سياسة

الحرب تدفع مزيدا من اللبنانيين لمغادرة الوطن

بيروت– في مختلف المناطق اللبنانية، تشهد مراكز الأمن العام ازدحاما شديدا حيث يتوافد العشرات وأحيانا المئات من المواطنين حاملين أوراقهم الرسمية لتقديم طلبات للحصول على جواز السفر الذي يتيح لهم مغادرة البلاد هربا من الحرب الإسرائيلية التي أجبرت مئات الآلاف منهم على النزوح من منازلهم وقراهم وبلداتهم.

ومنذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، وسعت إسرائيل من غاراتها الجوية وقصفها على لبنان، حيث تركّزت الهجمات في مناطق الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، مما أسفر عن استشهاد 3365 مواطنا وإصابة أكثر من 14 ألفا و344 آخرين، وفقا لآخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة.

كما أسفر التصعيد الإسرائيلي عن تدمير الكثير من المنازل والممتلكات، وأصبح البحث عن مكان آمن، بما في ذلك خارج البلاد، هدفًا لكثير من اللبنانيين خاصة مع تصاعد الأزمة الإنسانية والإغاثية وتفاقم الأوضاع المعيشية.

ولا يعد الازدحام في مراكز الأمن العام بهدف الحصول على جوازات سفر أمرا جديدا. فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي عام 2019، تزايدت طلبات استخراجها بشكل ملحوظ، حيث يسعى العديد من اللبنانيين للهرب من ضنك العيش وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لليرة بحثا عن فرص أفضل بالخارج.

القصف والعدوان الإسرائيلي على لبنان يدفع العديدين إلى الفرار بحثا عن الأمان (رويترز)

زيادة الطلب

ويقول رئيس دائرة العلاقات العامة بالمديرية العامة للأمن العام العميد رمزي الرامي، في حديث للجزيرة نت، إن الارتفاع في الطلب على جوازات السفر بدأ في أغسطس/آب وتزايد بشكل ملحوظ بعد الهجوم الإسرائيلي الذي وقع يوم 23 سبتمبر/أيلول، مما جعل المواطنين يشعرون بتأثير الحرب المباشر على حياتهم، فاندفعوا لتسريع إجراءات الحصول على جوازات السفر.

ومن جهة أخرى، تزامن هذا الاقبال مع موسم الذروة في سبتمبر/أيلول، حيث سعى اللبنانيون الذين أمضوا إجازة الصيف في البلاد إلى تجديد جوازاتهم قبل مغادرتهم. إضافة إلى ذلك، شهدت الفترة نفسها إقبالًا من الطلاب الذين تسلّموا نتائج امتحاناتهم، إلى جانب الراغبين في زيارة العتبات المقدسة بالخارج.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد العميد الرامي أن تدهور الوضع الاقتصادي بسبب الحرب دفع العديد من الشركات للإغلاق، خاصة في المناطق المتضررة مثل الجنوب، مما أجبر اللبنانيين على البحث عن فرص عمل في الخارج.

أما بشأن التحديات اللوجستية، فقد أوضح العميد الرامي أن الاقبال المتزايد على جوازات السفر شكل ضغطا كبيرا على مراكز الأمن العام، خاصة مع فقدان العديد من المواطنين جوازاتهم نتيجة تدمير منازلهم في المناطق المتأثرة بالقصف.

وفيما يتعلق بتأثير القصف على مراكز الأمن، أكد العميد الرامي أن الأمن العام وضع خطة استباقية لضمان استمرارية العمل رغم القصف، وذلك بنقل الوثائق إلى مراكز بديلة في بيروت والمناطق المجاورة، كما تمكنت المديرية من تعويض نقص الأفراد الناتج عن الظروف الأمنية في بعض المناطق عبر استقدام عناصر لتغطية الشواغر.

ولفت العميد الرامي إلى أن المديرية العامة للأمن العام اختصرت المستندات المطلوبة للحصول على جواز سفر، ووفرت تسهيلات كبيرة لمن فقدوا جوازاتهم نتيجة الأحداث، مما ساهم في تجاوز التحديات اللوجستية واستمرار تقديم الخدمات دون انقطاع.

وفي سياق الدعم الدولي، أشار العميد الرامي إلى تجاوب دول مجاورة كالعراق وسوريا، حيث سمحت للبنانيين بدخول أراضيها باستخدام مستندات شخصية، مما سهّل عليهم التنقل، كما أن دول الخليج قدمت مساعدات كبيرة عبر استقبال العائلات اللبنانية وتسهيل حصولهم على تأشيرات للالتحاق بأسرهم، بينما كانت أفريقيا وجهة لكثير من اللبنانيين الباحثين عن ملاذ آمن.

ورغم هذه الصعوبات، يوضّح العميد الرامي أن المديرية العامة للأمن العام تمكنت من تجاوز الأزمة بالتعاون الدولي، إذ تم تأمين 460 ألف جواز سفر بدعم من دولة قطر، وقد تسلمت المديرية 100 ألف جواز كدفعة أولى، مع خطة لاستلام 130 ألف جواز إضافي قريبًا، كما تعهدت الدولة اللبنانية بتوفير مليون جواز سفر لتلبية احتياجات المواطنين.

خيارات صعبة

وقد التقت الجزيرة نت مواطنةً تدعى فاطمة وهي أم 3 أطفال وزوجها يعمل في أفريقيا “انتظرت هنا لساعات طويلة، أريد استخراج جواز سفر للمغادرة والالتحاق بزوجي في الخارج، البلد غير آمن.. أريد السفر للحفاظ على أولادي”. ورغم ملامح التعب والإرهاق التي كانت تعلو وجهها، أكدت فاطمة ضرورة الحصول على الجواز مهما طال الانتظار.

في زاوية أخرى، تحدث يوسف البالغ 30 عامًا للجزيرة نت قائلاً “بسبب الحرب، فقدت عملي، والآن أريد السفر إلى الإمارات حيث تعيش أختي، أرغب في البحث عن عمل هناك، فالحرب أخذت منا الكثير، ونأمل أن نرى لبنان في حال أفضل”.

أما أبو محمود، وهو في منتصف العمر، فقد ابتسم بغصة، وقال بصوت مخنوق للجزيرة نت “انتظرت طويلا، ولم أعد أشعر أن للوقت قيمة، أنا لا أرغب في السفر، لكن ابني يريد ذلك، لكن كيف لي أن أترك البلد في هذا العمر؟ كيف أرحل عن كل ما عشته؟ نحن أمام خيارات صعبة لكننا مضطرون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button