الفنان غنام الديكان.. والتعبير بالألحان .. بقلم: د. يعقوب يوسف الغنيم
- غنام الديكان أنجز لحنه الأول في الـ 21 من عمره وبدأ إنتاجه الفني عام 1964 بتلحين «يا بحر وين الحبيب»
- أنجز أعمالاً موسيقية متنوعة ونال جائزة الدولة التقديرية عام 1989م وغنى من ألحانه عدد كبير من الفنانين
- عام 1976 اجتمعت مع الديكان وشادي الخليج للتجهيز لأوبريت «مذكرات بحار» ليكون بداية أعمال لاحقة
- كان يقوم بتلحين بعض الألحان المصاحبة لمسرحيات الفرق التمثيلية عندنا فيزيدها ذلك رونقاً وجودة
- كثير من المبدعين يعملون في صمت ويمنعهم حياؤهم من الاستعراض.. وهناك من «يرزّون» أنفسهم بإتقان أقل
يجهل الكثيرون من أبناء وطننا قيمة البعض من إخوانهم الكويتيين الذين يعيشون بينهم، وبخاصة منهم أولئك الذين يمنعهم حياؤهم من الاستعراض، وقول: هئنذا، كما يفعل غيرهم ممن «يرزّون أنفسهم» كما نقول في لهجتنا، وهم أقل إنتاجا وإتقانا لما يصدر عنهم إذا قسناهم بأولئك الذين يعملون في صمت، ولكن بإتقان يرفعهم إلى مستوى عال في فنهم الذي يجيدون أداءه. أكتب هذا الكلمات وأنا أضع في مخيلتي واحدا من هؤلاء المبدعين المنتجين من أبناء الوطن. أراه غزير الإنتاج في مجاله على تنوع هذا المجال. ولكنه لا يرغب في الظهور، ولا يحب أن يتصرف تصرف من يعمل لكي يقال: هذا هو فلان. ومع ذلك فهو لم يأخذ حقه من التكريم الذي ينبغي أن يناله من وطنه: حكومة ومؤسسات شعبه، على الرغم من انتاجه الذي لا يغيب عن الأذهان والأسماع. عدا ما حدث في سنتي 1989م و1995م وكان التكريم الأول حكوميا كما سيأتي وقد مضى عليه الآن ست وثلاثون سنة. وكان الثاني هو تكريم جمعية الفنانين له قبل ثلاثين سنة. ولا شيء بعد ذلك.
هذا الذي أشرت إليه هو الفنان القدير الأستاذ غنام الديكان الذي بدأ في الإنتاج الفني منذ سنة 1964م عندما لحن أغنية غناها الفنان مصطفى أحمد، كلمات الشاعر خالد العياف وكان عنوانها: «يا بحر وين الحبيب». وهو عضو في جمعية الفنانين الكويتيين مشارك في عضوية مجلس إداراتها في بعض دوراته، وكان انضمامه إلى هذه الجمعية منذ سنة 1965م، وهذا الانضمام كان بعد أقل من سنة أعقبت تقديمه للحنه الأول الذي كان قد أنجزه وهو في السنة الحادية والعشرين من عمره. وقد أنجز بعده أعمالا موسيقية متعددة ومتنوعة هي التي نال بها جائزة الدولة التقديرية في سنة 1989م.
وغنى له من ألحانه عدد كبير من الفنانين. وكان يقوم بتلحين بعض الألحان التي تصاحب المسرحيات التي تعرضها الفرق التمثيلية عندنا فيزيدها ذلك رونقا وجودة، ومن هذه المسرحيات:
1 – قاضي أشبيلية للمسرح الكويتي.
2 – امبراطور يبحث عن وظيفة للمسرح العربي.
3 – عزل السوق لمسرح الخليج العربي.
وهذا بالإضافة إلى ما لحنه من أعمال خصصت للأطفال لاتزال مذكورة على ألسنة الكبار والصغار. وشارك في أكثر من عشرة مهرجانات، وأسابيع ثقافية في الكويت وفي خارجها. وقد وصل في أحد هذه المهرجانات إلى اليابان، وكان ذلك المهرجان تحت عنوان: الأسبوع الثقافي لدول مجلس التعاون الخليجي.
ولم يكن هذا هو كل ما قدمه للمسرح من أعمال موسيقية، فقد زود المسرح الشعبي الكويتي بعدد من الألحان الخاصة. ولحن اللوحات الغنائية التي عرضت ضمن مسرحية: «على جناح التبريزي وتابعه قفة» التي أخرجها المرحوم صقر الرشود، وشارك بها المسرح الأهلي وطافت عددا من الدول العربية ومنها سورية، حيث قدمت الفرقة هذه المسرحية في دمشق ونالت جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان دمشق للفنون المسرحية.
***
في سنة 1976م كان الأستاذ غنام الديكان من العاملين في قطاع التربية الموسيقية بوزارة التربية. وكان ـ آنذاك ـ قد نال شهرة كبيرة بعد أن تعددت أعماله الموسيقية بالتلحين لعدد من الفنانين كان على رأسهم الفنان الكبير شادي الخليج الذي غنى من تلك الألحان أغنيتين نالتا الاستحسان الكبير من سامعيهما، وهما: حالي حال، سدرة العشاق.
وفي هذه الفترة عرفت الفنان غنام الديكان عن قرب، وذلك بحكم عملي آنذاك. وكانت وزارة التربية تقدم حفلات في مناسبات العيد الوطني أو عند زيارات بعض رؤساء الدول للبلاد وتقام هذه الحفلات على مسرح معاهد التربية الخاصة.
وكان فنان الكويت شادي الخليج متوقفا عن الغناء في ذلك الوقت، ولمدة طالت، لأنه شُغل في عمله الذي تحمل به مسؤولية التربية الموسيقية في وزارة التربية، وقد كان عمله هذا يستغرق منه وقتا طويلا، ويكلفه جهدا طائلا.
وكان وزير التربية – آنذاك – هو المرحوم جاسم خالد المرزوق الذي أراد أن يكون الاحتفال بالعيد الوطني في تلك السنة مختلفا، وكان ذلك في سنة 1979م حين دعا إليه الفنان القدير شادي الخليج وطلب منه أن يشارك في الحفل المنتظر لذلك العام. وقد وافق الفنان على ذلك، ثم بدأ التفكير في عمل مهم يعود به هذا الفنان إلى فنه بعد انقطاع طال. فوقع الاختيار على قصيدة الشاعر محمد الفايز «مذكرات بحار»، ووقع اختيار شادي الخليج على الفنان غنام الديكان الذي كان قد قدم له لحنين ناجحين كما ذكرنا آنفا، فلبي هذا الملحن الرائع طلب الفنان شادي الخليج، وبدأ العمل.
كان الشاعر محمد الفايز معروفا بمقدرته الشعرية، وكان غزير الإنتاج، معروفا بفنه هذا في الكويت وفي خارجها، وقد لاحظ الفنانان شادي الخليج وغنام الديكان أن قصيدة الشاعر التي كان عنوانها «مذكرات بحار» مناسبة للحفل القادم، فاتفقا على أن يختارا منها ما يقومان بإنجازه لحنا وغناء ولم يكن بإمكانهما تقديمها كاملة لأنها كانت طويلة، وكانت بعض المدارس تقدم في الحفل نفسه فقرات تأخذ من الزمن المخصص للحفل الذي يجري الإعداد له.
بدأ العمل بينهما، وبعد فترة وجيزة دعانا الأستاذ شادي الخليج إلى بيته في أمسية جميلة، لكي يقدم لنا تصوراته عما سوف يكون عليه عرض «مذكرات بحار». وكنا مجموعة من العاملين في وزارة التربية. وبخاصة ممن لهم علاقة بتقديم الحفل الذي سوف يقدم فيه هذا العمل.
واستمعنا في تلك الأمسية إلى شادي الخليج، وهو يقدم العمل مبتدئا ببيان الأجزاء المختارة من تلك القصيدة.
ثم ارتفع صوته الجميل منشدا المقطع الأول منها دون أن يكون مصحوبا بآلة موسيقية، ولكن صوته كان كافيا عن كل آلة ولقد اهتزت نفوسنا ونحن نسمعه هاتفا:
أرأيت مثلي البوم والسنبوك والشوعي الكبير؟
أرفعت أشرعة أمام الريح في الليل الضرير؟
إلى أن يقول:
وهل انزويت وراء هاتيك الصخور؟
في القاع والرماي خلفك كالخفير
يترصد الغواص هل ذقت العذاب؟
مثلي وصارعت العباب
أمسكت مفلقة المحار
في الفجر مرتجفا لتكتمل القلادة
في عنق جارية تنام على وساده
وبلغ بنا الإعجاب مداه بالصوت واللحن معا، فقد أديا للشاعر خدمة كبيرة بتحويل شعره إلى كائن حي تكاد تراه، وتحس بإحساسه.
وانتهى بنا المجلس ونحن في حالة انبهار تام جعلنا نوقن أن الحفل القادم سوف يكون حفلا ناجحا، وسوف يتحدث عنه كل الناس، وقد تحقق ما توقعناه، ونجح شادي الخليج وغنام الديكان فيما قدماه نجاحا ساحقا. فقد صار الحديث عن هذا العمل الناجح على كل لسان، وكان الإعجاب به شاملا: اللحن والغناء والموضوع الشعري الذي يحفظ جزءا مهما من ذكريات الكويت ويعيده إليها في يوم عيدها.
وصار أوبريت مذكرات بحار بداية لأعمال أخرى تم تقديمها في أعياد وطنية لاحقة. وشهد مسرح المعاهد الخاصة ـ فيما بعد ـ للدكتور عبدالله العتيبي والفنان شادي الخليج والفنان غنام الديكان مجموعة من الأعمال الفنية المشابهة التي كان من بينها:
– صدى التاريخ.
– مواكب الوفاء.
– حديث السور.
– قوافل الأيام.
– أنا الآتي.
– الزمان العربي.
***
ومرت الأيام، وتوقفت هذه الاحتفالات فترة من الزمن، وحل بالكويت ذلك العدوان العراقي الغاشم الذي أدى إلى احتلالها، وإلى توقف الحياة في داخلها. ثم جاء الفرج واندحر المعتدون، وعاد إلى الكويت اطمئنانها. وقد شهد أهلها الجهود التي بذلت في سبيل تحريرها إذ شارك فيها العالم كله متضامنا مع أبناء البلاد الذين كانوا خلال الاحتلال البغيض يبذلون جهودهم في الداخل وفي الخارج بالمقاومة وتسيير الحياة اليومية في الداخل، وبالدعوة إلى المساندة وحشد المؤيدين في الخارج إلى أن تم التحرير بحمد الله تعالى.
وفي سنة 2001، كان لا بد أن تجري احتفالات متعددة ومتنوعة تصف فرحة التحرير، وتنوه بأبناء الكويت الذين ذاقوا مرارة الاحتلال، وعانوا منه معاناة شديدة حتى استشهد منهم من استشهد، وأسر منهم من أسر. وكان لا بد ـ أيضا ـ من التنويه بكل من أعان على طرد جنود الاحتلال وأعاد الحرية إلى وطننا، فاستحق الأمر أن تعود وزارة التربية إلى عادتها القديمة فتقدم عملا فنيا يشارك فيه أبناؤها وبناتها، وهيئتها العاملة، فكان ذلك.
في وقت سابق لموعد الاحتفال جمعني لقاء عارض بالأخ الفنان عبدالعزيز خالد المفرج «شادي الخليج». فقال لي ـ يومذاك ـ إن الوزارة «وزارة التربية» سوف تقدم نشاطا فنيا بمناسبة ذكرى التحرير والعيد الوطني، على أن يكون هذا النشاط على نمط الأنشطة التي كانت تقدم في السابق، وسألني عن مدى رغبتي في تقديم ما يصلح للتقديم في هذه المناسبة المهمة. فرحبت بذلك، وقدمت له آنذاك أوبريت «حكاية وطن» فرحب به، واقترح بعض الإضافات فأضفتها ثم بدأ التلحين. ولقد سعدت بحضور الجلسات التي كانت تتم بحضور الثلاثي المكون من الأستاذ شادي الخليج والأستاذ غنام الديكان الذي قام بتلحين هذه العمل والأستاذ سعيد البنا الذي قام بتوزيع الموسيقي، وقاد فريق العازفين عند العرض.
كنت أذهب في كل ليلة إلى بيت الأستاذ غنام الديكان حيث يجري التحضير لهذا العمل يرافقني أخي الدكتور مرزوق يوسف الغنيم، فنجلس لكي نستمع، وكنت انتظر أية ملاحظة على النص ترد عند تلحينه حتى أقدم ما يتناسب مع المطلوب. وأذكر أنني تلقيت في إحدى تلك الجلسات سؤالا من الأستاذ غنام الديكان بصفته الملحن، وكان السؤال يتضمن اقتراحا، فقد كان يسألني عما إذا كنت مستعدا لتقديم أبيات بلهجتنا العامية لكي يقدمها على لحن العرضة ضمن ذلك الأوبريت. وقد قدمت له الأبيات المطلوبة في الليلة اللاحقة. وكان نصها:
بالعـز دايم يـــا وطنــا
والنصر رافع لك انشوره
وان جـــاك مــن عاداك حنا
نحمي الحمى أهله ودوره
ما طـــال منك مــا تمنى
ودارت عليه أفعال جوره
إللي الوطــن يبغيـــه منا
يرخص، وتسمح له أمروه
وقد جاءت ضمن هذا العمل بعد فقرة مهمة أناجي بها الكويت، فأقول لها:
يا بلادي انظري للمقبل
وجهي الأنظار للمستقبل
وانظري الآتي بكل الأمل
ولتكن ذكرى الشهيد البطل
حافزا للعمل المتصل
وقد عرض هذا العمل في حينه بعد أن أعد له إعدادا جيدا وبذل فيه جهدا كبيرا، وكان مكان العرض ـ هذه المرة ـ على مسرح قصر بيان. وقد حضر هذا الاحتفال جمع من كبار القوم على رأسهم الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد. وحضرها أيضا عدد من ضيوف الكويت، كان منهم الرئيس الأميركي جورج بوش، ولقد كان أداء الفنان القدير شادي الخليج رائعا، وكذلك كان أداء الفنانة سناء الخراز، أما الألحان فقد شدت أسماع وأذهان الحاضرين جميعا، لأنها كانت تأتي وكأنها تفسير للكلام المكتوب، وتصوير لما يتضمنه من معان، وكانت مشاركة طلاب وطالبات المدارس إبداعا في حد ذاته.
وفي الأوبريت حديث عن الكويت منذ نشأتها، وعن أهلها الذين صانوها ـ متكاتفين ـ على مر الدهور. وكانوا لها سورا يحيط بها، ولم يكونوا في وضع سيئ حتى في ذلك الزمن البعيد الذي لم تعرف بلادهم النفط خلاله:
يا بلادي نحن قبل النفط كنا
أمة قد سجل التاريخ أنا
في ظلال العز والمجد نشأنا
دائما نعرف للإنسان وزنا
يا بلادي لم نكن للنفط رهنا
وفي الختام دعوة إلى التكاتف والعمل الجاد من أجل الوطن حتى يستمر في استقراره وتقدمه. ومع الحرص على سلامته من الأخطار، وبذلك تكون في خير حال مع راحة بال:
يا بني قومي جميعا
إن نكن سدا منيعا
يسقط العادي صريعا
فلنبادره صنيعا
يجعل الدنيا ربيعا
***
ونعود هنا إلى ما كنا قد بدأنا به هذا المقال. فنذكر أن الفنان غنام الديكان لم يكن يخرج عن الأنماط التراثية في الغناء الكويتي عندما يقوم بالتلحين، فهو إذا قدم لحنا وطنيا حرص على أن يكون لحنه مليئا بعطر الماضي، وروح الغناء الصحراوي والبحري معا، وإذا قام بتلحين أغنية عاطفية فهو حريص على أن يستقي لحنها من التراث الشعبي لهذا النوع من الأغاني السائدة وفق ما أطلق عليه في كتابه، فهو يقول في هذا الشأن:
«تنوعت أنماط الغناء في الكويت، فكانت الألحان ـ من موسيقى وغناء ـ كثيرة الأسماء متعددة الألوان ضمن قوالب محددة، لكل قالب منها إطاره الخاص به من حيث تركيبه الإيقاعي، أو جمله اللحنية الملتزمة ـ إلى حد ما ـ بتفعيلة الإيقاع، وكذلك بوزن من أوزان (بحور) الشعر الشعبي في أغلب الأحيان».
وبمعنى أوضح يكون لكل قالب خصائصه التي تميزه عن غيره من القوالب الأخرى، كما يكون له اسمه الذي يستدل به من خلاله على الموضوع الذي يتناوله هذا النوع أو ذاك.
ولذلك فإننا نرى الأوبريتات التي قام بتلحينها تحتوي على خلطة جميلة ورائعة من فنون البحر والبادية والمدينة، بحيث تكون ممتعة للجميع.
ولئن كنت قد ذكرت نماذج من أعماله، فإن هذا التفصيل الأخير في حاجة إلى أمثلة تدل عليه.
وأول ما يلفت النظر تلك الأغنية التي غناها الفنان الكبير شادي الخليج من تأليف الشاعر مبارك الحديبي، وقد لحنها الأستاذ غنام الديكان على طريقته التي يشتاق إليها المستمعون، وهي: «يا سدرة العشاق» وقد نوع فيها بحسب المعاني التي احتوتها، وكان من أبياتها:
يا سديرة العشاق
يا حلوة الأوراق
بقعد أنا وولفي
انظر حبيبي اشوي
ما عندي غيره شي
ملزوم له مشتاق
وأذكر أنني تحدثت عن هذه الأغنية في مقال قديم نشر في جريدة الوطن فقلت آنذاك:
«وبقدر ما كانت عليه الأغنية من جودة، فقد أجاد الملحن وأجاد شادي الخليج ما وسعته الإجادة، وكان الفنان غنام الديكان كعادته مبدعا».
وأنجز هذا الثنائي الجميل أغنية وطنية كتبتها مستمزجا معانيها من كلمة ألقاها الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، في مجلس الأمة سنة 1996م. وذلك حين قال: «الكويت هي الوجود الثابت، ونحن الوجود العابر»، وكان مطلعها:
بلادنا أنت الوجود الثابت
ونحن في الدنيا وجود عابر
ثم أنشد هذه الثنائي الرائع ضمن العدد الكبير من الأغاني الوطنية قصيدة فيها تمجيد للوطن، ودعوة إلى الحفاظ عليه شامخا مستقلا عزيزا، ويستمتع من يصغي إلى صوت المنشد البديع، من ألحان الفنان الذي نوع في هذا العمل الفني الفريد من نوعه حين يشدو الشادي قائلا:
بلادي الكويت إذا الخطب جل ونادى إلي إلي المنادي
وأقبل نحو الحمى الطامعون، رأيت مواكبنا في احتشاد
فنحن لأجلك عند اللقاء نخوض الوغى، ونرد الأعادي
وهذا نشيد آخر كتبته في حب الوطن لحنه غنام الديكان وغناه شادي الخليج أيضا، كان مطلعه:
أيا موطنا رسمه في الفؤاد
إليك الهوى وعلاك مرادي
تمر الحياة وذكراك تبقى
فخار البحور ومجد البوادي
***
يا بلادي..
هذا هو ابنك الموسيقار غنام الديكان الذي بذل جهده في حفظ تراثك، وقدمه مكتوبا ومسموعا ضميه إلى صدرك، وأشعريه بمحبتك له. فهو يستحق منك ذلك.
«الإيقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية».. توثيق الديكان للفن الموسيقي الغنائي الكويتي
لم يكتف الفنان القدير الأستاذ غنام الديكان بالتلحين، بل حرص على أن يقوم بتوثيق الفن الموسيقي الغنائي الكويتي، فألف في هذا المجال كتابا مهما في جزأين عنوانه: «الايقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية»، وفيه تأصيل لفن الغناء الكويتي، وحفظ له من أن يضيع أو تتلقفه جهات أخرى فتنسبه إليها.
يحتوي هذا الكتاب على بيانات كاملة عن الألحان الكويتية، وعن آلات العزف الخاصة بها، مع تقديم نماذج للأغاني مصحوبة بالرسم الموسيقي (النوتة) لكل أغنية، بحيث يستفيد القارئ من الكتاب أقصى فائدة.
وبحسب ما عرفت فإن هذا الفنان القدير قد أعد إضافات كثيرة إلى ذلك قد تكون جزءا ثالثا لهذا الكتاب، وقد يتم تضمين هذه المعلومات المضافة في طبعة ثانية للجزأين اللذين سبق طبعهما. ولكنه على الرغم من إعداده لما أشرنا إليه لم يتمكن من تقديم ذلك لقرائه. فهذا عمل ينبغي أن تقوم به جهة من أهدافها العناية بمثله. علما بأن كتابه كان قد طبع في سنة 1998م، وأن طبعته الأولى قد تكون غير متوافرة الآن لنقادها بمضي المدة.
ونحن عندما نلقي نظرة على كتاب الإيقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية يفاجؤنا مدى إلمام الباحث بموضوع الإيقاعات السائدة في فن الغناء الكويتي، من حيث كثرة تنوعها، ومن حيث أنواع الغناء الشعبي بها، مما جعل هذا العمل رائدا في نوعه.
وقد بدأ الأستاذ غنام الديكان الجزء الأول من كتابه بتقسيمه للموضوعات، فهو يقسم غناءنا إلى مجموعات بحسب موضوعاته، وبحسب المواسم التي يجري الإنشاد أثناءها، ولقد كان ابتداؤه للجزء الأول من كتابه ـ بعد المقدمة ـ بفصل تمهيدي تحدث فيه عن الأغنية الشعبية الكويتية، فذكر القوالب الغنائية التي تسير عليها وبين أنها تنضوي تحت ثلاثة مجالات هي: الشعر الذي يغنى، واللحن، والإيقاع. وقد فصل هذا تفصيلا مهما وواسعا استغرق خمسين صفحة من هذا الكتاب.
ثم ذكر المساحات الصوتية في الغناء الكويتي، وحصرها في أنواعها المعروفة، وهي: غناء البادية، وغناء المدينة، والغناء البحري، وقد استمر في تبيان كل ما يتعلق بهذه الأنواع من الغناء الشعبي الكويتي من حيث أشكالها، وطرق أدائها وألحانها، مع تقديم ما لابد من ذكره من نماذج لكل ما قدم.
ويعجب المرء لإلمام المؤلف الواسع بكل ما يتصل بأنواع الغناء مما يدلنا على أنه لم يجد في إمكانه الرغبة ولا التوجه إلى خوض هذه البحور العميقة إلا بعد أن أجهد نفسه في البحث والمتابعة، ومواصلة السماع والتجريب، والرجوع إلى المراجع البشرية التي كان بإمكانه الحصول على معلومات منها وقت إعداده لكتابة هذا. ولقد اكتسب أثناء فترة الإعداد دراية واسعة، بل مذهلة، يدل عليها عرضه الواسع والمتمكن لخفايا كثير مما يتعلق بالفنون المختلفة التي تحدث عنها، ونحن عندما نلقي نظرة على الباب الأول ـ وهو يأتي ضمن الجزء الأول من الكتاب ـ نجده خاصا بالألوان الغنائية السائدة في البادية، ونراه يذكر أنواعها والآلات المصاحبة لها بالعزف، والحركات المتصلة بما يقوم به المشاركون في أدائها، فيطلعنا على ثروة فنية باهرة لا يقدر على الوصول إلى العلم بها أحد إلا بجهد واضح.
أما غناء المدينة الذي ذكره في الباب الثاني، فقد تحدث فيه عن فن السامري بأنواعه، مع بيان موازينه الموسيقية. وذكر الخماري الذي تحدث عنه كثيرا، وبين أن فنونه تنقسم إلى فرعين كبيرين هما: فنون الخماري الرباعية، وفنون الخماري السداسية. ويعجب المرء حين يرى إلمامه بهذه الأنواع التي يصل إجمالها إلى اثني عشر فنا، كل فن منها له إيقاعاته الخاصة به، التي ذكرها الأستاذ غنام الديكان بكل تفصيل، وقدم لها الأمثلة المناسبة.
واستكمل في بداية الجزء الثاني حديثه عن الغناء في المدينة وكان عن غناء المولد النبوي الذي كان يطلق عليه عندنا لفظ (المالد)، وذلك للدلالة على الحفل الذي ينشد فيه، وعلى النص الذي كان يتضمن ذكر مولد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد بين المؤلف مفهوم هذا الفن وكيفية أدائه، وقدم نماذج له كان منها نوع القادري، ثم ألحق به نماذج تراثية أخرى.
وكان من نماذج أغاني (المالد القادري) ما يلي:
سلام سلام ـ سلام ـ فردوا السلام
نصبنا الخيام نصبنا الخيام
على بير زمزم نصبنا الخيام
وتحت الخيام رجال كرام
معاهم محمد عليه السلام
٭٭٭
وفي الفصل الرابع من الباب الثاني الخاص بالغناء في المدينة ذكر فرعين من فروع الغناء الخاص بالمناسبات والتجمعات الموسمية، وهما: أغاني المناسبات الدينية، وأغاني الزفاف. وذكر العاشوري الذي يؤدى مصحوبا بحركات جرت العادة على أدائها أثناء الغناء.
أما الفرع الثاني فهو فرع خاص بالتجمعات الموسمية، ومنها الجلاعات (ويطلق عليها: طالبين الكريم)، لأن هذا اللفظ يجري ترديده في أثناء الغناء. والعايدوه. وأبو اطبيله وكثير غير ذلك. وكل نوع له موسمه الذي يؤدى فيه.
وفي الباب الثالث يأتي الحديث عن فن الصوت، وهو فن معروف ومألوف يتكرر على مسامعنا حتى يومنا هذا، ويكاد أن يكون لب الغناء الكويتي. وهو لا يحتاج إلى تفصيل في الذكر، لكن وروده في هذا الكتاب له ما يبرره، فهو كتاب يبحث في تأصيل الموسيقى الكويتية والغناء المصاحب لها، لذا فقد حرص الفنان المؤلف على أن يحتوي كتابه على كل ما يتعلق بهذا الفن. وقد بين في البداية مفهوم فن الصوت، وقارن بين نوعية المشهورين وهما الصوت الكويتي والصوت البحريني، ثم فصل كثيرا في هذا الشأن.
وأنهى الفنان غنام الديكان كتابه بعد أن أشبع رغبة قرائه بأن قدم لهم مائدة عامرة بكل ما لذ وطاب، وخاصة ما وجدوه من معلومات قيمة شملت الحديث عن أنواع الغناء في حد ذاتها ونماذج كثيرة للأغاني التي جاءت متماشية مع تلك الأنواع، وقد حرص المؤلف على رصدها قبل أن تغيب عن الأذهان.