منوعات

الناجون من الضربات!

كثيرة جداً هي تلك المقولات والأمثال والاقتباسات، التي تنسب لفلاسفة كبار كما لأدباء وحكماء وعظماء بلا حصر، تلك التي قرأناها وتعلمناها في دروس اللغة العربية والفلسفة والتاريخ، والتي رددها على مسامعنا آباؤنا وأمهاتنا ومعلمونا في المدارس، فشكلت جزءاً لا بأس به من بنائنا الفكري والأخلاقي، ومن تربيتنا بلا شك، لقد كنا وبقينا نحترم تلك الحكم والأقوال، وننظر لها بإكبار، كيف لا وهي نتاج تجارب وعقول عظيمة؟ لا يمكن لطفل أو مراهق أن لا يأخذ بجدية، أو أن يشيح بوجهه عنها!

إذ كيف لك كشاب صغير أن لا تنبهر بقول لأرسطو أو حكمة للمتنبي أو لأبي العلاء المعري مثلاً، أو اقتباس لشكسبير أو تولستوي أو عباس العقاد أو..؟ لكننا حين كبرنا، وتنوعت مصادر معرفتنا، وأصابتنا لوثة الأسئلة والمقارنات، وجدنا أن تلك القداسة التي حملناها دائماً لتلك السرديات الكبرى قد هزتها رياح التحولات، فتغير كل شيء، بعد أن وصلت سياسة المراجعة والنقد والتفنيد لكل المقولات والقناعات!

واحدة من المقولات التي تتكرر علينا باستمرار، والتي شكلت قناعة حقيقية لكثيرين منا القول المعروف: «إن الضربات التي لا تقتلك تقويك» فهل ذلك صحيح كما اعتدنا أن نقرأ ونسمع؟

وكمثال بسيط جداً يقول الكاتب المصري أحمد خالد توفيق: «دعوني أحدثكم عن الناجين من الضربات القاتلة، الذين يمكنهم أن يحدثوكم عن الخوف الذي يلازمهم بقية حياتهم إثر تلك الضربات، الخوف من اﻷيام، الخوف من ضربة جديدة، عن فقدان الشعور باﻷمان والثقة في اﻵخرين، وربما الثقة في أنفسهم، عن تبلد المشاعر، واللامبالاة، عن ذلك الإحساس أن لا شيء يحزنهم، ولا شيء يسعدهم، لعلمهم بأن ضربة شبه قاتلة قادمة في الطريق إليهم»!

ما يعني أن الناجين من الضربات القاتلة ليسوا أقوياء كما قيل لنا، بل هم في منتهى الهشاشة، وأحياناً القسوة والأنانية، فالناجون من الضربة القاضية كالناجين من الحروب يفتقدون الشعور بالأمان والثقة فيمن خلفهم، فمن الـخلف جاءتهم تلك الضربات التي لم تقتلهم، لكنها حتماً لم تقوِهم إلا ظاهرياً فقط!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى