منوعات

الكاتب طاهياً!

في العام الماضي، أصدر الكاتب المصري عزت القمحاوي كتابه العاشر ربما «الطاهي يقتل، الكاتب ينتحر»، وهو كتاب يمثل قمة النضج في الطريقة التي يتعاطى بها الكاتب مع الكتابة والشغف، من خلال إيجاد جذور مشتركة ومتصلة من سرديات إنسانية كبرى في التاريخ الإنساني كالطهي تحديداً، هذا الكتاب يمثل وعياً كبيراً بالكتابة والحواس، واحتفاء بقيمة الحرية: حرية المشاعر والدقة والخفة واكتشاف المعنى، والتعبير عنها بطريقة حساسة وقريبة من الجميع، بحيث يربط بين الكتابة والخبز ربطاً قد لا يخطر ببال أحدنا!

هل فكرت في سلطة الكتابة، وتحديداً كتابة الرواية، في وقعها وأثرها في تاريخ الإنسان والأدب؟ وكيف يمكن أن يكون للرواية علاقة بالطهي وتحديداً بالخبز؟ اقرأ إذن ما يقوله لك القمحاوي، المنسوب لقبه أصلاً لأساس الخبز وهو القمح!

في الصفحة (16) نجده يقول: «إن رائحة الخبز هي الرائحة الثانية بعد رائحة الأم التي تبعث على الطمأنينة» «الخبز إذن هو الرواية، له سلطة العادي، ووجود الضرورة، لا يستغني عنه أحد، إن لحظة ابتكار الخبز هي اللحظة التي ودع فيها البشر الخوف من الموت جوعاً، فلم يعد تناول الطعام رهناً بحظ الصياد، ولا رهناً بمواسم الثمار، كما أن لحظة معرفة الرواية هي اللحظة التي صار الإنسان فيها سيداً على الأرض، وقريباً من التحكم بمصيره، وصارت الرواية مستودع أحلامه وأفكاره وذكرياته».

يضع «القمحاوي» في هذا الكتاب أسرار تعلقه بطقوس الطهي الذي شغف به صغيراً كما شغف بالكتابة. وهو يعتقد أنهما (الكتابة والطهي) توأم، وأنهما منذ البدء عملان أنثويّان، لهذا يحتاج الكاتب الرجل لكي يجيد الكتابة إلى أن يتعلم تأنيث روحه؛ لأن الطبخ يعلم التواضع والصبر والحيلة، وكل هذا يحتاجه الكاتب كي يصير كاتباً جيداً. كما يمعن في مقارنات غاية في اللطف والجمال وهو يتحدث عن الخبيز، ومهارات البناء في الطبق، وتشابهها مع بناء النص في الكتاب، باختصار فإن كتاب «الطاهي يقتل.. الكاتب ينتحر» عبارة عن خليط من متع التذوق في نص مكتوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى