منوعات

القوة الناعمة

عندما توصف السينما بأنها إحدى أدوات (القوة الناعمة) في المجتمعات الراهنة، فإن هذا الوصف بقدر ما هو حقيقي جداً، إلا أنه مخاتل في الوقت نفسه، فالسينما أداة قوية تستطيع أن تشق طريقها إلى قلوب وعقول الجماهير مباشرة كما تنزلق سكين حادة في قالب الحلوى أو داخل اللحم، سريعة وحاسمة وقاطعة، دون أن تشعر بها، هذا هو معنى القوة في تأثير السينما، ولطالما حققت المجتمعات والدول المتمكنة من صناعة السينما الكثير من سياساتها دون جيوش وصراعات ومواجهات!

المعنى الملتبس أو المخاتل في وصف السينما بالقوة الناعمة، يتعلق بالطريقة التي نفهم بها صفة (الناعمة) لأن النعومة هنا لا تعني العذوبة أو الجمال أو المهادنة، بل تعني الوصول للهدف دون الحاجة إلى جيوش وصراعات وجدالات كثيرة ومكلفة، كما كان الحال في العقود السابقة، يوم كانت الدول تعيش صراعات خفية فيما بينها، يجند فيها المال والجواسيس والمعلومات والإعلام وحروب الإشاعات والبشر المدربون و.. للدفاع عن فكرة أو لجلب الأنصار لسياسة معينة أو لجعل نمط معين يسود بين الشباب مثلاً..

إن هذه الأهداف السياسية والاقتصادية كانت تحتاج إلى بذل الكثير، أما اليوم فإن فيلماً مصنوعاً بحرفية عالية، وبواسطة نجوم محبوبين وعبر نص مكتوب بإتقان وفق نظريات علم النفس والسياسة وخفايا سايكولوجية الجماهير، يستطيع تحقيق حالة اختراق جماهيرية مذهلة تجعل الناس في حالة جدل ونقاش وتساؤلات تقود المشاهدين للوجهة التي يريدها صناع الفيلم أو من يقفون خلفه، بعيداً عن كون هذه الفكرة صحيحة أو خاطئة، المهم أن صناع وممولي الأفلام الضخمة لا يدفعون كل هذا المال دون مقابل، فإذا لم يكن الهدف تجارياً، فإن الإنفاق الكبير لا شك يستهدف تغيير القناعات.

لقد اكتسبت الصهيونية العالمية تعاطف العالم مع قضية الهولوكوست عبر أفلام هوليوود الشهيرة، وغيرت الولايات المتحدة أنماط حياة الناس وثيابهم وموسيقاهم وطعامهم عبر السينما والدعاية، واكتسبت أوروبا قوة ضاربة كمكان مفضل للسكن والسياحة عبر الأفلام، وعشق الناس الطبيعة والطعام الإيطالي من خلال أفلام وأدوار وممثلين معروفين!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى