة وإعطاب آليات عسكرية ومواجهات مباشرة ومظاهرات.
وذكر المركز أنه ومنذ الأول من يناير/كانون الثاني 2023 وحتى يومنا هذا، نفذ المقاومون 6 عمليات نوعية، أدت لمقتل 7 جنود ومستوطنين إسرائيليين وجرح 10 آخرين.
عسكرة الأغوار
يتفق الناشط في توثيق انتهاكات الاحتلال في الأغوار الفلسطينية عمر عينابوسي مع ما ذهب إليه الخبير أبو علان، ويقول إن أكثر ما يقلق الاحتلال هو الحدود الممتدة على طول 360 كيلو مترا، والتي تعدها إسرائيل خط الإمداد الأول بالعتاد والعدة وحتى بالفدائيين لأي انتفاضة أو مقاومة بالضفة الغربية، فهي تعرف بـ”بوابة الفدائيين”.
ويضيف عينابوسي للجزيرة نت أنه يوجد في الأغوار العديد من القواعد الإسرائيلية الحساسة، وبها أيضا مستوطنة “ميخولا” أول مستوطنة أُقيمت بالضفة الغربية عام 1967، وتحوي أهم وأوسع المواقع التدريبية لجيش الاحتلال، كما أنها تعد منطقة زراعية واقتصادية مهمة لإسرائيل، وتشكل قاعدة استثمارية في الزراعات التصديرية.
وسعيا لمنع أي عمليات تسلل وملاحقة المقاومين، يعمل الاحتلال على “عسكرة الأغوار” من خلال محاربة كل ما هو فلسطيني، والتضييق على الفلسطينيين من أجل تهجيرهم، ومصادرة الأراضي وتهجير المزارعين والاعتداء عليهم، وتقليص مساحات الرعي والزراعة الخاصة بهم وسرقة المواشي.
لكن أعمال المقاومة لا تزال متواصلة، رغم إجراءات إسرائيل العسكرية وملاحقتها المقاومين، وقتلها حتى الآن أكثر من 70 فلسطينيا في محافظة طوباس والأغوار الشمالية الفلسطينية، كان آخرهم المقاومان عدي دراغمة وخليل المصري أمس الاثنين.