اقتصاد

هل تواجه كندا أزمة اقتصادية بسبب تهديدات ترامب؟

|

تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وكندا في ظل التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على الواردات الكندية، مما يهدد العلاقات الاقتصادية بين الجارتين.

وقال الكاتب نك مارتن، في تقرير بموقع دويتشه فيله، إنه في وقت يعتقد بعض المحللين أن خطاب ترامب لا يعدو أن يكون مجرد تهديدات مبالغ فيها، فإن آخرين يرون في هذا الخطاب هجوما مثيرا للقلق، لأنه لم يكن بين مؤيدي الرئيس المنتخب من يرى في كندا “شريرا كبيرا”.

وهدد ترامب بعد أسابيع من فوزه بولاية ثانية في البيت الأبيض بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات الكندية، ومن ذلك السيارات وقطع غيار السيارات؛ بدءًا من أول يوم له في منصبه.

ويلقي دونالد ترامب باللوم على كندا في الهجرة غير القانونية وتهريب المخدرات عبر الحدود الشمالية، وفق التقرير.

ومنذ ذلك الحين، صعد ترامب من لهجته في خطابه مازحًا بأنه يمكن ضم كندا كولاية أميركية رقم 51، حتى إنه سخر من رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو -الذي استقال الأسبوع الماضي وسط تراجع شعبيته- بوصفه بأنه “حاكم دولة كندا العظمى”، كما يقول التقرير.

ونقل الكاتب عن دوغلاس بورتر، كبير الاقتصاديين في بنك مونتريال (BMO)، قوله “في البداية، كانت هناك مخاوف بشأن الحدود، والتي أعتقد أن كندا ستكون سعيدة لمعالجتها. ثم تحدثوا عن اختلال التوازن التجاري بين الولايات المتحدة وكندا. وفي مؤتمره الصحفي في اليوم الآخر، تحدث ترامب عن فرض صعوبات اقتصادية على كندا”.

ورأى دوغلاس بورتر أن منطق ترامب قد يتغير مع استعداده لتولي منصبه في 20 يناير/كانون الثاني.

 حقيقة الاختلال التجاري

من جهته، قال توني ستيلو، مدير قسم الاقتصاد الكندي في شركة الاستشارات الاقتصادية أكسفورد إيكونوميكس “من المعروف أن ترامب يقوم بتمزيق صفقاته الخاصة من أجل تأمين صفقات أفضل”.

وأضاف أنه رغم مساعدته في التفاوض على اتفاقية “الولايات المتحدة والمكسيك وكندا” التي حلت محل “نافتا” (اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية)، فإنه الآن يصفها بأنها “أسوأ صفقة على الإطلاق”.

ويقول الكاتب إنه مع دعمه وتوقيعه اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي دخلت حيز التنفيذ في 2020، إلا أن ترامب بات يتحدث الآن عن أن جيران واشنطن فشلوا في الوفاء ببنود أساسية في الاتفاق، من التحكم في الحدود إلى التجارة.

وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة تعاني من اختلالات تجارية أسوأ بكثير مع الصين والمكسيك وفيتنام وألمانيا واليابان مقارنة بكندا، فقد بلغ العجز التجاري مع كندا حوالي 55 مليار دولار أميركي (53.6 مليار يورو) العام الماضي، وفقًا لمكتب الإحصاء الأميركي.

وعلى سبيل المقارنة، كان الاختلال في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين أعلى بـ5 أضعاف تقريبًا، إذ بلغ 270.4 مليار دولار.

وذكر الكاتب أن ترامب كتب على منصة التواصل الاجتماعي “تروث سوشيال” هذا الأسبوع أن العجز التجاري يمثل فعليا دعمًا من الولايات المتحدة لكندا، قائلا إن أكبر اقتصاد في العالم “لم يعد قادرًا على تحمل العجز التجاري الضخم الذي يحتاجه الاقتصاد الكندي للبقاء على قيد الحياة”.

وتُعد التجارة بين الولايات المتحدة وكندا واحدة من أكثر الشراكات التجارية اتساعًا وتكاملًا في العالم؛ ففي 11 شهرا الأولى من عام 2024 بلغت قيمة التبادل التجاري 699.4 مليار دولار أميركي، بحسب الكاتب.

وتعد كندا أكبر سوق للصادرات الأميركية، متقدمة على المكسيك وأوروبا والصين، وتشمل صادرات الولايات المتحدة الشاحنات والشاحنات الصغيرة والسيارات وقطع غيار السيارات بالإضافة إلى الوقود الأحفوري.

وأضاف الكاتب أن الولايات المتحدة هي أيضًا الوجهة الأولى للصادرات الكندية، حيث يتجه أكثر من 3 أرباع السلع والخدمات الكندية الصادرة عبر الحدود الجنوبية. وللمقارنة، فإن 53% من صادرات ألمانيا تذهب إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

وبيّن الكاتب أن النفط الخام يشكل ربع صادرات كندا إلى الجنوب، والتي وصلت في يوليو/تموز 2024 إلى رقم قياسي بلغ 4.3 ملايين برميل يوميًا، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

ومع أن الولايات المتحدة تعد منتجًا رئيسيا للنفط، إلا أنها تستورد ملايين البراميل من النفط الخام من كندا، كما يقول الكاتب.

ونقل الكاتب تحذير دانييل سميث، رئيسة وزراء مقاطعة ألبرتا الكندية الغنية بالنفط، من أن الولايات المتحدة ستضر بنفسها إذا نفذ ترامب تهديداته، وكتبت هذا الأسبوع على منصة “إكس” قائلة إن “أي تعريفة مقترحة ستؤذي مصافي النفط الأميركية على الفور وتجعل المستهلكين يدفعون المزيد عند محطات الوقود”.

مشاكل لقطاعي النفط والسيارات

ولفت الكاتب إلى أن غضب ترامب استهدف أيضًا صناعة السيارات في كندا، والتي يقول الرئيس المنتخب إنها حولت التصنيع عبر الحدود الشمالية في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى تسريح العمال الأميركيين.

وأضاف الكاتب أن قطاع السيارات في أميركا الشمالية متكامل بعمق، وغالبًا ما تعبر قطع الغيار والسيارات الحدود الأميركية الكندية عدة مرات أثناء الإنتاج.

وبحسب الكاتب، فقد حذر المسؤولون التنفيذيون الكنديون في قطاع السيارات من أن التعريفات الجمركية قد تعطل سلاسل التوريد المعقدة، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف وارتفاع أسعار السيارات الجديدة في كلا البلدين.

ونقلت شبكة بي إن إن بلومبيرغ الكندية عن خبراء اقتصاديين قولهم إن التعريفات الجمركية الأميركية قد تقلص الناتج المحلي الإجمالي لكندا بنسبة 2-4% وقد تدفع الاقتصاد إلى الركود، وفق تقرير دويتشه فيله.

إجراءات انتقامية

وأفاد الكاتب بأن الحزب الليبرالي الحاكم في كندا لن ينتخب خليفة ترودو حتى 9 مارس/آذار المقبل. وبينما يترك رحيله بلاده دون قيادة سياسية، قام صانعو السياسات الكنديون بوضع قائمة من الواردات الأميركية التي قد تواجه رد فعل إذا مضى ترامب في خطته لفرض التعريفات الجمركية.

ويرجح المحللون أن تسعى كندا إلى فرض تعريفات جمركية على المنتجات الأميركية الحساسة سياسيا واقتصاديا كما فعلت في ظل خلاف تجاري مماثل مع ترامب في عام 2018 والذي تم حله بعد عام.

وبحسب الكاتب، تدرس أوتاوا فرض تعريفات جمركية على الصلب الأميركي والسيراميك والزجاج والزهور وعصير البرتقال في فلوريدا، من بين سلع أخرى.

ولكن مع وجود وعيد وتهديدات غريبة من جانب ترامب كما يقول الكاتب، لم يعرف القادة الكنديون بعد ما الذي يسعى إليه ترامب بالضبط. هل تهديداته المتعلقة بالرسوم الجمركية هي تكتيك تفاوضي لتحسين مراقبة الحدود، أو تعزيز للتعاون في مجال الطاقة والسيارات أو رفع لمساهمات كندا في حلف شمال الأطلسي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى