منوعات

الأجمل الذي لا يراه البعض!

أجمل من تغنى بالأمل، وبشر بالغد الأجمل كان الشاعر التركي ناظم حكمت، فيلسوف الأمل الذي رغم محنته وسجنه وعذاباته كتب أسهل الكلمات والقصائد التي تفتح الطريق لأحلى الأيام والبشارات، فقال:

أجمل الأيام يوم لم نعشه بعد

وأجمل البحار تلك التي لم ترتدها أشرعتنا بعد

وأجمل الأطفال هم الذين لم يولدوا بعد.

لم يكن ناظم حكمت شخصاً صعلوكاً، ولا معارضاً متشرداً، ولا شيوعياً بائساً، لقد كان شاعراً شهيراً غنياً، ولد لعائلة أرستقراطية ثرية ذات نفوذ، إلا أنه عارض الإقطاعيين الأتراك، وشارك في حركة كمال أتاتورك عندما لمس في بداياتها توجهات حقيقية نحو التجديد، إلا أن ذلك لم يستمر، فتم وأد المشروع التجديدي من وجهة نظره، ما جعله يعارض نظام أتاتورك، وهناك بالذات بدأت مأساته عندما زج به في السجن، وقضى فترات من مدة سجنه التي تجاوزت 12 عاماً في زنزانة انفرادية، وعندما أطلق سراحه نفي خارج تركيا، فهرب إلى موسكو، وفيها دفن.

إن الأيام الأجمل التي بشر بها ناظم حكمت لم تأتِ إلا بعد وفاته بسنوات طويلة، فقد توفي الشاعر عام 1963 منفياً وفي سجله أكثر من 11 تهمة وقضية، لم يبرأ منها ويرد اعتباره إلا عام 2009 بقرار صدر عن مجلس الوزراء التركي، هذا الشاعر الأرستقراطي الشهير صاحب العلاقات الواسعة والممتدة مع كبار الشخصيات في العالم وسليل الباشوات والأرستقراطيين لم يغير موقفه، وظل معتصماً بالأمل حتى آخر أيامه، وهناك يبدو موقف الرجل غريباً بعض الشيء إذا ما قورن بأمثاله من المقاومين والمعارضين الذين يفقدون الأمل ويلعنون الظلام سريعاً!

إلا أنه ظل متمسكاً ومنتظراً اليوم الأجمل الذي لم يعشه، لكنه آتٍ بلا ريب!

لأول مرة أقرأ معاني بهذه الرومانسية المطلقة، وناظم حكمت أحد رواد الرومانسية، إلا أنها ليست من قبيل الكلام المسترسل الذي يقوله المثقفون ويمارسون عكسه، لقد كان شعره منسجماً مع مواقفه، وحياته منسجمة مع نضاله وتربيته؛ لذلك اعتبر أنه يبشر للأجيال القادمة وللبشرية جمعاء وليس لنفسه، اعتبر أن كلماته تلك ستكون الضوء والقنديل والمنارة حتى وإن لم تضئ في حياته!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى