اقتصاد

ماذا يمكن أن نتعلمه عن الاقتصاد من تايلور سويفت وفرقة أواسيس؟

الكاتب محرر مساهم في فاينانشال تايمز وهو الرئيس التنفيذي للجمعية الملكية للفنون وكبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا

شهد هذا الصيف حدثين موسيقيين كبيرين: جولة تايلور سويفت التي امتدت عبر خمس قارات، والإعلان عن جولة لم شمل فرقة أواسيس في المملكة المتحدة العام المقبل، وبالنسبة لمعظم عشاق الموسيقى تجاوزت تجربة الجولة الأولى أقصى أحلامهم جموحاً، فقد جعل الإعلان عن جولة فرقة أواسيس الكثيرين ينظرون إلى الوراء بغضب. وعموماً، تفتح كلتا الجولتين نافذة رائعة على الاقتصادات في العصر الحديث. إن مساهمة الموسيقى في الاقتصاد العالمي تبدو باهتة إلى حد ما. فحتى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أكبر دولتين مصدرتين للموسيقى في العالم، فإن حصتها من الدخل القومي أقل من 1% لكن الأرقام الإجمالية تخفي تحولات حادة في تكوين مساهمة الموسيقى.

فقبل جيل من الآن، كانت مبيعات الألبومات تستحوذ على حصة الأسد من مساهمة الموسيقى، وكانت الجولات مجرد وسيلة لتسويق عمل الفنان. أما اليوم فقد أصبحت الجولات هي الحدث الرئيسي، حيث تشكل حوالي ثلاثة أرباع مساهمة الموسيقى في الناتج المحلي الإجمالي ومعظم دخل الفنانين. وتدر الجولات الآن أموالاً أكثر من مبيعات الألبومات والتنزيلات، حيث عزز الإعلان عن جولة فرقة «أواسيس» إعادة إطلاق ألبوم Definitely Maybe لعام 1994 وزيادة في البث والتنزيلات.

وقد تنبأ بهذا التحول (من المنتج نفسه إلى العروض والأداء)، قبل أكثر من عشرين عاماً ديفيد بوي صاحب النظريات الاقتصادية غير المشهور على نطاق واسع. لذلك، جاءت إشارة عالم الاقتصاد الراحل آلان كروجر من جامعة برينستون إلى «نظرية بوي» في كتابه «اقتصادات الروك». وقد نمت قوة هذه النظرية إلى الحد الذي أصبح فيه تأثير «جولة إيراس» لتايلور سويفت واضحاً على الناتج المحلي الإجمالي في عدد من البلدان الأصغر التي قامت سويفت بجولة فيها هذا العام، بما في ذلك سنغافورة والسويد.

وقد ساهم التحرك نحو الأصول غير الملموسة في اختلال التوازن في الدخل بشكل أسرع من الصوت، مما يصب في صالح مجموعة متزايدة التركيز من «النجوم الخارقين» مثل سويفت وفرقة جالاجر. وظهور صناعة موسيقى غير ملموسة وغير متكافئة بشكل متزايد ينبئ باتجاهات متطابقة في الاقتصاد الأوسع.

وتأثير بوي بات الآن أحد أكثر القوى الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن الموسيقية، تأثيراً على هذا الكوكب. وكانت عملية بيع التذاكر للجولتين مصدراً لنزاع كبير، حيث تم رفض آلاف من مشجعي فريق أواسيس أو طردهم أمام شباك التذاكر عبر الإنترنت. ومن الغريب أن نخطئ في هذا النظام إلى هذا الحد. رغم أننا لدينا سنين طويلة من الخبرة في مزادات التذاكر.

كما أن تصميمها الأمثل تمت دراسته على نطاق واسع من جانب مجموعة لامعة من الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد، مثل ويليام فيكري وبول ميلجروم. إن أفضل تصميم للمزاد يعتمد عادة على كيفية التوفيق بين اعتبارات الكفاءة والإنصاف. وبشكل عام، تميل أسعار التذاكر الديناميكية إلى تحقيق أداء جيد في المعيار الأول، ولكنها ضعيفة في المعيار الثاني. وما يعيب مزاد «فرقة أواسيس» بوضوح هو أنه لم يكن فعالاً ولا عادلاً. ويبدو أن فريق إدارة الفرقة فشل في التعرف على عمل ويليام فيكري وبول ميلجروم.

كما أنهم لم يدرسوا خطة اللعبة التي وضعتها تايلور سويفت، التي يمكن أن يتم اعتبارها منظرة في مجال مزادات التذاكر. فقد استخدمت خطتها الرئيسية لبيع التذاكر مبادئ مبتكرة مثل آليات للتحقق من المعجبين، وتذاكر للولاء ومبيعات تدريجية – وكلها وسائل تقلل من خطر المضاربة. وهذا «البيع البطيء للتذاكر» يعني أن استخدام سويفت للتسعير الديناميكي المرن والمتحرك يلقي بظلال أقل على قاعدة المعجبين بها.

هناك طريقة أخيرة تساهم بها الموسيقى في صياغة الاقتصاد، وذلك من خلال تأثيرها على مزاجنا، إذ لا يجيد خبراء الاقتصاد التعامل مع المشاعر، وغالباً ما يختبئون وراء الخيال المريح للسلوك العقلاني. لكن الكلمات والموسيقى والقصص لعبت دائماً دوراً في تشكيل حياة الإنسان. وفي الآونة الأخيرة، استيقظت أعمال الحائزين على جائزة نوبل جورج أكرلوف وروبرت شيلر حول «الاقتصاد السردي» الذي يدرس كيفية تأثير الروايات والحكايات التي ينقلها الناس بعضهم للبعض على سلوك الإنسان بطرق غيرت مسار الأحداث الاقتصادية، على هذه الحقيقة.

وتظهر أبحاث أكرلوف وشيلر أنه، خصوصاً في أوقات عدم اليقين ونقاط التحول الاقتصادية، يمكن تفسير قدر كبير من التباين في النشاط الاقتصادي استناداً للمشاعر وليس الأساسيات. فالقصص والحكايات تساهم في صياغة شكل الإنفاق. ويمكن أن تكون درجة التفاؤل أو التشاؤم المعبر عنها في الكلمات المستخدمة في الأغاني والكتب مؤشراً جيداً للنشاط الاقتصادي. لذا، ينظر إلى الموسيقى على أنها مرآة للإنفاق كما للأرواح.

وللمزيد من الأدلة، يكفي ألا تنظر إلى أبعد من التجارب المتناقضة لحكومتي حزب العمال الأخيرتين. فقد اكتسح توني بلير السلطة في عام 1997 على أنغام أغنية «الأمور لا يمكن إلا أن تتحسن» التي قدمتها فرقة «دي: ريم». وكانت إحدى اللحظات المميزة لرئيس الوزراء في وقت مبكر هي الترحيب بالأخ الأكبر بفرقة جالاجر في داونينج ستريت. وقد ساعد هذا في تشكيل سردية وطنية. وكانت بريطانيا حينها رائعة كما ازدهر النمو.

ولكن خلال الصيف الجاري، رفضت فرقة «دي: ريم» منح الإذن لأي حزب سياسي باستخدام أغنيتها خلال الانتخابات في المملكة المتحدة – وكأنها علامة مشؤومة على ما سيأتي. وبعد مقدمة متفائلة، ألقى رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر خطاباً جنائزياً في داونينج ستريت قبل بضعة أسابيع.

وكان من الممكن أن يكون عنوان الخطاب «لا يمكن للأمور إلا أن تسوء قليلاً». وقد قدمت وزيرة المالية صوتاً حزيناً في الخلفية. والآن أصبح المزاج الوطني بارداً بدلاً من أن يكون هادئاً.

وتلاشت أي آمال في سرد قصة متفائلة. لكن مع ذلك، ففي ميزانية الشهر المقبل، هناك فرصة لوزيرة المالية لتغيير النغمة. إذا كان المستثمرون في المملكة المتحدة سيعودون إلى حلبة الرقص، على غرار نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر التي أطلقت العنان لنفسها في إيبيزا أو حركات الرقص التي تقوم بها المرشحة الرئاسية كامالا هاريس، فإن الكلمات المتفائلة والألحان الأكثر جاذبية ضرورية. فهذا من شأنه أن يرفع الروح المعنوية ويزيد الإنفاق. لذلك، يقول البعض: إن الساسة، مثل خبراء الاقتصاد، ما زال أمامهم الكثير ليتعلموه عن إيقاع الاقتصادات الحديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى