لماذا غضب السوريون من طلاء جدران فرع أمني باللاذقية؟
أثارت مبادرة فريق “سواعد الخير” التطوعي بطلاء بعض جدران فرع الأمن السياسي باللاذقية على الساحل السوري غضب السوريين بعد انتشار فيديو يوثق تغيير معالم المعتقل أمس الثلاثاء، وهو ما اعتبره الكثيرون طمسا للأدلة يعيق تحقيق العدالة للضحايا، واستمرارا لما رأوه عبثا بمسارح الجريمة وغيابا للتوثيق منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وظهر المذيع السابق في التلفزيون السوري يزن فويتي مع عدد من المتطوعين وهم يرسمون ويلونون جدران الفرع الأمني، بما كان الغرض منه بث “الأمل والإيجابية بمستقبل جديد يمحي الذكريات المؤلمة التي انحفرت بجدران المعتقل”، وفقا للفيديو.
وأظهر الفيديو عبارات حفرها المعتقلون بإحدى الزنزانات التي رسم على جدرانها المتطوعون بغرض “تجاوز العتمة”، مما سبب غضبا بين السوريين دفع أعضاء المبادرة لاحقا لحذف الفيديو والتأكيد أنهم لم يطلوا جدران كافة الزنزانات، بل عملوا في غرفة الانتظار الخارجية، مشددين على الحصول على موافقة أمنية لفعل ذلك.
نحن السوريون الأحرار نتقدم بشكوى رسمية ضد فريق “سواعد الخير” الذي ظهر في الفيديو المتداول، ونرفض بشدة الأسلوب الذي تم اتباعه في التعامل مع الأدلة والمعالم المرتبطة بمواقع الاعتقال. نطالب بمحاسبة المسؤولين عن:
المتابعة بالتعليقات pic.twitter.com/xJoDphtwEw
— فارس (@fares6115) January 14, 2025
إعاقة العدالة
ويطالب السوريون منذ سقوط النظام بحفظ الأدلة التي يُعثر عليها في المعتقلات، والتي توثق أسماء الضحايا والسجانين وظروف الاحتجاز وآليات عمل الأفرع الأمنية، وذلك بعد تداول تلك الملفات على وسائل التواصل وحيازة مدنيين أو صحفيين عليها دون إعادتها للمختصين.
فلم يكن طلاء فرع الأمن السياسي باللاذقية الأمر الوحيد الذي أثار قضية الحفاظ على الأدلة، إذ عاشت مختلف الفروع الأمنية في سوريا منذ سقوط الأسد الفوضى، بما في ذلك سجن صيدنايا الذي ازدحم بالإعلاميين.
ويعد العبث بالأدلة وطمسها في مراكز الاعتقال التابعة لسجون الأسد جريمة خطيرة وفق القوانين الدولية، لأنه يعيق تحقيق العدالة ويمنع محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة كالتعذيب والإخفاء القسري والقتل، وفق المختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان المعتصم الكيلاني.
ويشدد الكيلاني في تصريح للجزيرة نت على أن سلوك العبث بالأدلة يعزز الإفلات من العقاب ويهدد السلام والاستقرار، مما يجعل تحقيق العدالة الانتقالية أمرا أكثر تعقيدا وصعوبة.
ويوضح أن طلاء جدران المعتقلات لا يقتصر فقط على العبث بأدلة الجرائم المرتكبة هناك، بل “يمتد إلى محو الذكريات التي تحملها تلك الأماكن، مما يمنع العالم من رؤية المعاناة التي وقعت”، معتبرا أن ذلك “اعتداء ثان على الضحايا”.
مطالبة بالتحقيق
كذلك قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني للجزيرة نت إنه إذا صح أخذ فريق المتطوعين لتصريح أمني لطلاء جدران فرع الأمن السياسي باللاذقية، فإن “من أعطى الموافقة يتحمل المسؤولية الكبرى”.
وأضاف أن مسؤولية حماية الأدلة تقع على عاتق السلطات الحالية، مشيرا إلى دور الوعي المجتمعي ومؤسسات المجتمع المدني بحماية مسارح الجريمة مثل الفروع الأمنية والمقابر الجماعية.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان طالبت -في بيان- حكومة تصريف الأعمال السورية بالتحقيق مع فريق “سواعد الخير” التطوعي، بعد قيامهم بما وصفته تخريب مسارح الجريمة في سوريا، مؤكدة ضرورة حماية هذه المسارح ومنع الدخول غير المصرح به إليها.
وأكدت أن هذا التصرف يهدد جهود توثيق الانتهاكات التي قد تكون حدثت داخل المركز، بما في ذلك التحقيق في مصير المعتقلين ومحاسبة المتورطين في تعذيبهم.
بدوره، قال مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام بحكومة تصريف الأعمال السورية محمد عبد الرحمن، إن الوزارة عملت على تنظيم دخول الإعلاميين للمعتقلات لتوثيق جرائم نظام الأسد.
وأكد منع تصوير المستندات في المعتقلات، بعد السماح بتصويرها سابقا، مشددا على أن فرق الأرشفة ستقوم بحفظ البيانات والتواصل مع القضاء لضمان العدالة.
جرائم لا تسقط
من جانبه، شدد الخبير في القانون الدولي الدكتور محمود عطور على أهمية الحفاظ على جميع الأدلة -الملموسة وغير الملموسة- للاستناد إليها بالمحاكمات لمعاقبة الجناة والمتهمين بارتكاب جرائم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية في عهد الأسد المخلوع.
وأوضح عطور للجزيرة نت أن هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم وفق ما هو منصوص عليه في نظام روما الأساسي، مطالبا بإنشاء هيئة قضائية مستقلة تعنى بموضوع إنصاف الضحايا تعاونها هيئة نيابية عامة للعدالة، وذلك لضمان المحاكمة العادلة.
وفي هذا الصدد، طالب الكيلاني بأن تتولى لجان تحقيق مستقلة، بالتعاون مع منظمات حقوقية دولية، مسؤولية جمع وتحليل الأدلة لضمان مصداقيتها واستقلاليتها.
وقال إن الإدارة السورية الحالية يجب أن تعمل على حفظ الأدلة المرتبطة بالانتهاكات والجرائم، فضلا عن إنشاء نظام توثيق شامل وشفاف يعتمد على المعايير الدولية.
ولا تزال آلاف العائلات تخوض رحلة البحث عن العدالة بانتظار معرفة مصير أبنائها المغيبين في معتقلات نظام الأسد وعلى يد أجهزته الأمنية خلال السنوات الماضية.