الذكرى الـ 25 لعيد العرش المجيد في المملكة المغربية.. بقلم سفير المملكة المغربية لدى الكويت علي ابن عيسى
تخلد المملكة المغربية اليوم الثلاثاء 30 يوليو الذكرى الخامسة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة سنوية غالية يجدد فيها الشعب المغربي روابط البيعة والولاء لقائده المفدى سليل الدوحة العلوية الشريفة.
ويتزامن احتفال هذا العام بعيد العرش المجيد مع تخليد اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الملك قبل 25 سنة، سخرها بكل إرادة وتصميم لتحقيق طموحات وآمال الشعب المغربي من خلال رؤية ملكية مستنيرة في تدبير شؤون البلاد، وبناء مجتمع ديموقراطي حداثي، وإرساء أوراش تنموية كبرى وطموحة همت كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بما يعكس رؤية جلالته الحكيمة والاستشرافية نحو مستقبل أفضل.
وتأسيسا على التاريخ العريق للمغرب، أرض السلام والاستقرار وتلاقح الحضارات وتعايش الديانات والثقافات، وبحكم موقعه الجغرافي المتميز كصلة وصل بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، وانفتاحه على الفضاءين المتوسطي والأطلسي، تمكن المغرب من توطيد موقعه المتميز إقليما ودوليا، ليصبح شريكا ذا مصداقية وقطبا اقتصاديا وماليا على الصعيدين الإقليمي والقاري.
فبعد تدشين جلالة الملك محمد السادس، بجرأة وشجاعة نادرين، عهد المصالحة التاريخية عبر إرساء عدالة انتقالية وإنشاء هيئة وطنية للإنصاف والمصالحة سنة 2004، التي سبقتها هيئة التحكيم المستقلة التي شكلت لبنة أولى لإرساء دولة الحق والقانون ومأسسة حقوق الإنسان عبر إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي تطور لينسجم مع متطلبات الحكامة والاستقلالية وفق المعايير الدولية ليتحول إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، جاء تعديل الدستور عام 2011 ليتوج هذا المسار الإصلاحي والتجربة الاستثنائية التي تروم إنجاح «النموذج المغربي» المبني على الخصوصية والأصالة ومواكبة القيم الإنسانية الكونية.
وعلى المستوى التنموي، فتح جلالة الملك أوراشا كبرى ودشن مشاريع ضخمة، وأطلق خططا طموحة للتنمية البشرية، وأسس لنموذج اقتصادي جديد من خلال إنشاء المناطق الصناعية الحرة وجلب الاستثمارات في مجال صناعة السيارات والطائرات، وتقوية البنيات التحتية، وربط النموذج التنموي المغربي بمتطلبات السوق الدولي، وتنويع البرامج المستقطبة لرؤوس الأموال، مما جعل الناتج الداخلي الخام الوطني يحقق نموا كبيرا ليصل إلى 140 مليار دولار سنة 2023 بعدما كان في حدود 46 مليار دولار فقط سنة 2000.
وعلى المستوى الدولي، رتب جلالة الملك محمد السادس بحكمة وهدوء لتغييرات جوهرية في السياسة الخارجية للبلاد، حيث عمل على تقوية الديبلوماسية المغربية وترسيخ الندية في الدفاع عن المصالح الوطنية، وتنويع الشركاء، ودعم الاستثمارات الخارجية في إطار الديبلوماسية الاقتصادية وكلها عوامل، من بين أخرى، جعلت المملكة تحقق تطورا كبيرا في محيطها الإقليمي والدولي، مما مكنها من تقوية موقفها بشأن الذود عن مصالحها الوطنية.
وفي هذا الصدد، عززت الديبلوماسية المغربية، التي تحمل لواء السياسة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، المتسمة بالوضوح واستقلالية القرار، والمرتكزة على مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار والشفافية والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مكانة المغرب على المستويات الإقليمية والقارية والعالمية.
وبناء على هذه المبادئ، استمر المغرب في الدفاع عن مصالحه العليا وعلى رأسها وحدته الترابية وسيادته على صحرائه، فمنذ أن قرر جلالة الملك تقديم مقترح بشأن تخويل الأقاليم الجنوبية للمملكة حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية سنة 2007، حقق الاتجاه الدولي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي طفرة متزايدة على مستوى مجلس الأمن، بحيث قدمت مختلف الدول الفاعلة شهادات قوية، مؤكدة وجاهة وجدية ومصداقية المخطط المغربي للحكم الذاتي، باعتباره الحل الوحيد لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل، والذي لا يمكن أن يكون إلا حلا سياسيا واقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق.
وفيما تزايد بشكل كبير عدد الدول المساندة لمبادرة الحكم الذاتي، قامت 30 دولة من الأشقاء العرب والأفارقة ودول صديقة أخرى، بفتح قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية المغربية، وذلك تجسيدا لدعمها الصريح لمغربية الصحراء.
وتماشيا مع الرؤية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس التي تروم المساهمة الفعالة في الجهود المتعددة الأطراف والمساعي الديبلوماسية من أجل إرساء السلام وخدمة القضايا العادلة، انخرط المغرب في العديد من مبادرات الوساطة في أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك من منطلق إيمانه والتزامه الثابت بتسوية النزاعات بالطرق السلمية.
وفي إطار العناية التي يوليها جلالته للقضية الفلسطينية عموما وللقدس خاصة، جعلت المملكة المغربية من الدفاع عن القضية الفلسطينية ركيزة راسخة في سياستها الخارجية وركنا ثابتا في جهودها المتواصلة من أجل الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وعلى رأسها القدس الشريف، الذي يحظى بعناية خاصة من لدن جلالته بصفته رئيسا للجنة القدس، وذلك من خلال المزاوجة بين العمل السياسي والدبلوماسي والعمل الميداني الذي تضطلع به وكالة بيت مال القدس كآلية تنفيذية وميدانية للجنة القدس في إنجاز خطط ومشاريع ملموسة، تهدف لصيانة الهوية الحضارية للمدينة المقدسة وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفلسطينيين ودعم صمودهم.
وإدراكا منها لأهمية تنويع شركائها، توجهت المملكة المغربية في سياستها الخارجية نحو تعزيز علاقاتها مع شركائها التقليديين ونحو بناء شراكات جديدة، مما مكنها من بناء شراكات ناجحة مع الاتحاد الأوروبي وإرساء تعاون مثمر مع الدول الخمس الكبرى: الولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا، فضلا عن دول أميركا اللاتينية والكاريبي وآسيا.
في هذا الصدد، ووفقا للرؤية المؤطرة لعمل الديبلوماسية المغربية، عمل المغرب باستمرار من أجل إرساء أمن واستقرار أفريقيا والفضاء الأورومتوسطي من خلال مساهمته في الجهود المبذولة لمكافحة مختلف التهديدات والمخاطر، لاسيما التغيرات المناخية والإرهاب وتدفقات الهجرة غير النظامية.
ومنذ عودة المغرب للاتحاد الأفريقي سنة 2017، لم يتوان في الدفاع عن مصالح القارة الأفريقية بشكل خاص وعن دول الجنوب بشكل عام، كما أنه وقبل ذلك، قام العاهل المغربي منذ سنة 1999 بأكثر من 50 زيارة لنحو 30 بلدا بمختلف المناطق الجيوسياسية الخمس للقارة الأفريقية، وتم إبرام ما يزيد على 1000 اتفاقية مع بلدان القارة، حيث اندرجت العديد من المبادرات التضامنية للمغرب مع دول القارة في إطار مقاربة التعاون جنوب – جنوب، وعكست متانة الروابط التي تجمع المغرب بالقارة الأفريقية ورغبته في تقاسم الحلول التنموية مع بلدانها، من أجل جعلها مساهما رئيسيا في قضايا السيادة الجديدة كالأمن الغذائي والأمن الطاقي ومواجهة تحديات التغير المناخي، وغيرها.
وبالإضافة إلى هذه المجموعات الجيوسياسية والاقتصادية، وتأسيسا على العلاقات الأخوية التي تربط جلالة الملك بأشقائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي، شهدت العلاقات المغربية مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحولات مهمة في العقدين ونصف الماضيين، توجت بإرساء شراكة استراتيجية لبناء تعاون فعال يعكس الأهمية التي يوليها جلالة الملك محمد السادس وقادة المجلس لتطوير تعاون متميز يحرص على وضع الإطار الأمثل لشراكة متقدمة ومتطورة تهدف لتعزيز مسيرة التنمية وتحقيق اندماج متقدم ومتضامن بين الجانبين.
وهنا، لا بد من الإشادة بالعلاقات المتجذرة والراسخة القائمة بين المملكة المغربية والكويت الشقيقة التي تأسست منذ عقود، والتي تحظى بمكانة خاصة ومتميزة في قلوب كل المغاربة بفضل ما يجمع بين البلدين، سواء على مستوى قيادتيهما الحكيمتين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظهما الله، من مشاعر الأخوة الصادقة وأواصر التضامن والتعاون البناء، أو على المستوى الشعبي بين أبناء البلدين الشقيقين.
وبهذه المناسبة لا بد من التنويه والإشادة العالية بالموقف الثابت والراسخ للكويت الداعم للوحدة الترابية المغربية، وهو الموقف النبيل الذي ما فتئت تؤكده في جميع المناسبات وفي مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
ويبقى هدفنا المشترك جعل العلاقات السياسية بين المملكة الغربية والكويت الشقيقة رافعة للرقي بالتعاون الثنائي في المجالات الاستثمارية والتجارية والثقافية والاجتماعية كافة، وفي هذا الصدد، فقد توجت هذه السنة بفضل تضافر الجهود مع أشقائنا بتنظيم العديد من الفعاليات التي ساهمت في تعزيز التواصل بين البلدين، فقد كان للأيام التجارية المغربية – الكويتية التي نظمت بمقر غرفة تجارة وصناعة الكويت الأثر الكبير في التعريف بالإمكانات والفرص المتاحة لرجال الأعمال في البلدين من أجل إرساء تعاون مثمر في عدة مجالات.
كما كان تنظيم الأيام الثقافية المغربية بالكويت في شهر مايو أيضا فرصة لتعريف الجمهور الكويتي وعموم الجمهور الشغوف بالموروث الثقافي المغربي العريق والمتنوع بغنى عطاءاته وروافده، هذا بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة التي قامت بها العديد من الوفود المغربية والكويتية إلى البلدين وشملت مختلف مجالات التعاون.