استياء عام بعد إصدار دمشق النشرة الجمركية الموحدة
دمشق- أصدرت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في حكومة تصريف الأعمال السورية، أمس الأول السبت، نشرة الرسوم الجمركية الموحدة التي سيتم تطبيقها على جميع الأمانات الجمركية في البلاد.
وشملت النشرة رسوما على المواد الغذائية المستوردة كالدقيق والزيوت بأنواعها، والمعلبات الغذائية والذبائح، وبعض أنواع الخضار والفواكه، إلى جانب المحروقات، والمواد الأولية اللازمة للبناء كالإسمنت والآجر والأخشاب، بالإضافة للهواتف المحمولة وغيرها من السلع المستوردة.
ودعا عدد من التجار والصناعيين في مناطق متفرقة من البلاد، عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى إضراب عام عقب إصدار النشرة الجمركية، التي بحسب التجار والصناعيين سترفع من أسعار أغلب المواد المستوردة من الخارج، بما في ذلك المواد الأولية اللازمة للصناعة، مما سيزيد من كلف الإنتاج، وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار معظم السلع في الأسواق في حين يعاني المواطنون من ضعف كبير في القدرة الشرائية.
وقال مصدر في وزارة الاقتصاد، للجزيرة نت إن “الجهات المسؤولة فتحت الباب أمام الصناعيين والتجار لإبداء اعتراضاتهم حول البنود الواردة في النشرة لمناقشتها وإعادة دراستها وربما التعديل عليها”.
دعم للقطاعات
ومن جهته، قال مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش، في تصريح للوكالة السورية للأنباء “سانا” السبت، إن النشرة الجديدة تراعي حماية المنتج المحلي من خلال تشجيع الصناعيين عبر تخفيض الرسوم على المواد الأولية، وعبر تطبيقها الرزنامة الزراعية المعنية بدعم القطاع الزراعي.
وأضاف علوش أن النشرة تهدف إلى دعم القطاع الصناعي، وجذب الاستثمار، عبر تقديم إعفاءات للمستثمرين وأصحاب المعامل الذين غادروا البلاد بسبب ظروف الحرب لكي يعودوا باستثماراتهم إلى البلاد، أو يدخلوا معامل جديدة متكاملة.
وأشار إلى أن النشرة قد خفّضت الرسوم التي كان معمولا بها في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بنسبة 50% إلى 60%، مما سينعكس على المواطنين بشكل مباشر في عموم الجغرافيا السورية بتعزيز قدرتهم الشرائية وتأمين احتياجاتهم بأسعار معقولة.
وأكد علوش أن النشرة هي خطوة أولى ضمن سلسلة إجراءات تهدف إلى رفع مستوى معيشة المواطن، ودعم القطاعين الصناعي والزراعي، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
استياء ومطالبات
وعبر سوريون، عبر منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم من المواد التي شملتها الرسوم الجمركية، بينما طالب تجار وصناعيون حكومة تصريف الأعمال بالتراجع عن فرض رسوم جمركية على المحروقات، وبعض السلع الاستهلاكية والغذائية، ومواد البناء، والمواد الأولية الداخلة في الصناعات.
وكتب عمار إبراهيم على حسابه الشخصي في فيسبوك: “نطالب… بمراجعة النشرة الجمركية، فلا يمكن أن تُفرض جمارك على المواد الغذائية والمواد الأولية للبناء”.
متسائلا: “كيف سيتمكن من فقد بيته أن يرممه أو يصلحه وهو بالأساس يعاني من وضع اقتصادي كارثي” ومنوها إلى أن “الغذاء ومواد البناء خط أحمر” على حد تعبيره.
وقال أبو زيد (52 عاما)، تاجر في سوق الجزماتية في منطقة الميدان بدمشق، للجزيرة نت: “إن أول المتضررين من هذه النشرة هم تجار الشمال السوري، لكننا هنا في دمشق أيضا متضررون بطريقة أو بأخرى، فمثلا قد نلجأ إلى استيراد معظم السلع من الخارج بالقطع الأجنبي في حال زادت تكلفة هذه السلع في سوريا نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية، مما سيزيد من أسعار المنتجات المحلية بشكل عام”.
وأضاف التاجر الدمشقي: “نحن نطالب بتحييد السلع والمواد الأساسية على الأقل من الرسوم الجمركية مراعاة للوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي في البلاد، وعدم قدرة المواطن على تأمين أبسط حاجات العيش”.
ومن جهته، يشير الخبير الاقتصادي يونس أكريم إلى أن التُجار والصناعيين محقين بمطالبهم “فدفع الرسوم بالقطع الأجنبي الآن ممكن ما دام سعر الدولار منخفضا في البنك المركزي، لكن في حال ارتفع سعر الصرف فستكون هذه مشكلة أساسية”.
أما عن واقع الإنتاج المحلي بعد فرض هذه الرسوم، فيقول أكريم في حديث للجزيرة نت: “هناك عدة مواد تدخل في تركيب وإنتاج السلع المحلية، وجمع رسوم هذه المواد سيؤدي إلى رفع سعر المنتج، وبذلك يصبح المواطن غير قادر حتى على شراء المنتج المحلي مع انهيار القدرة الشرائية لراتبه”.
ويرى أكريم أن هذه الرسوم ساوت بين سلع الرفاهية والسلع الأساسية “مما سيشكل ضغطا على الدولار لاستنزافه بسلع الرفاهية، بينما المواطن لا يملك قدرة شرائية لتأمين السلع الأساسية التي ستُعرض بأسعار مرتفعة”.
إضرار بالصناعة الوطنية
وحذر أكريم من أن النشرة الجديدة قد تؤثر بشكل سلبي على الصناعيين وقد تدفعهم لإغلاق مصانعهم ومحالهم لأن “السوق ستشهد منافسة بين المنتج المحلي والمنتج المستورد (الذي سيكون أقل سعرا)، لأن الصناعي سيضطر لاستيراد القطع والمواد الأولية الداخلة في التصنيع دون أي تخفيض في الرسوم، إلى جانب دفعه كلفة المحروقات والمرتبات، مما يعني تحول الصناعي إلى تاجر وارتفاع كلف الإنتاج”.
واعتبر أن الرسوم المركبة المزمعة ستنعكس سلبا على كافة القطاعات الصناعية في سوريا اليوم كالصناعات النسيجية والدوائية والغذائية، إلى جانب بعض الصناعات المرتبطة بمواد البناء ومعداته.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن البنى التحتية الصناعية في سوريا محرومة من الكهرباء، وتعاني صعوبات في استيراد المواد الداخلة في الصناعات، لأن العقوبات تشمل مواد داخلة بإعادة الإعمار وبعدة مجالات أخرى، وهو ما يشكل عبئا على الصناعة وتطويرها.
ويضيف أكريم أن الرسوم الجديدة “لم تميز بين السلع الجاهزة المعدة للاستهلاك، وبين السلع الداخلة بإطار الإنتاج الأولي أو النهائي، وهو ما سيضاعف الضغط على القطاع الصناعي، ويمنع عودة الصناعيين لتوطين صناعاتهم في سوريا، لأنهم سيجدون الكلف مرتفعة مقارنة بدول الخارج التي يحصل فيها الصناعي على امتيازات كثيرة من سهولة التصدير إلى عدم وجود عقوبات إلى وجود مرافئ وبنى تحتية حقيقية”.
ويختتم أكريم حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى أن القرار الجديد مجحف، والعمل به سيضيع على الصناعيين فرصا حقيقية للنهوض، وسيعطل إعادة جذب المستثمرين من الخارج.