من اللامبالاة إلى الأعلى مشاهدة.. كيف حقق مسلسل “الوصفة السحرية” هذا النجاح؟
أسدل الستار قبل ساعات على الحلقة الأخيرة لمسلسل “الوصفة السحرية” الذي بدأ عرضه قبل نحو 45 يوما.
ورغم أن العمل اعتمد على نجوم غالبيتهم من الصف الثاني أو حتى على الوجوه الجديدة كليا، فإنه نجح باحتلال المرتبة الأعلى مشاهدة على منصة “واتش إت” وتصدّر محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد مشهد مواجهة استثنائي جرى بين اثنين من الأبطال في حلقة الأسبوع الماضي.
الوصفة السحرية
تدور أحداث العمل حول مجموعة من الأزواج مختلفي الطباع والطموحات، يُصادف سكنهم جميعا في أحد المجمعات السكنية الراقية. وحين تتعارف الزوجات، تنشأ بينهن صداقة حميمة نتعرف من خلالها على حياتهن الزوجية والمشكلات التي يواجهنها نتيجة الاختيارات الخاطئة لشريك الحياة.
وهو ما يتزامن بدوره مع صدور كتاب بعنوان “الوصفة السحرية للزواج الناجح” الذي يتشاركن قراءته وتطبيق نصائحه، ما يعقّد الأمور تارة وتارة أخرى يسير بالأحداث نحو منحى طريف وساخر.
بداية غير مبشرة
رغم الشعبية التي يحظى بها العمل حاليا، فإن بداياته لم تكن مبشرة، إذ جاءت الحلقات الأولى سطحية ومملة. كما أن عدم الاعتماد على نجوم الصف الأول جعلت المشاهدين محدودي الشغف أمام الحلقات، مما عجّل في توقفهم عن المتابعة. غَير أن من استمروا بالمتابعة ومشاركة تعليقاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي كان لهم الفضل في جعل البعض يعودون لاستكمال المتابعة وتحفيز آخرين على بدء المشاهدة متأخرا.
لما تقعدي مع أصحابك المتجوزين ويحكوا عن حياتهم! 🫡#ورشة_مصنع_الحكايات #الوصفة_السحرية pic.twitter.com/F23DRTaj6M
— مصنع الحكايات – The Stories Factory (@Stories_Factory) July 28, 2024
سر الخلطة
“الكتابة سيدة الموقف” هذا أول ما يمكن قوله إذا أردنا البحث عن أهم الإيجابيات التي تسببت بإثراء العمل أو منحه القوة للصمود طوال 45 حلقة في مواجهة مسلسلات المنصات الأخرى القصيرة والأكثر تكثيفا.
ولمّا كان العمل حصيلة إنتاج ورشة كتابة تقوم سيدات بين الإشراف والسيناريو والحوار وحتى الفكرة ذاتها، جاءت النتيجة متخمة بالخطوط الدرامية التي تتماس مع قطاع عريض من الفتيات والزوجات، خاصة أن النماذج التي تضمنها العمل متنوعة وشديدة الخصوصية في آن واحد.
إذ نجد نموذج الشابة حديثة العهد بالزواج التي يصدمها الروتين بتفاصيله الواقعية، ونموذج المرأة الناجحة المتزوجة من رجل مُخادع يحترف ابتزازها ماديا وعاطفيا، إلى جانب الأم العزباء وموقف المجتمع منها بعد زيجتين فاشلتين.
وهناك أيضا الأم المتفانية التي يشوب زيجتها الملل وتُفاجأ بخيانة زوجها، والآنسة التي تبحث عن أي رجل للزواج إثر شعورها بالانتقاص مما يجعلها تتمسك بفرص أقل مما تستحق، والسيدة المطلقة التي تحترف استغلال الجميع لتحقيق أهدافها الخاصة، فضلا عن الشابة التي تتزوج من رجل بعمر والدها.
بخلاف الخطوط الدرامية، اهتم صانعو العمل بتفاصيل دقيقة عن النساء ومنهن، مثل ما يصيبهن من معاناة خلال فترة الحمل، أو تأثير بعض الأدوية النسائية على حالاتهن المزاجية، وما يمكن أن يحدث لهن جراء رغبتهن الهائلة بتحقيق حلم الأمومة حين تُقابل بالرفض أو الفشل.
هذا التنوع الثري والدسم بجانب اللعب على ثيمة الجيرة والصداقة والاهتمام بالتفاصيل النسائية شديدة الخصوصية، كل هذا أعاد إلى الأذهان بعض أجواء مسلسل “سابع جار” الذي تعاونت في إنتاجه مجموعة من الكاتبات والمخرجات النساء أيضا وحقق نجاحا هائلا لا يزال قائما حتى الآن.
الفارق أن مسلسل “الوصفة السحرية” سلّط الضوء على قاطني “الكومباوندات” بينما خاطب “سابع جار” أبناء الطبقات المتوسطة.
وإن كان يُحسب لصانعي “الوصفة السحرية” أنهم لم يجعلوا الأبطال ينتمون لطبقات فاحشة الثراء تعاني من مشكلات استثنائية قد تنفّر الجمهور الذي يعاني من أزمات اقتصادية متتالية، وإنما جاءت معاناة الغالبية تقليدية ويمكن التقاط نقاط التشابه معها، كذلك جاءت الحلول التي استعرضها العمل بالمتناول وليست مستحيلة.
-
2- الإخراج والتصوير:
بالإضافة إلى الكتابة المتماسكة، نجح المخرج خيري سالم بإدارة طاقم العمل الكبير وأضفى حالة من التناغم بين الجميع وهو ما تجلّى بوضوح خلال العلاقات الجماعية وغالبية الثنائيات الزوجية رغم أن هذا العمل هو تجربته الإخراجية الدرامية الثانية.
كذلك جاء العمل مبهجا وجذابا على المستوى البصري ويحمل وسعا وراحة نتيجة تصوير العديد من المشاهد في أماكن خارجية أو مفتوحة حيث الطبيعة العامرة باللون الأخضر وضوء الشمس.
على مستوى التمثيل، حظي غالبية الأبطال بمساحات درامية كبيرة لم تسنح لهم من قبل، كذلك فُرد لهم المجال لإبراز جزء من طاقاتهم الكوميدية وإن اعتمدت بالأساس على كوميديا الموقف، وهو ما أفلح به بعضهم أحيانا مثل عمر الشناوي، وبسمة داود، وبدا مبالغا من البعض الآخر مثل شيري عادل.
وإن أجاد الغالبية أداء أدوارهم سواء خلال الصداقات الجماعية أو العلاقات العاطفية، أبرزهم بسمة داود التي لعبت دور “نهلة” الزوجة المُطيعة والأم المخدوعة التي تُكرّس حياتها لبيتها قبل أن يُصيبها سهم الخذلان وكسرة النفس من زوجها.
وبجانب إجادتها للدور الذي جمعت خلاله بين الدراما وخفة الظل، أشاد الجمهور بإطلالتها كامرأة محجبة أنيقة وبسيطة تُشبه الكثير من نساء الشارع المصري الحالي، فيما تمتعت كل واحدة من البطلات بأسلوبها الخاص الذي أبرز ملامح شخصيتها وحدود نشأتها.
في المقابل، لم تنجح هيدي كرم بجذب الجمهور تجاهها رغم كونها صاحبة الخط الدرامي الأكثر ثراء والمشاهد الرئيسية الأكثر عددا، فيما عاب الجمهور شعرها المستعار المنفر والواضح بفجاجة.
وجاءت علاقاتها بوليد عبد الغني (زين/زوجها) باردة دون تجانس أو انسجام يوحي بالحب الجارف الذي تكنه له، وهو ما أرجعه البعض لضعف موهبة وليد عبد الغني الذي لا يزال في بداية مشواره بالتمثيل، في حين وجد آخرون مسألة عدم الانسجام مقصودة لإبراز التناقض بينهما.
جدير بالذكر أن العمل ضخ بعض الوجوه الجديدة للدراما، مثل جنى المصري (تيا)، وملك ياسر (ندى)، وأبرز بعض الممثلين الثانويين مثل عبد الرحمن القليوبي (دقرم)، وأحمد شاهين (عز)، فيما سمح الوجود الثانوي لبعض النجوم الكبار بمنح العمل ثقلا لا بد منه لخلق حالة من التوازن، أبرزهم سلوى عثمان، ومحمد أبو داود، وعماد رشاد، وهالة فاخر، وسلوى محمد علي.
رغم كل ما حمله العمل من مفاجآت أو محاولات للتشويق والإثارة، فإنه لا يستحق أن يمتد طوال 45 حلقة. وكان من الممكن الاكتفاء بـ30 حلقة فقط والوصول إلى نفس النتيجة. مع ذلك يجدر الإشادة بنهاية العمل التي حملت بين طياتها الكثير من الاحتمالات المفتوحة وتركت العديد من الأبواب المواربة.
وفي حين أكد العمل على حقيقة أن ما من وصفة سحرية للعلاقات، وأن لكل زوجين دليلهم الخاص للنجاح الذي قد يفلح معهما ويفشل مع الآخرين، نجد أن بعض العلاقات لم تصل إلى نهايات سعيدة أو قاطعة وهو كثير الشبه بما يجري على أرض الواقع.
ولعل أفضل ما جاء بالنهاية، حقيقة أن كاتبات المسلسل لم يرضخن إلى ثقافة الوعي المجتمعي ويُجبرن “نهلة” -الزوجة المستضعفة- على العودة لطليقها، وإنما منحنها فرصا وأدوات لاستكشاف قوتها والاعتماد على نفسها واعترافا من المقربين منها أخيرا بإمكانياتها العديدة.
من اللامبالاة إلى الأعلى مشاهدة
إذا كنتم تبحثون عن مسلسل جديد للمشاهدة خارج الموسم الرمضاني والأعياد، أو دراما النجم الأوحد والأعمال المقتبسة عن “فورمات” أجنبية لا تشبه مجتمعاتنا العربية في شيء، قد يناسبكم مسلسل “الوصفة السحرية” خاصة لو كنتم من النساء أو محبي البطولات الشبابية والجماعية.
وهو عمل اجتماعي يجمع بين الدراما والكوميديا مُكوّن من 45 حلقة، وبطولة جماعية شارك بها كل من شيري عادل، وبسمة داود، وإسلام جمال، وعمر الشناوي، وكارولين عزمي، وهيدي كرم، ولقاء سويدان، وسلوى محمد علي، ورانيا منصور.
أما التأليف فجرى من قِبل ورشة مصنع الحكايات للسيناريست هاني سرحان فيما أشرفت على الكتابة دعاء عبد الوهاب، وسيناريو وحوار كل من منة فوزي، وإيرين يوسف، ومي سعيد، والإخراج لخيري سالم.