منوعات

ماذا تفعل الحرب بالناس؟

تنسج الروائية السورية مها حسن أحداث روايتها «عمت صباحاً أيتها الحرب» مستهدية بالأمل أولاً، وبقدراتها كساردة متمكنة، علَّ أصوات الضحايا تكسر جدار العتمة في الواقع السوري بكل ما آل إليه، وما قادتها إليه تلك الحرب المجنونة، التي تخوض فيها الكاتبة تجربة أقرب إلى كتابة «اليوميات» منها للرواية المتسلسلة والمحددة بشخوصها وبالزمان والمكان.

تقتفي مها حسن تجربة الكاتبة الأوكرانية سفيتلانا أليكسييفيتش في استدعاء الشهود الأساسيين وقود الحروب وضحاياها: الجنود ورفاقهم وأمهاتهم وعائلاتهم، وهي الشهادات نفسها، التي قدمتها أليكسييفيتش في العديد من أعمالها، التي استحقت بها جائزة نوبل للآداب عام 2015، باعتبار أن «أعمالها تمثل نوعاً جديداً من الأدب، يقوم على تعدد الأصوات التي تمثل معلماً للمعاناة والشجاعة في زماننا» .

كما جاء في إعلان الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة. لقد أنصتت أليكسييفيتش للكثير من أصوات ضحايا الحرب الروسية على أفغانستان، فوثقت شهاداتهم ومعاناتهم بصبر كبير، لذلك قالت في حفل تسلم الجائزة: إن الإنصات هو ما منحني الجائزة، وهو ما منح الضحايا وأهاليهم أصواتاً، رفعوا بها معاناتهم وإدانتهم للحرب، كما في «فتيان الزنك» و«صلاة تشرنوبل» و«آخر الشهود» وغيرها.

لقد أنجزت الكاتبة الكثير من هذه الروايات، التي خاضت لأجل إتمامها تجربة نفسية قاسية عبر أحاديث ومقابلات مباشرة مع الجنود الروس العائدين من الحرب، وأصدقائهم الذين رافقوهم خلالها، لكنهم عادوا بدونهم وأمهات الضحايا. تلك الحرب البشعة التي احتدمت خلال السنوات الممتدة من 1979 وحتى 1985، وراح ضحيتها آلاف القتلى، حتى أن الكاتبة نفسها بعد إتمام كتابها «ليس للحرب وجه أنثوي» أصيبت بفوبيا الخوف من الدم، فلم تعد تحتمل رؤية طفل ينزف أو رؤية الأسماك، التي يتخلص منها الصيادون بعد صيدها، إذ كانت عيونها الجاحظة أو الجامدة تسبب لها شعوراً بالخوف لا طاقة لها به.

لم تكتب مها حسن عن أحداث الحرب وبشاعات المتحاربين بشكل مباشر، لأنها تعلم أن الناس قد اكتفوا بما شاهدوا وعاشوا وعانوا، وأن مخزونهم من الاحتمال قد نفد نهائياً، لذلك فإنها استدعت ضحايا تلك الحرب في مدينتها، وأثرها الذي لن يمحى أبداً من ذاكرة وتاريخ المدينة والناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى