منوعات

حوار مع صديق فلسطيني

أقول لصديق فلسطيني يعيش في بلاد عربية منذ سنوات طويلة: كيف هم أهلك في غزة؟ وأعلم أنه سؤال قاسٍ وصعب، ولكن كيف ستبدأ حديثاً مع صديق فلسطيني؟ يصمت، يقول شيئاً لا علاقة له بسؤالي، أتركه يفضفض متفهمة حالته، أخيراً قال: يا عائشة هل تعرفين ما هو الصعب في هذه الأيام؟ أقول له كمن يخطو صوب منطقة انفجار: يخيل إلي أن كل شيء صعب، فيقول: حتى في الأيام الفائتة هناك ما هو أشد قتامة، صدقيني!

التفكير الدائم والخوف من الآتي، كيف يمكن لشاب مثلي أن يؤمّن مستقبله، أن يعيش ويعمل ليتمكن من توفير خط إمداد بسيط يبقي أهله على قيد الحياة، لكن كيف يمكنني ذلك؟ أنا اللاجئ الفلسطيني كالواقف دائماً على حد السكين! لا أحد يريد أن يقبلني، لا يمكنني أن أعمل أو أسافر بحثاً عن عمل، فكيف أعيش، كيف لي أن أدفع إيجار غرفتي، وثمن طعامي وقميصي، وأجرة الحافلة التي أستقلها؟ لقد أنهيت دراسة الدكتوراه على نفقة والدي قبل الحرب، وها أنذا اليوم عاطل بلا عمل، متسكع كأي متشرد! الوضع بائس يا صديقتي، بائس بما لا يمكنك تصوره!

وماذا عن أهلك في غزة؟ أعدت سؤالي، فأجاب: أهلي وأصحابي لم يعد أحد منهم كما كانوا، اختلفت رؤيتهم لكل شيء، صرت لا أعرفهم، ولا أعرف كيف أتعامل معهم، أما الأطفال فكبروا كثيراً، وصارت نظرتهم للحياة وللآخرين مخيفة، إن ما أسمعه منهم يهد الجبال!

قلت: لأنهم يتحركون وينامون ويصحون بصحبة الموت، فماذا تتوقع؟ إننا من خلف الشاشات لا نطيق احتمال ما نشاهد فما بالك بمن يعيش في قلب الفاجعة ليل نهار؟ صمت طويلاً، وحين نطق قال بصعوبة: الذل والإهانة والقهر والتشريد أصعب من الموت، وهم يعيشون ذلك طوال الوقت، الجميع لا يفكرون اليوم إلا في شيء واحد، هو أن تتوقف الحرب، يكفي ما حصل حتى الآن، يكفي كل هذا الموت والقتل والدم والتدمير، بعد إيقاف الحرب سيكون كل شيء سهلاً!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى