منوعات

على مسافة من الحقيقة!

هل يختار الناس بإرادتهم أن يقفوا بعيداً عن الحقيقة لأنها صعبة، وتحتاج إلى جهد للوصول إليها، أم أنهم يحبون تداول الأكاذيب للتسلية لا أكثر؟ الحقيقة التي قد تصدمنا هي أن الناس يصدقون أي أخبار تعرض على مواقع التواصل دون أن يبذلوا أي جهد للتأكد من دقتها، لكن لماذا يفعلون ذلك رغم توافر مصادر الأخبار وسهولة استخدامها؟

بحسب دراسة لجامعة ستانفورد فإن السبب يعود إلى أن الوعي، والتمييز، والقدرة على معرفة الخبر الحقيقي من الخبر المصنوع، صفات لا تمتلكها أغلبية المتابعين، التي تقوم بنشر المعلومة التي تستقيها من أي مصدر وبسرعة، لأن الجميع يريد أن يكون سبّاقاً في النشر قبل غيره، في زمن أصبحت فيه السرعة مقياساً مسيطراً، ما يعني أن التثبت والتأكد من دقة الخبر سيستغرقان وقتاً، يكون فيه الخبر قد انتشر وانتهى الأمر!

العينة التي خضعت للدراسة كانوا طلاباً أمريكيين، عُرض عليهم أخبار مختلقة لا أساس لها من الصحة، خلاصتها أن أحد وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي أي»، من الذين قاموا بفحص بريد هيلاري كلينتون وُجِد ميتاً في شقته، ونسبت الأخبار إلى مصادر مجهولة، إلا أن الطلبة لم يبذلوا أي جهد للتأكد من دقتها، وقاموا بنشرها بسرعة عجيبة، مع أن هناك مصادر لا تعدّ ولا تحصى للتأكد من دقة تلك الأخبار!

والحقيقة أن تحميل مواقع التواصل المسؤولية كاملة أمر نفته الدراسة، مؤكدة على أن الجمهور كان دائماً ما يتجاهل أية دعوات للتأكد من الأخبار، باحثاً بتعمّد عن الأخبار التي تتمتع بإثارة وسرعة تداول، وذلك لعلة في ذهن المتلقي صاحب الذهن المغيّب، أو المستلب تماماً أمام سطوة المواقع الاجتماعية والمشاهير المؤثرين، هذا الذهن هو الأسرع لتصديق أي شيء يقال له، منطقياً كان أو غير منطقي.

إن العقل الجاهل يذكّرنا بأزمنة الظلام، التي كان الناس فيها يصدقون كل ما يقال لهم، وبتسليم شديد، بسبب الجهل وانعدام مصادر المعرفة، المفارقة هنا أننا لسنا في أزمنة الظلام والجهل كما في القرون الوسطى، بل نحن في أبهى فترات التاريخ الإنساني تحضراً وتنويراً وعلماً، فلماذا هذا التغييب؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى