البحث عن علاج للسرطان مستمر رغم إنفاق تريليون دولار في عقد
خلال السنوات الأخيرة بدأ يظهر على السطح أمام الأشخاص المصابين بأشكال عدوانية من سرطان الثدي والرئة والبروستات شريان حياة مع ظهور علاجات جديدة في السوق، بما في ذلك «انهيرتو» من شركة استرازينيكا وعقار «كيترودا» من شركة «ميريك» و«بلوفيكتو» من شركة «نوفارتيس»،
لكن لم يظهر سلاح جديد لمحاربة سرطان البنكرياس، الشكل الأكثر فتكاً للمرض، والذي يقتل سبعة من كل ثمانية مرضى في غضون خمس سنوات من التشخيص، والعلاج المتاح الوحيد هو عقار «فولفيرينوكس»، وهو عبارة عن كوكتيل من أربعة أدوية، تمت الموافقة على أحدها لأول مرة في عام 1962.
وحسبما يشير أنيربان مايترا، أخصائي الأورام، الذي يبحث في سرطان البنكرياس في مركز إم دي أندرسون للسرطان في هيوستن بولاية تكساس: «إنه الحلقة الضعيفة في مكافحة السرطان».والنضال من أجل اكتشاف علاجات سريعة لسرطان البنكرياس، إلى جانب أنواع أخرى، بما في ذلك سرطان القولون والدماغ، يأتي على الرغم من أن شركات الأدوية أنفقت ما يقرب من تريليون دولار على مدى العقد الماضي للاستحواذ على مطوري أدوية الأورام، وذلك وفقاً لمؤسسة «إيفاليويت».
إن سبب تجاهل أنواع معينة من السرطان رغم تواصل الابتكار الابتكار وعقد الصفقات يأتي جزئياً نتيجة للبيولوجيا المعقدة، التي تجعلها غير قابلة للعلاج من خلال منتجات تغطي نطاقاً واسعاً مثل عقار «كيترودا»، الذي تمت الموافقة عليه الآن كعلاج لـ 40 شكلاً من أشكال المرض.
لكن المشكلة تأتي أيضاً نتيجة لنطاقات وضع شركات الأدوية والحكومات والجمعيات الخيرية رهاناتها على عمليات البحث والتطوير، فقد ركز ما يقرب من نصف التجارب البالغ عددها 2143 تجربة، التي تم إطلاقها العام الماضي على سرطان الثدي والرئة والدم، بينما كان أقل من 8 في المائة يستهدف علاجات سرطان البنكرياس، وفقاً لمزودة البيانات «إيكفيا».
وهكذا استفادت أبحاث سرطان البنكرياس من 317 دولاراً فقط من التمويل العام والخيري لكل حالة وفاة على مستوى العالم بين عامي 2016 و2020، مقارنة بنحو 3600 دولار من أموال المنح لكل حالة وفاة لسرطان الثدي، وفقاً لدراسة نشرتها مجلة لانسيت العام الماضي.
إن تمويل المنح يعد ضئيلاً للغاية مقارنة بالإنفاق على البحث والتطوير من قبل شركات الأدوية، ولكنه حيوي لمزيد من الأبحاث التجريبية، وقد بلغ إجمالي تمويل المنح العالمية للسرطان 13 مليار دولار في عام 2019 مقابل 83 مليار دولار، أنفقتها شركات الأدوية الأمريكية على الأبحاث، والتي كان من الممكن أن تمول نسبة كبيرة منها تجارب الأورام، وفقاً لمكتب الميزانية بالكونجرس.
وقالت جولي فليشمان، الرئيسة التنفيذية لشبكة عمل سرطان البنكرياس: «لا يوجد لسرطان البنكرياس مناصرون للمرضى لأنهم جميعاً يموتون». وأضافت أن تطوير الأدوية في هذا المجال تميز بـ«تاريخ طويل من الإخفاقات»، حيث أنفقت الشركات غالباً مئات الملايين من الدولارات فقط لعلاج يفشل في التجارب السريرية.
وقال تشارلي فوكس، رئيس قسم الأورام في شركة روش والشركة التابعة لها جينينتك: «من وجهة نظر تجارية هناك مسار أسهل للمضي قدماً عندما يكون نوع السرطان منتشراً للغاية مثل سرطان الثدي».وتفسر ندرة العلاجات الجديدة لبعض أشكال المرض الحماس الكبير المستثمرين تجاه شركة
«ريفيلوشن ميديسينز»، فقد ارتفعت القيمة السوقية لمجموعة التكنولوجيا الحيوية بنحو 50% إلى أكثر من 7 مليارات دولار هذا العام، بعد أن أصدرت بيانات في مرحلة مبكرة تظهر أن العلاج المناعي الجديد، الذي تنتجه أوقف نمو الورم في النوع الأكثر شيوعاً من سرطان البنكرياس.
وتعد كلير مايرسون، مديرة تكنولوجيا المعلومات السابقة البالغة من العمر 54 عاماً والتي تعيش في أوكسفوردشاير، من بين أولئك الذين استفادوا من تركيز صناعة الأدوية على أنواع السرطان المنتشرة.
وتتلقى مايرسون العلاج من سرطان الثدي المتقدم النقيلي منذ أواخر عام 2015، وفي حين لم يكن لعقار بيرجيتا من شركة روش تأثير أولي كبير، فقد ساعد دواء «كادسيلا» وهو علاج آخر من الشركة، في كبح نمو الورم لديها لمدة ثماني سنوات.
ويُظهر التقدم في هذا المجال كيف يمكن للعلم أن يقلب الاحتمالات في رعاية مرضى السرطان، ويعتبر عقار «إهيرتو» الذي طورته شركة «أسترازينيكا» والمجموعة اليابانية «دايتشي سانكي» أكثر الأدوية المضادة نجاحاً في تعزيز معدلات البقاء على قيد الحياة بشكل جذري، من خلال استهداف البروتين.
تم اعتماد العقارين الرئيسيين المتاحين لعلاج مرضى سرطان القولون منذ أكثر من عقدين من الزمان، ولكن هناك الآن علاجات جديدة تلوح في الأفق، إذ تتعاون شركتا بيونتيك وجينينتيك في مجال تطوير لقاح لسرطان القولون والمستقيم، يهدف إلى وقف نمو الورم بعد الجراحة، وذلك بعد تحقيق نتائج واعدة في تجربة صغيرة في مرحلة مبكرة، كما تعمل الشركتان على تطوير لقاح لسرطان البنكرياس، وهو أيضاً في مرحلة مبكرة من التطوير السريري.
وقال تشارلي فوكس من جينينتيك: إن الشركتين كانتا تهدفان إلى أكثر من مجرد «فوائد تدريجية صغيرة»، مشددا على أن لقاح سرطان البنكرياس «يعد تقدماً كبيراً في مرض صعب للغاية.. ولا نعتقد أنه مهم من حيث الصحة العالمية فحسب، بل نرى أنه سيكون له في الواقع فرص عملية واعدة».
كذلك حصلت شركة بريستول مايرز سكويب هذا العام على موافقة سريعة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على عقار جديد للعلاج المناعي يستهدف نفس الطفرة الجينية مثل عقار «ريفيلوشن ميدسينز» الرائد، كعلاج من الخط الثاني لعلاج مجموعة فرعية صغيرة من حالات سرطان القولون والمستقيم.
وقال جولدسميث من شركة «ريفليلوشن ميديسينز» إن سرطان البنكرياس كان «أرضاً قاحلة» للعلاجات الجديدة، لأنه ليس نوعاً من أنواع السرطان المستجيب للمناعة، ما يعني أنه لم يستجب أبداً لفئة من أدوية العلاج المناعي المعروفة باسم مثبطات نقاط التفتيش التي أعادت تعريف أجزاء كبيرة من رعاية السرطان.
ويمكن لهذه الأدوية الجديدة تحويل سرطان البنكرياس إلى «ورم أكثر سخونة»، وأكثر استجابة للمناعة من خلال تنشيط ما يعرف بجين «كراس»، مما يفتح الباب أمام إمكانية الاستجابة لمثبطات نقاط التفتيش مثل دواء «كيترودا»، الذي يحقق مبيعات ضخمة تبلغ نحو 25 مليار دولار سنوياً.
وفي حين أنه تمت الموافقة على اختبار الدم لسرطان البروستاتا في الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود فلم تتم الموافقة على اختبار مماثل، يُعرف باسم خزعة السائل، لسرطان القولون إلا في الشهر الماضي، لكن لا يزال مثل هذا الاختبار لسرطان البنكرياس بعيداً.
وقال حلمي الطوخي، الرئيس التنفيذي لشركة «جاردانت هيلث» التي تقف وراء اختبار الدم الجديد لسرطان القولون، والذي يعرف باسم «شيلد»: «إن الخزعات السائلة تقدم وعداً «بإزالة الكثير من التفاوت الصحي» الموجود حول إجراء اختبار السرطان».
ويفوت حوالي 30 في المائة من البالغين المؤهلين، الذين تبلغ أعمارهم 45 عاماً أو أكثر في الولايات فحص تنظير القولون، والذي يتطلب من المرضى تجنب الطعام لمدة 24 ساعة قبل الإجراء والتخدير. لذلك فإن الإقبال منخفض بشكل خاص بين الفئات العمرية الأصغر سناً.
وقال الطوخي: «إن توسيع اختبارات الدم للتحقق من وجود أنواع متعددة من السرطان يمثل مفتاحاً مهماً لفحص سرطان البنكرياس. وفقط سرطانات الثدي والبروستات والقولون والرئة لديها برامج فحص واسعة النطاق في الولايات المتحدة».