منوعات

الاستدراك بـ«لكن»

التأمل في مواقف الحياة المختلفة، يجعلنا ندرك أن كثيراً منها لا يكون إيجابياً ولا سلبياً بالمطلق، بمعنى أن المنطقة الرمادية، والتي يصفها البعض بالضبابية، هي التي تطغى في كثير من الأحيان.

بالتالي قد يكون موقف ما في ظاهره إيجابياً، إلا أنه يتضمن بعض الجوانب السلبية غير الظاهرة للعيان، أو بعض نقاط الضعف التي ينبغي معالجتها حفاظاً على إيجابية ذلك الموقف. كما قد يكون موقف ما في ظاهره سلبياً، ولكن عند التدقيق فيه، تظهر في تفصيلاته بعض الجوانب الإيجابية أو نقاط القوة التي لم تتم ملاحظتها ابتداءً. التحليل السابق يقودنا إلى تشبيه المواقف الحياتية على وجه العموم بالكأس الممتلئة نصفها بالماء، فلا هي ممتلئة كلياً، ولا هي فارغة كلياً.

مقال اليوم فرصة لمناقشة فكرة الاستدراك بـ«لكن»، والتي يمكن استخدامها عندما نود أن نستدرك حديثنا عن مسألة معينة بالإشارة إلى جوانب في تلك المسألة قد تكون مخفية، أو غير واضحة. بعيداً عن التنظير سوف نعمد إلى طرح ثلاثة أمثلة حياتية إيجابية، تتضمنها سلبيات أو نقاط ضعف، يقابلها ثلاثة أمثلة حياتية سلبية، تتضمنها إيجابيات أو نقاط قوة، وذلك على النحو الآتي: 
أولاً: أمثلة حياتية إيجابية تتضمنها سلبيات أو نقاط ضعف .

– امتلاك الفرد لشهادة جامعية بتخصص مطلوب في سوق العمل، يُعد أمراً إيجابياً، ولكن هذه الإيجابية لا تكفي لإيجاد فرصة عمل جيدة تلبّي الطموح، إذ ينبغي على الفرد أن يجتهد في دعم الجانب الأكاديمي، واستكماله بمجموعة من المهارات العملية، والجدارات التطبيقية التي يستوجبها العمل في المؤسسات المختلفة. 

– تركيز الإنسان على جانب محدد في حياته، والتميز فيه، مثل الجانب المهني، أو الرياضي، أو العمل التطوعي، أو غيرها من الجوانب الأخرى، يُعد أمراً إيجابياً، ولكن بشرط تحقيق التوازن بين جوانب الحياة المختلفة، بحيث لا يؤدي الاهتمام بجانب معين إلى التقصير في الجوانب الأخرى. 

– أن يخطط الفرد لمستقبله، وينظم جوانب حياته، ويضبط استثماره لمورد الوقت، كلها تعد أموراً إيجابية، ولكن بالمقابل من المهم ألا يفقد الإنسان عنصر المرونة في تبنّي نهج التطوير والتحسين، ولا يتعامل مع مسائل التخطيط والتنظيم بشكل حدّي وصارم. 

ثانياً: أمثلة حياتية سلبية تتضمنها إيجابيات أو نقاط قوة

– اتخاذ قرارات خاطئة في الحياة، تقود إلى محطات فشل، تعد أمراً سلبياً، لكنها توفر فرصة للتعلم، ومدخلاً للتغيير نحو الأفضل، لذلك يُقال من لا يخطئ لا يتعلم. من خلال ارتكاب الأخطاء، يمكن للإنسان أن يكتشف طرقاً ومسارات ينبغي تجنبها، وعدم سلوكها مجدداً.

– المرور في أزمات صحية، أو مهنية، أو مالية، تعد أمراً سلبياً، لكنها قد تعمل على جعل شخصية الفرد أقوى، وتعمّق خبرة الإنسان في التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، وتجعله أكثر صبراً وتحملاً لما يمكن أن يعايشه من تحديات في المستقبل. 

– السفر والابتعاد عن أفراد الأسرة لغرض الدراسة، أو العمل، أو لأي سبب قيّم آخر، يعد أمراً صعباً، ولكن يمكن استثمار هذا الابتعاد في تعميق عنصر الاعتماد على الذات، وفي التعامل مع الحياة بوصفها فرصة لتطوير ما يتمتع به الإنسان من سمات شخصية. 

ختاماً نقول، تبقى الحياة بمجملها فرصة للتعلم الذي قد يتحقق من خلال مواقف إيجابية، أو مواقف سلبية. في جميع الأحوال، ينبغي على الإنسان أن يطور قدراته الذاتية، ومهاراته السلوكية، في سبيل التمكن من التفاعل الإيجابي مع محطات الحياة المختلفة بحلوها ومرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى