تلاعب بجداول موازنة العراق.. 3 نسخ مختلفة والبرلمان يكشف الخفايا
بغداد– أثارت قضية التلاعب بجداول الموازنة لغطا في الشارع العراقي، بعد إضافة تريليونات الدنانير بجداول الموازنة بشكل دراماتيكي والتساؤلات بشأن حدوث تزوير أو تلاعب فيها بين مجلس النواب العراقي، ورئاسة الوزراء.
كان مكتب رئيس مجلس الوزراء قد أرسل كتابا إلى مجلس النواب للاستفهام بشأن التلاعب الحاصل في جداول الموازنة، وأشار إلى وجود 3 نسخ من الموازنة، في حين قررت اللجنة المالية البرلمانية تشكيل لجنة تحقيق بهذا الموضوع، ثم تلاه بقرار آخر من رئيس البرلمان بالنيابة محسن المندلاوي تضمن إلغاء لجنة التحقيق.
وأكد المندلاوي في بيان صحفي صدر عن مكتبه، خلال الشهر الحالي، أن جداول قانون الموازنة التي اعتمدت من قبل مجلس النواب في جلسة إقرارها، هي ذاتها التي أرسلها مجلس الوزراء لمجلس النواب من دون أيّ تعديل، مشيرا إلى أن رئاسة المجلس شكلت لجنة عليا للتدقيق في ملابسات الأمر.
وأشار الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل المرسومي في منشور على صفحته بموقع فيسبوك إلى أن رئاسة الجمهورية لم تصادق على جداول موازنة 2024 ولم تنشر بعد في صحيفة الوقائع العراقية على الرغم من تصويت البرلمان عليها منذ نحو شهرين، مؤكدا إضافة 15 تريليون دينار (11.45 مليار دولار) إليها.
وكشف المهندس علي جبار عن وجود 3 نسخ من جداول الموازنة، متسائلا “هل هو خطأ مطبعي أم تزوير؟”.
وطالبت عضوة مجلس النواب العراقي سروة عبد الواحد في تدوينة على منصة “إكس” بتشكيل لجنة نيابية تعرض نتائجها على مجلس النواب لمعرفة الحقائق، متسائلة عما إذا كان كتاب مجلس الوزراء دقيقا؟
بعد الحديث عن الفرق في جداول الموازنة والذي يصل إلى ٨ ترليونات، صار لزاماً على رئاسة المجلس الرد على كتاب مجلس الوزراء الذي تم إرساله في الأول من تموز الماضي، وعلى أثره أوعز رئيس اللجنة المالية بتشكيل لجنة لمعرفة الحقائق.
يبدو أكو تغليس على الموضوع، لذا نطالب بتشكيل لجنة نيابية…— Srwa Abdulwahid. سروه عبدالواحد (@srwa_qadir) August 21, 2024
البرلمان يكشف الحقيقة
ويقول عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي معين الكاظمي إن ثمة عدة تفسيرات لما حصل، فقد تكون بعض الأطراف تلاعبت بالجداول في رغبة منها لتمريرها بهذا الشكل لتحقيق مكاسب.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الأمر قد يكون عفويا من خلال إدخال جداول مقترحة ولم يتم التصويت عليها، وحصل خطأ من موظف معين بالبرلمان بإرسال هذه الجداول سهوا.
وتابع الكاظمي “الحكومة أرسلت جداول الموازنة بمبلغ 211 تريليون دينار (161.11 مليار دولار) وهو ما تم إقراره.. وقد باشرت فعليا إجراء التخصيصات للمشاريع والمحافظات، وإن كانت متأخرة لأشهر لكنها ملتزمة بالموازنة وقد دخلت حيز التنفيذ ولا توجد أي مشاكل لدى وزارتي المالية والتخطيط في تطبيق موادها طالما صوت عليها مجلس النواب”.
وأضاف الكاظمي أن “قانون الموازنة تم المصادقة عليه منذ عام 2023 من قبل رئاسة الجمهورية على اعتبار أنها موازنة ثلاثية (3 أعوام) أما ما صدر اليوم بخصوص الجداول فهو قرار لا يحتاج مصادقة رئاسة الجمهورية وهي نافذة وملزمة التطبيق”، لافتا إلى أن “البرلمان صوّت على جداول الموازنة في الثالث من يونيو/حزيران الماضي من دون تغيير عليها وأرسل كتابا إلى رئاسة الوزراء بموافقة البرلمان على الجداول”.
وتابع “مجلس النواب أرسل جداول إضافية مع الجداول الأصلية تضمنت بعض التغيير في أبواب ومواد مهمة بمجموع زيادة 15 تريليون دينار (11.45 مليار دولار) بالأرقام لتصل من 211 تريليون دينار (161.11 مليار دولار)- 226 تريليون دينار (175.56 مليار دولار)”، مستدركا بالقول “رئاسة الوزراء اعترضت على الجداول التي تم فيها تغيير”.
وأكد أن “تلك التغييرات لم تسبب أي تأثير سلبي على الموازنة كون الحكومة التزمت بالجداول التي صادق عليها مجلس النواب لكن المبالغ الإضافية لم تدخل حيز التنفيذ، بالتالي لا تعتبر الجداول جديدة”.
وأضاف أن البرلمان “بصدد التحقيق فيما حصل من زيادة في جداول الموازنة التي صادق عليها مجلس النواب وسنصل إلى الحقيقة”.
وأوضح أن “رئيس اللجنة المالية النيابية عطوان العطواني -وبعد اعتراض مجلس الوزراء بكتاب رسمي- عمل على تشكيل لجنة تحقق في أسباب تغيير الجداول، لكن رئاسة البرلمان اعترضت على اعتبار أن تشكيل اللجان من صلاحية رئاسة المجلس، وتم الرد من رئيس اللجنة بأن هذا الأمر من صلاحيات اللجنة في التحقق عما جرى من تغيير بالجداول”.
وشدد على أن “ما حصل لم يتسبب بضرر مالي، خصوصا أن رئاسة البرلمان عملت على تشكيل لجنة تحقيق برئاسة شاخوان عبد الله نائب رئيس البرلمان ومعه أعضاء آخرون للتحقيق فيما حصل وسنصل إلى نتيجة واضحة للمحافظة على قرارات مجلس النواب من التحريف والتغيير”.
وبشأن عجز الموازنة، أوضح الكاظمي أن “الإيرادات النفطية البالغة 120 تريليون دينار (91.38 مليار دولار) وغير النفطية بمبلغ 27 تريليون (20.61 مليار دولار) والتي نعتقد أنها لن تتحقق، بالتالي فإنه بأفضل الظروف فإن الإيرادات لن تتجاوز الـ150 تريليون دينار (114.53 مليار دولار) مما يعني أن العجز سيكون كبيرا جدا، وهنالك العديد من المشاريع لن يتم تمويلها”.
وشدد على أن “رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية مؤمنة بشكل كامل بمجموع 90 تريليون دينار (68.72 مليار دولار) إضافة إلى تخصيصات الكهرباء والتربية والصحة وهي قطاعات لها أولوية أيضا”.
وشدد على “ضرورة العمل بجدية لتجاوز العجز، وأن يتم رفع الإيرادات غير النفطية لضمان عدم حصول عجز كبير بالموازنة”.
سيناريوهات الحل
يقول الخبير القانوني، نكتل عبد الحسن الكعبي، إن ثمة جملة من الإجراءات لمعالجة قضية الفروقات بجداول الموازنة تعتمد على طبيعة الشكوك والأدلة المتاحة”، مشيرا إلى أهمية “وجود تنسيق بين الجهات المعنية لضمان عدم حصول تجاوزات أو مخالفات قانونية أو إدارية أو مالية”.
وقال الكعبي للجزيرة نت إنه “بحال وجود شكوك بشأن إدراج مبالغ إضافية في جداول الموازنة المرسلة من البرلمان إلى رئاسة الجمهورية أو الحكومة فإن الأمر يتم التعامل معه بحسب خطورة هذه الشبهات وطبيعة الإضافات”.
وأوضح أن “الرئاسات المعنية بإمكانها طلب لجنة مختصة لتدقيق الجداول للتحقق من صحة الأرقام والمبالغ المذكورة وهو إجراء تفرضه طبيعة الشفافية والقوانين المعنية بمعالجة هكذا حالات”.
ولفت إلى أن “خيار إعادة الطباعة والتصحيح لتلك الجداول بحال اعتباره خطأ إداريا بسيطا خلال الطباعة هو أمر ممكن من دون الحاجة لإعادة التصويت عليها داخل البرلمان”.
وأضاف “خيار إعادة التصويت على الجداول داخل قبة البرلمان هو خيار من الممكن أيضا الذهاب إليه بحال كانت المبالغ كبيرة جدا وتمثل تغييرا جوهريا في تلك الجداول لضمان الشفافية والمصداقية”.
وشدد على أن “القوانين النافذة الحاكمة لهذه المواضيع هي قانونا الموازنة والإدارية والمالية وهما يحددان متطلبات التصويت على مشروع الموازنة”.
وتابع “تدخل القضاء وهيئة النزاهة ممكن أيضا بحال كانت هناك شبهات فساد وتلاعب كبير ومتعمد بتلك الجداول استنادا لقانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 30 لسنة 2011 الذي يمنح صلاحية التحقيق في قضايا الفساد”.
بانتظار حسم الموازنة
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي صفوان قصي أن “اللجنة المالية النيابية تتحرى أسباب تباين الجداول المستلمة من الحكومة والمصادق عليها من البرلمان، مبينا أن عملية التحقيق بحاجة إلى بعض الوقت لمعرفة ما جرى فعليا”.
وقال قصي للجزيرة نت إن “مستوى الإنفاق العام حاليا ما زال دون مستوى المرصود بالموازنة.. من المفترض أن يتم إنفاق 15 تريليون دينار (11.45 مليار دولار) شهريا لكن فعليا لا يمتلك العراق مثل هكذا إيرادات نفطية وغير نفطية، مما تسبب في التأثير المباشر على الموازنة الاستثمارية سواء تم المصادقة عليها أم لا”.
وأضاف قصي أن الموازنة التشغيلية تحكمها تعويضات رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية والبطاقة التموينية، لكن التباطؤ “نراه بالموازنة الاستثمارية خصوصا أن مستوى مبيعات البنك المركزي لا يزال دون الـ300 مليون دولار يوميا بمعدل 7 إلى 8 مليارات دولار شهريا وهي لا تغطي النفقات المرصودة بالموازنة”، على حد قوله.
وتابع “وزارة المالية ما زالت تسعى جاهدة التنسيق بين التخصيصات المرصودة بالموازنة وما هو متوفر فعليا والأولوية للمشاريع الخدمية وخصوصا المستكملة بنسب تفوق 80%”.