الجزائر تكشف أسباب عدم استقبال مؤثر جزائري رحّلته فرنسا
الجزائر- تتصاعد حدة الخلاف بين الجزائر وباريس، لتنتقل من قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال وما عرفته من تطورات تعكس حجم التوتر بين البلدين، إلى قضية “المؤثر” نعمان بوعلام المعروف باسم “دولامن”، والذي تم ترحيله من فرنسا وإعادته للجزائر، لتقرر الأخيرة عدم استقباله وإرجاعه إلى فرنسا في الطائرة نفسها.
واعتبر وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، أن الجزائر تسعى من خلال رفضها استقبال المؤثر الجزائري “لإذلال فرنسا”، مؤكدا أن بلاده “لن يكون لديها خيار سوى الرد إذا واصل الجزائريون هذا الموقف التصعيدي”، وذلك قبل أن يقدم مقترحا -رفضته الحكومة الفرنسية- يهدف إلى تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين، وزيادة التعريفات الجمركية على الواردات الجزائرية.
وفي مقابل ذلك، نفت الجزائر ما وصفته بـ”ادعاءات اليمين المتطرف الفرنسي ووكلاؤه والناطقون باسمه”، وقالت إنها “لم تنخرط بأي حال من الأحوال في منطق التصعيد أو المزايدة أو الإذلال، بل على خلاف ذلك تماما، فإنّ اليمين المتطرف ومُمثليه هم الذين يريدون أن يفرضوا على العلاقات الجزائرية – الفرنسية ضغائنهم المليئة بالوعيد والتهديد”.
وأضافت الخارجية الجزائرية، في بيانها، أن “اليمين المتطرف المعروف بخطاب الكراهية والنزعة الانتقامية، عبر أنصاره المُعلنين داخل الحكومة الفرنسية، انخرط في حملة تضليل وتشويه ضد الجزائر، مُعتقدا بأنه قد وجد ذريعةً يشفي بها غليل استيائه وإحباطه ونقمه”.
بدوره، عبّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، استعداده للذهاب إلى الجزائر -إذا تلقى دعوة- بهدف مناقشة القضايا التي تؤثر على العلاقات بين البلدين.
موقف قانوني
كشفت وزارة الخارجية الجزائرية ما أسمته “حقائق حملة التضليل والتشويه الفرنسي ضد الجزائر”، والتي تضمنت تفاصيل اعتقال وترحيل المؤثر الجزائري من فرنسا نحو الجزائر.
وأشارت الخارجية الجزائرية إلى أن “المواطن الذي صدر في حقه قرار الطرد يعيش في فرنسا منذ 36 عاما، ويحوز فيها بطاقة إقامة منذ 15 عاما، كما أنه أب لطفلين ولدا من زواجه من مواطنة فرنسية، فضلا على أنه مُندمج اجتماعيا كونه يمارس عملا مستقرا لمدة 15 عاما”.
وقالت إنّ “كل هذه المعطيات تمنحه بلا شك حقوقا كان سيُحرم من المطالبة بها أمام المحاكم الفرنسية والأوروبية، بسبب قرار طرده المُتسرع والمثير للجدل، ونتيجة لذلك، لم تُتح لهذا المواطن فرصة الاستفادة من محاكمة قضائية سليمة تحميه من التعسف في استخدام السلطة، خاصة أنّ تنفيذ قرار طرده كان سيحرمه من الدفاع عن حقوقه خلال المحاكمة، المقررة بتاريخ 24 فبراير/شباط من هذا العام”.
وسجّلت الخارجية حسب بيانها انتهاكا صريحا للأحكام ذات الصلة من الاتفاقية القنصلية الجزائرية الفرنسية الموقعة في 24 مايو/أيار 1974، حيث إن “الطرف الفرنسي لم يعتقد أنه من الضروري إبلاغ الطرف الجزائري لا بتوقيف هذا المواطن، ولا اعتقاله، ولا احتجازه، ولا حتى قرار طرده، كما أنّ الطرف الفرنسي لم يتجاوب مع الطلب الذي تقدَّم به الطرف الجزائري بغية ضمان الحماية القنصلية لفائدة المواطن المعني من خلال حق الزيارة”.
وأضافت أنه “بالنظر إلى كل هذه التجاوزات وكل هذه الخروقات للحقوق المكتسبة من قبل المواطن الجزائري على الأراضي الفرنسية، فإنّ القرار الجزائري بخصوص هذه القضية قد جاء حرصا على السماح لهذا المواطن بالردّ على الاتهامات الموجهة إليه، والمطالبة بحقوقه والدفاع عن نفسه، في إطار مسار قضائي عادل ومنصف يأخذ مجراه على التراب الفرنسي”.
تسوية صعبة
ويقول خبير التخطيط الإستراتيجي والعلاقات الدولية محمد الشريف ضروي، إن الأزمة المتزايدة بين فرنسا والجزائر خلال الأيام الأخيرة تتصاعد حدتها، خاصة من الطرف الفرنسي الذي كثّف التصريحات الرسمية ضد الجزائر.
ويؤكد ضروي في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التصعيد يعكس “فقدان فرنسا لبوصلتها حتى في إدارتها لهذا الصدام”، واعتبر أن تحدث وزير الخارجية الفرنسي عن رغبته بالقدوم إلى الجزائر والجلوس على طاولة الحوار “يعبر عن ضبابية في الموقف الفرنسي، إذ لم يصدر هذا التصريح عن الحكومة الفرنسية في بيان رسمي، ولا عن طريق القنوات الدبلوماسية الرسمية، ما يعكس غياب التنسيق الواضح داخل المؤسسات الفرنسية”.
ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية صعوبة الحديث عن إمكانية اتخاذ خطوات ملموسة نحو حلّ سريع أو الدخول في مرحلة فتور يليها الحوار، دون وضع هذه الأزمة في السياق الأوسع للعلاقات الجزائرية الفرنسية.
ويوضح أن العلاقات بين البلدين خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة كانت عبارة عن “شبكة متداخلة ومعقدة، تتأثر بمجموعة من الملفات المتشابكة”، وبالتالي، فإن هذه الأزمة ليست سوى “جزء من كلٍّ أكبر”، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمسار واضح نحو الجلوس إلى طاولة الحوار في المستقبل القريب.
أوراق ضغط
من جانبه، عاد الباحث في الدراسات الإستراتيجية نبيل كحلوش، إلى أوراق الضغط التي لوّح وزير الداخلية الفرنسي باستخدامها ضد الجزائر، انطلاقا من تجميد منح التأشيرات للجزائريين، “وهو ما يتناقض مع الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، كما أن رفض الحكومة الفرنسية للمقترح ينم عن وعيها بإمكانية أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا”، حسب قوله.
وفيما يخص زيادة التعريفات الجمركية للجزائر، يؤكد كحلوش في حديثه للجزيرة نت أن “هذا أمر لا يمكن أن تطبقه فرنسا على الواردات الجزائرية، لأن الجزائر لا تخالف مبادئ التجارة الدولية أو قواعد اقتصاد السوق”.
في مقابل ذلك، أشار الباحث إلى أن عدد الجالية الجزائرية كبير في فرنسا، وهو ما يمكّن الجزائر من استخدم هذه الورقة كعامل مؤثر، من خلال تعزيز حرية تحركاتها، وتقليل القيود الفرنسية المفروضة عليها.
وأشار في هذا السياق للإجراء الاستثنائي الذي قامت به الجزائر، السبت، حيث أصدرت وزارة الخارجية قرارًا يمتد حتى ديسمبر/كانون الأول 2025، يمنح الجزائريين تسهيلات للدخول والخروج من البلاد دون تأشيرة، ويشمل القرار الجزائريين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية أو جنسية مزدوجة، مما يمنحهم حرية أكبر في التنقل، ويقلل من تأثير القيود الفرنسية التي قد تُفرض عليهم.
وأضاف كحلوش أن مسألة الهيبة الجيوسياسية تمثل أحد الأسباب التي قد تدفع فرنسا إلى التصعيد، كونها ترى الجزائر فاعلا رئيسيا يقود الدعوة إلى “إخراج جميع أنواع الحضور الأجنبي -وخصوصًا العسكري- من القارة الأفريقية”، كونها تعمل على تحجيم النفوذ الأجنبي لضمان استقرار المنطقة، “وهو ما يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لباريس، وهي ورقة يمكن للجزائر استغلالها ضد فرنسا”.