الليرة السورية تواصل الصعود وخبراء يركزون على ضرورة استقرارها
ينتشر الصرافون في شوارع دمشق بصورة علنية بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يحظر التعامل بغير الليرة السورية إلا عبر القنوات الرسمية في البنوك أو الصرافات ووفقا لسعر رسمي لا يعكس وضع الاقتصاد السوري، مما دفع السوريين إلى السوق الموازية أو السوق السوداء.
ويتراوح سعر صرف الدولار اليوم بين 8 و9 آلاف ليرة وفق السعر الذي يتعامل به الصرافون الجوالة في الشوارع، كما وضعت بعض المحال التجارية إعلانات تُشهر استعدادها لاستبدال العملة، وقد تفاوت السعر بين منطقة وأخرى من دون أن يتجاوز 10 آلاف ليرة للدولار.
ووجدت الجزيرة نت من خلال جولة في الشوارع الأيام الماضية أن شركات الصرافة لا تعمل لعدم وجود نشرة رسمية، لكن اليوم أصدر المصرف المركزي نشرة بسعر الليرة أمام العملات العربية والأجنبية، في حين تعللت شركات صرافة بإجراء صيانة لتبرير الإغلاق، وانتظر كثير من المواطنين أمام إحدى شركات الصرافة التي تسلّم الحوالات في شارع 29 أيار بانتظار توفر السيولة، من دون توضيح السعر الذي سيتم التعامل به.
مؤشرات اقتصادية
وأكد مدير مديرية العمليات المصرفية في مصرف سوريا المركزي الدكتور فؤاد علي للجزيرة نت أن سعر الصرف مؤشر يتأثر بكامل المؤشرات الاقتصادية الأخرى، ويحدد قوة الاقتصاد والصادرات وقوة الإنتاج ومدى الاعتماد على الصادرات.
وأضاف علي أنه قبل سقوط نظام بشار الأسد كانت الليرة مستقرة بين 15 و16 ألفا للدولار الواحد، وعندما سيطر الثوار على حلب وكان ثمة خوف من الناس ارتفع سعر الصرف إلى 45 ألف ليرة للدولار.
وأشار إلى أنه مع سيطرة الثوار على بقية المدن السورية وبدء المرحلة الجديدة ثمة تفاؤل برفع العقوبات عن سوريا وزيادة المساعدات الدولية، مما رفع قيمة الليرة.
وعبّر المسؤول في المصرف المركزي عن أمله في أن يتحول العامل النفسي والتوقع إلى واقع مع رفع العقوبات، وعودة أموال السوريين المحتجزة في الخارج، وزيادة الإنتاج والتصدير، وإلغاء القيود على سعر الصرف المتمثل في منصة التمويل.
وأشار الدكتور فؤاد علي إلى أن ما يهم المؤسسة النقدية الرئيسية في سوريا هو استقرار الصرف أكثر من الانخفاض، فالاستقرار يشجع بيئة العمل والمنتجين والمصدرين، كما يشجع المواطنين على التداول والادخار بالليرة السورية.
حدثان
بدوره، يقول الباحث في الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية محمد شعباني إن الليرة السورية تعرضت خلال الأسبوعين الماضيين لحدثين مفاجئين أديا إلى تقلبات شديدة في سعر صرفها مقابل الدولار:
الأول: إعلان دخول إدارة العمليات العسكرية مدينة حلب في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مما تسبب بحالة صدمة في الأسواق السورية مع مفاجأة الحدث، ومكانة مدينة حلب الاقتصادية والمخاوف من إبطال العمل بالليرة السورية أو/ واستبدالها بالليرة التركية على غرار ما حدث في مناطق شمال وشمال غربي سوريا التي تتقاسم السيطرة عليها الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ.
وأضاف الشعباني في تعليق للجزيرة نت أن هذا دفع السوريين في حلب إلى تحويل مدخراتهم بالليرة السورية إلى الدولار أو الليرة التركية، مشيرا إلى أن المخاوف اتسعت مع تمدد سيطرة إدارة العمليات العسكرية في سوريا.
أما الحدث الثاني فتمثل في الإعلان رسميا عن سقوط النظام وفرار رئيسه بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وسبقه إعلان الإدارة الجديدة في حلب ومختلف المناطق التي سيطرت عليها أن العملة السورية ستبقى صالحة للتداول، كما ترافق مع دخول آلاف المسلحين المنضمين إلى الفصائل غرفة العمليات، وعودة عشرات الآلاف من المهجّرين في الشمال السوري إلى مدنهم وقراهم التي هجّروا منها، والذين بدؤوا بالاستعاضة عن الليرة التركية والدولار الأميركي اللذين بحوزتهم بالليرة السورية لشراء حاجياتهم.
وأوضح الشعباني أن هذا يضاف إلى تحرر القطاع المصرفي والنقدي في سوريا من القيود الشديدة التي كان يفرضها نظام الأسد لمنع التداول بالعملات الأجنبية ومنع استلام الحوالات المالية بغير الليرة السورية، فضلا عن حالة الارتياح مع نجاح إدارة العملية العسكرية في ضبط سلوك عناصرها وفي إدارة عملية دخولها إلى المناطق التي كان سكانها يتخوفون من انتهاكات بحقهم أو عمليات انتقامية.
وأكد أن هذه الظروف أدت إلى تعويض الليرة السورية تقريبا كل خسائرها في الأسبوعين الماضيين، مرجحا أن تحقق بعض المكاسب خلال الفترة المنظورة، وسط دخول كميات كبيرة من النقد الأجنبي مع التدفق المستمر واليومي لآلاف المهجّرين إلى بلدهم.
الإدارة النقدية
لكن الشعباني أشار إلى أن تحسّن سعر صرف الليرة السورية واستقراره على المدى المتوسط قبل الدخول في مرحلة إعادة الاعمار مرهون بحسن الإدارة النقدية والمصرفية للحكومة السورية المؤقتة والحكومات التي ستليها.
وأشار إلى أن استمرار سياسة الأبواب المفتوحة مع تركيا من دون قيود جمركية -والتي جعلت البضائع التركية والمعاد تصديرها تتدفق إلى كامل الأسواق السورية تقريبا- من شأنه أن يتسبب في تراجع الليرة السورية وعدم استقرارها، ولا سيما أن الصادرات السورية وحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلد في أسوأ حالاتها منذ عقود، بالإضافة إلى الأموال والأصول التي نهبها النظام المخلوع قبل فرار قيادته العليا من البلد، والتي يبدو أنه من الصعب تقدير حجمها في الوقت الحالي، وفق قوله.
وعلمت الجزيرة نت من مصدر خاص أن البنوك الخاصة اكتفت اليوم بعمليات الإيداع خلال ساعات العمل بهدف تجميد حسابات مرتبطة بالفساد، وعلى رأسها الأمانة السورية للتنمية المرتبطة بأسماء الأسد زوجة الرئيس المخلوع.