منوعات

تلطّف أهل الكهف.. حيلة أم وسيلة؟

إن اللغة وفق المنظور البنيوي، نظام من العلامات أو الرموز التي تؤدي الأغراض والوظائف المنوطة بها، وأبرزها الوظيفة التواصلية.

وهي في المنظور التداولي (البراغماتي)، كيفية استخدام تلك الرموز وفق مقتضيات السياق والمقام وحال المخاطَب. ولذا، استوجبت الممارسة التخاطبية حسن التصرف في إمكانات اللغة، ومتطلباتها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية والبلاغية والأسلوبية، كالكناية والتعريض وأسلوب الحكيم .

ويذكر اللسانيون ملمحاً في الخطاب، يسهم في الرفع من درجة فعاليته وتأثيره في المخاطَب، هو «التلطف»، وقد بلغ من أهميته، أن أصبح موضوعاً لما يمكن تسميته بـ«لسانيات التلطف»، بوصفها دراسة الأساليب غير المباشرة التي بها عدول عما يستهجن ذكره، أو يستقبح نشره، أو يستحيى من تسميته.

ومن أمثلته، ما روي عن الخليفة المأمون، أنه كان بيده مجموعة من المساويك، فسأل الحسن بن سهل: ما هذه؟ فقال: «ضدّ محاسنك يا أمير المؤمنين»، (ولم يقل: «مساويك»، تلطفاً).

مقالات ذات صلة

وقد ذكر القرآن طلب أهل الكهف الطعام، حين هبّوا من رقدتهم في قوله: ﴿فَلينظر أَيُّهَآ أَزكَىٰ طَعَامٗا فَليَأتِكُم بِرِزقٖ مِّنهُ وَليَتَلَطَّف﴾، قال عبد القاهر الجرجاني: «فليتكلّف اللطف في القول والفعل».

والظاهر أنهم لما احتاجوا الأزكى من الطعام، التمسوه بالألطف من الكلام، فأكّدوا بذلك عمل ثنائية (المدخلات والمخرجات)، في عملية التواصل مع الآخر.

ومهما تكن الدلالة، فإن الجمع بين (الشراء) و(التلطف)، يعكس الحال التي كانوا عليها، التي لا تكفي فيها وسيلة النقود ولا وسيلة اللغة في شكلها الرمزي (المادي)، بل أضافوا إلى ذلك جانباً أخلاقياً هاماً مرتبطاً بالقيمة الدلالية التي يرتكز عليها البيع والشراء، وهي «التلطف»، بوصفه سمة وظيفية، و(حيلة) بلاغية واجتماعية، واسماً جامعاً للعديد من القيم الأخلاقية والإنسانية التي تحمل دلالات الرفق واللين والرأفة.

، والأنس والسماحة والوداعة والسهولة والاحترام، التي تكون في سلوك الفرد بشكل عام، وفي خطابه التواصلي على السواء، ليكون وافياً بأداء أغراضه، فيتحقّق ما هو أزكى بما هو أوفى. وقد قيل قديماً: «التلطف بالحيلة، أنفع من الوسيلة».

* جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى