اخر الأخبار

أشهر أطباء القلب.. من وادي الدواسر للعالمية

هو الابن السادس من بين تسعة إخوة وأخوات لأسرة كريمة متوسطة الحال، ولأبوين جوادين كان هدفهما غرس حب التعليم والتطلع والشغف منذ النشء فيه وفي إخوته. هذا الطفل البدوي الذي بزغ نوره وسطعت شمسه للحياة تفوق، وأصبح من أفضل عشرة طلاب على مستوى المملكة رغم صعوبة الإمكانات في ذلك الوقت، وعدم وجود الكهرباء في قريته ومنزله، كان يستعين بضياء «التريك» للدراسة حتى حين بلوغه سن الثانية عشرة، إنه البروفيسور الحاذق الذي سلّح نفسه بالعلم والمعرفة فلم يكن والداه يعلمان بأن هذا الطفل سيكون له شأن رفيع ويصبح في يوم ما من أفضل وأعظم وأشهر جراحي أطباء القلب على مستوى العالم. رجل يتسم بالهدوء، ذو ملامح صارمة، تغلبه العاطفة والإنسانية أحياناً كثيرة، يكسو قلبه البياض كمعطفه الأبيض الذي يرتديه. لا يكل ولا يمل يصول ويجول ليصل إلى مبتغاه، ويرسم أهدافه كما يرسم الفنان لوحة فنية بديعة، يؤمن بالتطوير والعمل الدؤوب. إنه البروفيسور غنام عايد الدوسري الذي تجاوز تحديات الظروف والعوائق، ليصل للمعالي بكل جدارة واقتدار. أنهى تعليمه العام بتفوق، كانت رغبته الذهاب للخارج لكن خوف والديه عليه أبقاه هنا ليلتحق بجامعة الملك سعود وينال البكالوريوس، ثم طبق كطبيب امتياز في المستشفى العسكري بالرياض، ثم التحق بمستشفى الملك فيصل التخصصي لإكمال تدريبه في الجراحة العامة ثم جراحة القلب وأنهى جميع اختبارات القبول بأمريكا، ونظراً لتوقف البعثات تقدم باستقالته والتحق بمايو كلينك كباحث، وكان يعامل معاملة الأمريكان، وتسلم راتباً لمدة سنتين، وحصل فيها على الماجستير في أبحاث جراحة القلب، ونال جائزة التفوق البحثي في معهد الصحة الأمريكي بقيمة مليون دولار، وكرمه حينها السفير السعودي السابق لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان، وأرجعه للبعثة في المستشفى التخصصي وبأثر رجعي، وعاد عام 1993 ليأخذ البعثة وحصل حينها على البورد في الجراحة العامة وجراحة القلب، ومارس عمله بالمستشفى استشارياً لجراحة القلب والرئتين، ومتخصصاً في زراعة القلب. وأجرى أول جراحة زراعة قلب ورئتين ناجحتين في الشرق الأوسط، ثم أراد أن يواصل مشواره العلمي والعملي وتقدم باستقالته من مستشفى الملك فيصل التخصصي لكنهم رفضوا الاستقالة حتى شفع له والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان ولياً للعهد، وطلبه شفاعته، فوافق التخصصي بعد شفاعة الملك الذي لا يرد قاصديه على أن يعود متى ما شاء وانتقل لأمريكا مرة أخرى والتحق بكليفلاند كلينك، وتخصص في جراحة القلب بالتداخلية الدقيقة وتمكن من تخفيض فتحات الصدر من 16 سم إلى 6 سم وعاد مجدداً للعمل في مستشفى سعد التخصصي رئيساً لقسم جراحة القلب حتى أصبح من أشهر الأقسام بالمستشفى، ثم في عام 2011 عاد إلى أمريكا ليكون رئيساً لقسم زراعة القلب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو وساعد على تطويره حتى عام 2015 استقطبته جامعة تكساس الأمريكية العريقة للعمل رئيساً لقسم جراحة وزراعة القلب والمضخات الاصطناعية، وتمكن خلالها من استحداث برامج قام خلالها بتغيير الصمامات الأربعة دون جراحة، حتى عام 2020. عاد للمملكة مجدداً للعمل لدى مستشفى الموسى التخصصي رئيساً لقسم جراحة القلب وكبيراً للأطباء. والآن يعمل على تأسيس مركز طبي يعد الأكبر من نوعه في المنطقة متخصصاً في القلب والرئتين، وسيكون جزء من ريعه للعمل الخيري وللحالات التي لا يملك أصحابها تأميناً طبياً أو ظروفهم لا تسمح بعمل عمليات في داخل المركز. والجدير بالذكر أن الدوسري طوال مسيرته في الطب كان يخصص جزءاً كبيراً من دخله لمعالجة ومساعدة المحتاجين، ويجري لهم عمليات على حسابه الخاص.

إذا كان هناك «طبيب الغلابة» في مصر الدكتور المرحوم محمد مشالي فإن البروفيسور غنام هو «طبيب الغلابة» في السعودية. ولا أنسى موقفه العظيم معي ومع زوجتي قبل أكثر من سنتين حينما شُخصَت تشخيصاً خاطئاً حول قلبها وكادت تكون ضحية للخطأ الطبي، وكنت مصدوماً من هول الموقف حينها لا أعرف ماذا أصنع هل أدخلها حالاً غرفة العمليات أم أتريث، كيف تتألم شريكة حياتي وأقف صامتاً؟ لولا نعمة من ربي تداركتني أن زوجتي رفضت أن تدخل غرفة العمليات مباشرة، وبحكم أنها دكتورة وتعرف ماذا تقول وماذا تصنع لكانت اليوم في وضع لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، خرجت متحيراً مهزوزاً مذهولاً محتاراً فإذا بي أبعث للدكتور غنام برسالة فإذا به يتصل بي مباشرة ويستفسر مني ويوجهني ويطلب مني إرسال جميع التقارير له للاطلاع، لكنه قبل أن يطلع على أي تقرير فند كل ما ذُكر من قبل الأطباء، استغربت كيف له أن يشخص ويفند كل ما ذُكر بأدلة قطعية، وكأنه يكشف عن الحالة أمامه، عندها توجهت لمستشفى الأمير سلطان ثم التخصصي فوجدت كل ما ذكره صحيحاً، وأن المشكلة ليست في القلب بتاتاً، بل كانت مشكلة أخرى، وتم علاجها ولله الحمد فوجدته لم يتركني يوماً واحداً رغم انشغالاته وأعماله يعاتبني ويتصل بي أحياناً كثيرة وهو في أمريكا وفي سفرياته للعمل والمؤتمرات للاطمئنان والتوجيه ويقول أنت أخي لا تخف ولا تخجل وهاتفي مفتوح لك على مدار الساعة، حينها أدركت إنسانيته. ذات يوم سألت صديقاً لي مديراً مناوباً لأحد المستشفيات التي عمل بها الدكتور كيف وجدتموه قال: هو رجل عملي صارم شديد لكنه عطوف رحيم يرفض أن ترد أي حالة تأتي للطوارئ أو المستشفى دون استقبال ومعالجة الحالة حيث إنه كان يطلب منهم الحسم من مرتبه للحالات المحتاجة سعودية كانت أم أجنبية. فأيقنت لماذا كان بارعاً ومتميزاً والناس تأتي إليه من كل حدب وصوب للعلاج. سألته حينما عاد بعد غياب طويل وعمل متواصل في أمريكا، وبالرغم من مركزه العالي واستقرار أسرته هناك لماذا عدت؟ رد دون تردد: لأرد جزءاً بسيطاً من الدين لهذا الوطن الغالي ولقيادته وأهله ولن أفيهم مهما فعلت. إنه البروفيسور غنام الدوسري القلب النابض بالحب والعالم الأصيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى