اقتصاد

هل تحول قبول الطلبة في جامعات مصر إلى تجارة تستقطب أصحاب الأموال؟

القاهرة- داخل القاعة الدراسية نفسها في مصر يجلس طالبان، كلاهما يؤدي اختبارات الثانوية العامة، أحدهما قلق والآخر مطمئن، والفارق بينهما ليس مستوى التحصيل العلمي، بل قدرة أسرتيهما المالية.

ومع ظهور نتائج الامتحانات، يُدرَك مآل القلق والاطمئنان، فـ4 درجات فقط حالت بين الطالب عمار ورغبته في الالتحاق بإحدى كليات القطاع الطبي الحكومية، بينما زميله الذي تحصل على مجموع أقل منه بـ20 درجة سيصبح طبيبًا بعدما ضمن مقعدا بكلية طب الأسنان في إحدى الجامعات غير الحكومية.

وبنظرة شاملة على نظام التعليم العالي في مصر، فالدرجات الأربع التي أخفق عمار في الحصول عليها ضمن مجموعه الكلي ليست هي الحائل أمام حلمه، بل تكمن المشكلة في كونه غير قادر ماليًا على دفع رسوم الالتحاق بالجامعات الخاصة والأهلية.

تنسيق متباين

وانتهت الأحد الماضي الفترة المسموح بها لطلاب الثانوية العامة للتسجيل بالمرحلة الثانية لتنسيق القبول في الجامعات، بينما ظهرت الأسبوع الماضي نتائج القبول بالمرحلة الأولى.

وبدا التباين جليًا بين درجات القبول للمرحلة الأولى بالكليات الحكومية ونظيرتها الخاصة والأهلية، فبينما يقبل الطب الحكومي من نسبة لا تقل عن 93.17%، يتيح تنسيق الخاص والأهلي فرصة للطالب الحاصل على مجموع 74%.

ويحدث التباين نفسه مع تنسيق مختلف الكليات، فعلى سبيل المثال، تقبل كليات الهندسة الحكومية من نسبة 88.65%، بينما الخاصة والأهلية تنخفض إلى 65%، والصيدلة الحكومية من 91.7% مقابل 71% بالجامعات غير الحكومية، والتي ينخفض بها تنسيق كليات الإعلام إلى 53%، في حين لا يقل التنسيق الحكومي عن 83%.

ورغم الإعلان الرسمي عن تنسيق القبول بالجامعات الأهلية والخاصة، فإن ثمة تنسيقا داخليا لكل جامعة، وعادة ما ترتفع نسب التنسيق الخاصة بكل واحدة بالتناسب مع الإقبال الطلابي للالتحاق بها.

وعلى المسار نفسه، تختلف المصروفات الدراسية بين الجامعات الحكومية وغير الحكومية، فلا تزيد رسوم الكليات الحكومية للسنة الدراسية عن مئات الجنيهات بينما تتجاوز مصروفات الخاصة والأهلية حاجز 100 ألف جنيه (2053 دولارا).

وأعلنت عدة جامعات خاصة رسوم الالتحاق بكلية الطب البشري، فحددت جامعة “6 أكتوبر” مصروفات العام الدراسي الجديد بنحو 140 ألف جنيه (2874 دولارا)، وارتفعت التكلفة في الجامعة الحديثة للعلوم والتكنولوجيا إلى 160 ألف جنيه (3285 دولارا)، في حين وصلت مصروفات جامعة حورس إلى 230 ألف جنيه (4722 دولارا).

في المقابل، طرحت الجامعات الأهلية أسعارا تنافسية لدراسة الطب مقارنة بنظيرتها الخاصة، ففي جامعة المنصورة بلغت المصروفات 130 ألف جينه (2669 دولارا)، بينما ينخفض المبلغ بجامعة بني سويف إلى 110 آلاف جنيه (2258 دولارا).

وتتفاوت الرسوم الدراسية بشكل كبير بين الجامعات الأهلية فيما بينها، فقد أعلنت جامعة النيل الأهلية تكلفة الالتحاق بكلية الهندسة حيث تصل إلى 145 ألف جنيه (2977 دولارا)، بينما تنخفض التكلفة إلى أقل من النصف في جامعة الزقازيق، فلا تزيد على 60 ألف جنيه (1232 دولارا).

سوق كبير

ووفق التصريحات الرسمية، ارتفع عدد الجامعات المصرية خلال العشر سنوات الماضية بنسبة زادت على 120%.

وبلغ عدد الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية 108 جامعات حتى يوليو/تموز الماضي، بينما لم يتجاوز العدد 49 جامعة عام 2014.

ويتوزع هذا العدد بين 27 جامعة حكومية و32 جامعة خاصة و20 جامعة أهلية و10 جامعات تكنولوجية و9 أفرع لجامعات أجنبية و6 جامعات باتفاقيات دولية وجامعتين باتفاقيات إطارية وجامعة بقوانين خاصة تُشرف عليها وزارة التعليم العالي.

ويمكن ملاحظة الاهتمام الحكومي بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية على حساب الحكومية، فخلال 10 سنوات تم إنشاء 4 جامعات حكومية فقط، بينما تم تأسيس 16 جامعة أهلية.

ودافع المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي عن التوجه نحو التعليم غير المجاني، معتبرا الجامعات الأهلية الجديدة رافدًا مهمًا من روافد التعليم العالي في البلاد.

وقال -في بيان رسمي- إن هذا النوع من الجامعات ساهم في تخفيف الضغط المتزايد على الجامعات الحكومية، واستيعاب الزيادة على طلب الالتحاق بالتعليم الجامعي، مضيفا أنها جامعات لا تهدف لتحقيق الربح.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد طلاب التعليم العالي المقيدين بالعام الدراسي الماضي في مصر نحو 3.7 ملايين طالب بنسبة نمو بلغت 5.7% عن العام الذي يسبقه.

وارتفع عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الخاصة والأهلية لنحو 297 ألف طالب يمثلون 8% من إجمالي طلاب التعليم العالي العام الدراسية الماضي مقابل 229 ألف طالب في العام الدراسي (2021-2022) بنسبة زيادة 29.7%، فضلا عن 697.7 ألف طالب مقيدين بالمعاهد العليا والأكاديميات الخاصة، يمثلون 17.9% من إجمالي طلاب التعليم العالي.

كليات القطاع الطبي طموح الأسر المصرية (الجزيرة)

من المجاني إلى المدفوع

  • لم يكن التعليم مجانيًا قبل عام 1950 حتى تولى الدكتور طه حسين منصب وزير المعارف، وكان شرطه لتولي المنصب إقرار مجانية التعليم الأساسي حتى المرحلة الثانوية.
  • بعد سنوات قليلة، أصدر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر قرارًا بأن يكون التعليم الجامعي مثل الأساسي مجانيًا مع توسع في إنشاء الجامعات الحكومية.
  • ظلت جميع الجامعات المصرية تحت الإشراف والإدارة والتمويل الحكومي حتى عام 1992، وقت صدر قانون لإنشاء الجامعات الخاصة.
  • في عام 2009، صدر قانون تنظيم إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية، الذي عرّف الجامعة الأهلية على أنها مؤسسة لا تهدف للربح وأموالها أموال عامة.
  • عدّل البرلمان المصري عام 2019 القانون بحيث صار للشخصيات الاعتبارية العامة أحقية إنشاء الجامعات الأهلية، وبناء عليه أصبحت للحكومة أحقية في إنشاء هذا النوع من الجامعات.
  • وبعد 3 أعوام فقط، أعلنت الحكومة بدء الدراسة في 12 جامعة أهلية جديدة دفعة واحدة في 12 محافظة بتكلفة بلغت 39 مليار جنيه (801 مليون دولار).

وحسب التصريحات الرسمية، تبلغ ميزانية وزارة التعليم العالي للعام المالي الجديد 117 مليار جنيه (2.4 مليار دولار).

طبقية تعليمية

تطمح الأسر المصرية إلى التحاق أبنائها بكليات القطاع الطبي والهندسي، التي تُعرف مجتمعيا بكليات “القمة”، إذ يضمن خريجوها الوظائف والاحترام المجتمعي، ذلك ما يفسر به الخبير التعليمي محمد فتح الله زخم الإقبال على كليات القطاع الطبي والهندسي بالجامعات الخاصة والأهلية رغم ارتفاع أسعارها.

وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى توجه الحكومة السنوات الأخيرة لمنافسة الجامعات الخاصة عبر تأسيس الجامعات الأهلية، موضحا انتهاج الإستراتيجية نفسها حيال التعليم ما قبل الجامعي، إذ أنشأت مدارس خاصة تحت إشراف إدارة المشروعات بوزارة التربية والتعليم.

وشكك الخبير -الذي يعمل بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي- في جودة التعليم غير الحكومي، مستدلا بالتصنيفات الدولية، إذ يتراجع ترتيب الجامعات الخاصة والأهلية مقابل تقدم الجامعات الحكومية.

وأدرج تصنيف شنغهاي الدولي، الشهر الجاري، 8 جامعات حكومية مصرية ضمن أفضل ألف جامعة في العالم لعام 2024، ولم تدخل أي جامعة خاصة أو أهلية ضمن التصنيف.

وتضمن تصنيف “كيو إس” 15 جامعة مصرية، من بينهم 5 جامعات خاصة وأفرع لجامعات دولية، ضمن أفضل 1400 جامعة لعام 2024.

وحذر فتح الله من تنامي أمراض مجتمعية بسبب ما سماها “الطبقية التعليمية”، مثل الحقد الطبقي وفقدان الهوية، إلا أنه رأى فائدة لهذا النوع من التعليم إذ يستوعب أعدادًا كبيرة من الطلاب في ظل عجز الحكومة عن إنشاء جامعات مجانية تسع كل خريجي الثانوية العامة.

الأفضلية للوافد

ولا يقتصر انخفاض درجات القبول بالكليات على الجامعات الأهلية والخاصة، بل تدخل في مضمار المنافسة الكليات الحكومية، ولكن تلك المرة لجذب الطلاب غير المصريين.

وتتيح الجامعات المصرية الحكومية للطلاب الأجانب فرص الالتحاق بها بتنسيق منخفض جدًا مقارنة بنظيره المحدد لأبناء الوطن نظير مبالغ مالية تتراوح بين 2500 و6 آلاف دولار.

وقبل 5 أعوام، أعلنت وزارة التعليم العالي التوجه نحو استقبال مزيد من الطلاب الأجانب بالجامعات المصرية في إطار مباردة “ادرس في مصر” ورفعت نسبة الوافدين من 5% من إجمالي عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات لتصبح 25%.

على إثر ذلك، تضم قاعات الدراسة بكليات الطب الحكومية طلابا مصريين حاصلين على مجموع لا يقل عن 93% بالثانوية العامة وطلابا وافدين حاصلين على مجموع لا يزيد على 75%.

صورة1 تنامي أعداد الجامعات بمصر بنسبة 122%- جامعة القاهرة-تصوير المراسل
أعداد الجامعات بمصر نمت بنسبة 122% (الجزيرة)

ويبدو التناقض واضحًا في الأرقام المعلنة حول أعداد الطلاب الوافدين بمصر، فبينما أعلن وزير التعليم العالي السابق خالد عبد الغفار، قبل عامين، عن 100 ألف طالب بالجامعات المصرية يدفعون رسوما مقدرة بـ480 مليون دولار، قال وزير التعليم الحالي أيمن عاشور إن عدد الطلاب الوافدين لا يتجاوز 26 ألف طالب خلال العالم الدراسي الماضي.

انعدام تكافؤ الفرص

واعتبر الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية كمال مغيث منح الطالب الأجنبي الأفضلية للالتحاق بالجامعات الحكومية على حساب الطالب المصري انتهاكًا لمبدأ تكافؤ الفرص الذي من المفترض أن يبنى عليه أي مشروع تعليمي وطني.

وبيّن للجزيرة نت أن الحكومة وجدت في الطلاب الأجانب حلا لمواجهة الصعوبات المالية التي تعاني منها الجامعات الحكومية، إذ يدفعون مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة نظير الخدمة التعليمية من “دون مراعاة كون الوافد يحتل المقعد التعليمي الخاص بالمصري”، حسب قوله.

والمنطق الربحي في التعامل مع الطلاب الأجانب بالجامعات الحكومية تُدار به الجامعات الخاصة، حسب رؤية مغيث، مشيرا إلى أن الجامعات غير الحكومية أخلّت بمبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة التربوية.

ورفض أستاذ أصول التربية إطلاق اسم “الجامعات الأهلية” على الكيانات التعليمية التي تم تأسيسها مؤخرا، قائلًا إن “أول جامعة مصرية أنشئت عام 1908 كانت جامعة أهلية وتبرع لتشييدها رموز بالحركة الوطنية ووجهاء وأمراء، أما ما تم تأسيسه مؤخرا، فعبارة عن كيانات هادفة للربح فقط وليست أهلية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button