اخر الأخبار

«عكاظ» في دمشق.. الشرع بانتظار ترمب

بالنسبة إلى الشعب السوري عموماً، وبعد 62 عاماً من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي منذ عام 1963، لم يعد مهماً من هو النظام القادم، وبالنسبة لجزء آخر من السوريين لم يعد مهماً أيضاً من يجلس في قصر المهاجرين، المهم الوحيد لأغلبية السوريين كيف تتجنب سورية دماً إضافياً، وكيف يتمكن السوريون المقهورون من متابعة الحياة.

لا أبالغ بالقول إن أغلبية السوريين «رماديون» في ما يتعلق بوصول الإسلاميين إلى السلطة، وأيضاً «مشوشون» حول هوية هذا النظام القادم، كيف سيغير عجلة الحياة وكيف يعيد سورية إلى عافيتها، بل كيف ستعود إشارة المرور إلى شوارع دمشق بعد شهر كامل من وصول الشرع وإداراته إلى السلطة.

والمسألة المسكوت عنها أيضاً مسألة العلويين كمجتمع متداخل بين من هم خاسرون في الحرب والسلم، وبين قسم آخر متورط بالدم السوري، ينتظر ملايين السوريين العدالة والمحاسبة، وهي مسألة في غاية الحساسية، وحتى الآن لم يتم وضع معايير واضحة، ولم تتولَّ الدولة بشكل كامل هذه المسؤولية؛ بحكم حداثة التجربة الأمنية ونقص الكوادر، بعد أن غادر الآلاف من عناصر فلول النظام في الأمن والشرطة والجيش مواقعهم؛ تخوفاً من هذا الحكم الجديد، وهم أيضاً قسم كبير لا يمكن الاستهانة به.

اللافت في هذا التغيير هو موقف المسيحيين من التغيير الكبير الذي حصل في سورية، ووصول القيادة العسكرية إلى السلطة؛ في دمشق على سبيل المثال يشعر المسيحيون أنهم أكثر ارتياحاً من حقبة الأسد، في حمص على سبيل المثال ذات التنوع الواسع مذهبياً ودينياً، يشعر الكثير من المسيحيين أنهم يحصلون على الاهتمام الأكبر والأمان الخاص لهم، يُفاجأ أكثر المسيحيين من تفهّم القيادة الجديدة لطبيعتهم الاجتماعية وأنهم مواطنون، في كثير من الأحيان من الدرجة الممتازة، امرأة مسيحية التقيت بها في أحد أحياء دمشق القديمة تقول علناً «أنا مع الجولاني» لتستدرك مسرعة «أنا مع الشرع»، هذه ليست حالات خاصة وجزئية بل واقع ملموس في العديد من المناطق السورية.

على ما يبدو أن سياسة الشرع في المرحلة الحالية تعتمد على أمرين؛ الأول: الصمت الإستراتيجي والابتعاد عن الوعود، وهي خطوة محسوبة ومدروسة، حتى لا يقع في فخ الوعود والآمال والتوقعات في دولة تسلّم زمام أمورها وهي متهالكة، وغير قادر على الحل السحري خصوصاً على مستوى الخدمات الأساسية، وفي الوقت ذاته انتقل الشرع من مرحلة الظهور الإعلامي اليومي إلى مرحلة ترتيب البيت الداخلي، باستثناء استقبال الوفود الدولية.

أما الأمر الآخر: فهو تقديم الاعتماد لدى الدول العربية والإقليمية، على أن تكون سورية «صفر مشاكل» مع الجوار، وأن الأولوية لسورية أولاً، بل كان الشرع واضحاً منذ الأيام الأولى في رسالته للسوريين؛ وهي أن علينا الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، وتحقيق أي أنجاز يرسل رسائل طمأنة إلى السوريين أولاً وإلى الدول المحيطة ثانياً، ومن هنا يمكن قراءة تأجيل مؤتمر الحوار الوطني، حتى لا تكون ولادة مشوهة أو فاشلة كغيرها من سلسة الفشل السوري السياسي.

لكنّ ثمة أمرين مهمين يحددان مصير الشرع والقيادة الجديدة كلياً: الأول الاستجابة لبيانات ومطالب الدول بعملية سياسية متكاملة مع كامل المكونات السورية المتنوعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهي مهمة شبه مستحيلة، ذلك أن إرضاء السوريين غاية لا تدرك.

والأمر الآخر هي القفزة الاقتصادية «المتواضعة» ولو كانت على أدنى المستويات، فإحداث الفرق في الحياة الاقتصادية وطمأنة موظفي الدولة وإعادة ضخ رواتبهم، كفيلة بنقل القيادة الجديدة إلى مستوى أعلى من الثقة الاجتماعية، وهذا لن يكون إلا برعاية إقليمية ودولية ورفع جزئي للعقوبات كما فعلت الولايات المتحدة برفع العقوبات بشكل مؤقت لمدة ستة أشهر، الأمر الذي يفرض على القيادة تقديم المزيد من المغريات والإنجازات والتطمينات على أرض الواقع، سواء على المستوى السياسي أو على مستوى الأمن أو السلم الأهلي.

على المستوى الدولي والإقليمي؛ لا أحد في دمشق أو خارجها قادر على رسم المسار السوري القادم، لا السياسي ولا الاقتصادي ولا الأمني، كل ما يجول في ذهن الشعب السوري والدول الإقليمية والمجتمع الدولي هو الانتظار.. لكن إلى متى؟ إلى المدة الزمنية التي حددها الشرع بثلاثة أشهر؟ والتي قد تُمدد إلى ثلاثة أشهر أخرى كما حدث في مؤتمر الحوار الوطني، أو إلى اللحظة التي تحظى القيادة الجديدة بثقة الدول الإقليمية؟

حتى الدول الإقليمية التي أبدت حسن النوايا باستقبال وفد القيادة الجديدة؛ سواء في المملكة العربية السعودية أو الأردن والإمارات وقطر، ناهيك عن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق في بداية وصول القيادة الجديدة إلى السلطة.

الزيارات الخارجية

بطبيعة الحال فإن الدول المحيطة كذلك تتساءل: إلى أين تسير الدولة السورية الجديدة، ولا يخفى على أحد أيضاً أن شكل الحكم الجديد ذي «الطابع الإسلامي» أمر مثير للريبة، على الرغم من أن أحمد الشرع قائد المرحلة الحالية أكد في أكثر من مناسبة أن الخلفية الأيديولوجية المتشددة باتت من الماضي، ومع ذلك لابد من الانتظار، كون السياسة أفعالاً لا أقوالاً.

كل ما جرى في سورية منذ الثامن من ديسمبر 2024، من زيارات خارجية وداخلية ولقاءات ومباحثات وتصريحات، لا تعدو كونها تمريناً سياسياً إقليمياً، فالحل والعقد لدى سيد البيت الأبيض الرئيس دونالد ترمب الذي يلتقي مع أحمد الشرع عند القضايا الإقليمية.

الشرع غيّر تحالفاً سورياً إيرانياً عمره 46 عاماً منذ وصول الخميني إلى السلطة في عام 1979 وتوجهه إلى التحالف التاريخي مع الرئيس الراحل حافظ الأسد.. فهل يحصل الشرع على جائزة من ترمب بعد أن دخل في فلسفة سياسة ترمب التي تقوم على تحجيم دور إيران في المنطقة؟

إن تولي الرئيس ترمب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير الجاري سيكون لحظة الحقيقة في سورية على وجه التحديد، وبداية معالم سورية إلى أين؟ وهذا هو السؤال الصعب في سورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى