منوعات

حيرة اللغة!

وأنا أسير في طرقات المدن التي أسافر إليها، تأخذني قدماي دون تخطيط إلى متاجر الكتب التي تعج بها تلك الشوارع، كوسط القاهرة العتيد، أو شارع الحمرا العريق في بيروت، حيث تصادفني مكتبات أعرفها أو أعرف أصحابها، عندها أجدني أدخلها دون تردد، فأشعر بمجرد أن تحتويني أنني دخلت إلى بيت أعرفه جيداً، أسأل عن آخر الكتب التي وصلتهم، وأجلس أتبادل الحديث مع البائع الذي يسارع في إحضار فنجان القهوة ترحيباً، ثم يأخذ في اقتراح العناوين. آخذ قدر ما أستطيع أن أحمل، أدفع ثمن الكتب وأغادر، ومجدداً أجدني بعد دقائق داخل مكتبة أخرى.. وهكذا.

تمثل الكتب صلة وصل أو قرابة بين القراء والكتاب وباعة الكتب، يتفاهمون من خلالها ويعقدون صداقات تتفرع بدورها مولدة صداقات أوسع، عندها تحضر الأحاديث وتثور الاهتمامات المشتركة بينهم بسلاسة، لأنهم لا يحتاجون إلى أي جهد أو تكلف ليبدأوا حديثاً، بل يطرق أحدهم موضوعاً ليجده محل اهتمام رفيقه، لذلك فمثلما تحب إنساناً لأنه فاتن أو مرح أو يحب السفر وتربية الكلاب مثلاً، فغيرك يمكنه أن يحب شخصاً فقط لأنه يحب الكتب.

ويمكن أحياناً أن تسير في طرقات مدن غريبة، تلوح المكتبات فيها كبيرة مزهوة بعراقتها وفخامتها وسط الشوارع الكبرى، أو تبدو صغيرة متوارية عن الأنظار في مبانٍ تقليدية أو أزقة ضيقة، أو تكون جزءاً من مقهى تختلط فيه رائحة القهوة برائحة الورق وفطائر الكرواسون، في هذه المكتبات، تقف مرتبكاً متردداً، تريد أن تشتري كتباً لكنك تقول لنفسك: إياك أن تتهور وتشتري كتباً بلغات لا تعرفها! فتكتفي بالتأمل حين تعجزك اللغة!

تكتفي بشعوري البهجة والدهشة اللذين يملآنك، وتعود إليك ذكريات «أليس في مدينة العجائب»، فأنت في مدينة العجائب فعلاً، حيث الجدران مكسوة بكتب ذات أغلفة آسرة كالسكر، ساحرة لكنك لا تفهم منها حرفاً، تلتقط صورها وتحتفظ بها لنفسك مفكراً: كيف يمكن للإنسان الذي اخترع ما لا يصدق من الاختراعات أن يعجز عن التوصل لطريقة تجعله قادراً على قراءة أي كتاب بأية لغة في الوقت الذي يريد دون حاجة للترجمة وخلافه؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى