ماهر الأسد.. إمبراطور الكبتاغون وصانع الموت في سوريا
ماهر الأسد الرجل الثاني في سوريا والأكثر قوة ونفوذا، وصاحب السيرة الدموية في البلاد، والرجل الخفي وظل الرئيس المخلوع بشار الأسد، امتلك القوة العسكرية الكبيرة والمال، فكان شديد التأثير في بلاده.
أعاد ماهر وبشار سيرة والدهما وعمهما، حافظ ورفعت الأسد، فالأول منهما كان الرئيس الممسك بالشأن السياسي والعسكري في البلاد، أما الثاني فكان حامي النظام في الظل، ومبيد المعارضة.
كان ماهر امتدادا لعمه رفعت الذي أنشأ الفرقة الرابعة، لكن قيادتها آلت من بعده لابن أخيه، الذي تسلمها من بعده ليكمل مسيرته في سحق وإبادة السوريين إبان ثورتهم، وفوق ذلك سيطر على تجارة مخدر الكبتاغون، وقدرت مصادر بريطانية بأن أرباح هذه التجارة سنويا كانت في حدود 50 مليار دولار.
من الطفولة إلى الفرقة الرابعة
وُلد ماهر الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1967، وهو أصغر أبناء الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد (بشرى وباسل وبشار ومجد وماهر).
ظل بعيدا عن الأضواء، وتابع تعليمه الثانوي في أكاديمية الحرية قبل أن ينتقل إلى دراسة إدارة الأعمال بجامعة دمشق، وعقب تخرجه سار على خطى شقيقه باسل الأسد بالالتحاق بالجيش السوري، حيث بدأ مسيرته العسكرية التي ستجعله أحد الشخصيات المحورية في الدولة السورية.
وعندما وقع الحادث المروري الذي أودى بحياة أخيه باسل عام 1994، برز اسم ماهر كأحد المرشحين لخلافة والده، إلا أن هذا المسار تغير، حيث وقع الاختيار على بشار الشقيق الأوسط، ليصبح خليفة حافظ الأسد.
وقد اعتُبرت شخصية ماهر ونزعته الحادة السفاكة للدماء والعنف أحد العوامل التي أثرت في استبعاده لصالح بشار، الذي كان يُنظر إليه على أنه أكثر هدوءا وقبولا في الأوساط السياسية.
وفي تلك الأثناء بدأ ماهر في ترسيخ مكانته داخل المؤسسة العسكرية عبر توليه قيادة كتيبة في الحرس الجمهوري، مما أكسبه نفوذا كبيرا داخل الدائرة العسكرية.
وعقب وفاة والده حافظ الأسد عام 2000، صعد ماهر بسرعة في الرتب العسكرية، حيث رُقي من رتبة رائد إلى عقيد، ليصبح لاحقا قائدا للحرس الجمهوري، وهو تشكيل عسكري كان يضم حوالي 10 آلاف جندي معروف بولائه الشديد، والذي يُعتقد أن ارتباطه بإيرادات حقول النفط في منطقة دير الزور لعب دورا في ضمان استمرار هذا الولاء.
نفوذ وسطوة
في العام الذي تقلد فيه أخوه بشار الحكم، انتُخب ماهر عضوا في اللجنة المركزية لحزب البعث، حيث استخدم نفوذه للتأثير على أخيه بشار الأسد، خصوصا في الشهور الأولى من حكمه، وكان ماهر من أبرز الأصوات التي ساهمت في إنهاء فترة الانفتاح السياسي التي عُرفت بربيع دمشق، فقد عدَ هذا الانفتاح تهديدا لاستقرار النظام وبقائه.
كان نفوذه يزداد بمرور الأيام من خلال حسم بعض الصراعات، أحدها مع آصف شوكت صهره ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، حيث عارض ماهر زواج آصف من أخته بشرى، مما أدى إلى توترات شديدة بينهما.
كما بلغ الخلاف ذروته عندما ترددت شائعات عن إطلاق ماهر النار على آصف خلال مشادة، مما أدى إلى إصابة الأخير بجروح خطيرة، ورغم هذا، فقد قيل إن العلاقة بينهما تحسنت لاحقا، وشكل الثلاثي بشار وماهر وآصف النواة الأساسية للسلطة الاستبدادية في نظام الأسد آنذاك.
وفي عام 2005 ورد اسم ماهر الأسد وآصف شوكت في مسودة مُسربة لتقرير ميليس الذي حقق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ووفقا لهذا التقرير فإن شاهد عيان سوري كان مقيما في لبنان أشار إلى أن ماهر إلى جانب آصف وشخصيات بارزة أخرى، كانوا جزءا من اجتماع قرار اغتيال الحريري، وذلك بعد أسابيع من صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات السورية من لبنان.
وفي عام 2008 لعب ماهر دورا بارزا في قمع اضطرابات داخل سجن صيدنايا، حيث سيطر السجناء على الوضع واحتجزوا 1250 جنديا رهائن من أصل 1500، وخلال هذه الحملة، قُتل 25 سجينا من بين 10 آلاف كانوا محتجزين في السجن، بالإضافة إلى 30 من الجنود الرهائن.
وفي الفترة بين عامي 2016 و2017، ظهرت تقارير متضاربة حول رتبته العسكرية، حيث أُشيع أنه يحمل رتبة عميد، في حين أفادت مصادر أخرى بأنه قد رُقي إلى رتبة لواء، وبحلول أبريل/ نيسان 2018، أصبح ماهر قائدا للفرقة الرابعة المدرعة، وهي واحدة من أكثر الوحدات نفوذا في الجيش السوري، بعد أن كان يشغل منصب قائد الكتيبة 42 ضمن هذه الفرقة ثم قائدا للحرس الجمهوري، هذا المنصب عزز نفوذه العسكري والسياسي داخل النظام، مما جعله أحد الشخصيات الأكثر تأثيرا في سوريا.
الثورة السورية
منذ اندلاع الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011، لعبت القوات التابعة لماهر الأسد دورا دمويا في قمع الاحتجاجات باستخدام القوة المفرطة في مناطق مثل درعا وبانياس وحمص وإدلب.
وكان لتلك القوات تأثير مباشر في تحويل الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات دموية، بل أشارت تقارير عديدة، بما في ذلك ما نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز، إلى وجود مقاطع فيديو تُظهر شخصا يُعتقد أنه ماهر الأسد يطلق النار بنفسه على متظاهرين عُزل في حي برزة بدمشق.
كما كشف جنود منشقون كانوا تحت قيادة ماهر أنهم تلقوا أوامر صريحة باستخدام القوة القاتلة ضد المتظاهرين، حيث روى أحد القناصين الذين تركوا صفوف الجيش أنهم خلال احتجاجات درعا تلقوا أوامر واضحة بالتصويب مباشرة نحو الرأس أو القلب، مع عدم وجود قيود على عدد القتلى، حيث كان المطلوب قتل أكبر عدد ممكن لإخماد المظاهرات بأي ثمن.
هذه الروايات تسلط الضوء على التكتيكات المميتة التي اتبعتها قوات ماهر الأسد بتكليف مباشر منه، والتي شكلت جزءا أساسيا من إستراتيجية النظام السوري في مواجهة الاحتجاجات منذ بدايتها، ولاحقا فرضت عليه عقوبات عربية ودولية لدوره في قمع المظاهرات.
تعزيز النفوذ
تعزز نفوذ ماهر الأسد في أعقاب تفجير مبنى الأمن القومي السوري يوم 18 يوليو/تموز 2012، وهو الهجوم الذي أودى بحياة كبار قادة النظام، بينهم وزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني، وهشام بختيار رئيس مكتب الأمن القومي.
عقب الحادثة برز دور ماهر في قيادة العمليات العسكرية، حيث قادت الفرقة الرابعة المدرعة تحت قيادته هجوما شرسا خلال حصار استمر 4 أيام (18-22 يوليو/تموز 2012)، تمكنت فيه من اجتياح 3 مناطق رئيسية كانت تحت سيطرة المعارضة في دمشق، مما عزز مكانته كأحد أبرز أذرع النظام العسكرية.
وفي يوليو/تموز 2013، ذكرت تقارير من مواقع موالية للنظام أن ماهر الأسد كان يقود العمليات العسكرية في مناطق حلب وحمص، مما أشار إلى استمرار دوره العسكري رغم الشائعات التي أثيرت حول إصابته في انفجار في العام السابق.
لكن الشكوك حول حالته الصحية تلاشت عندما نشر مذيع لبناني صورة لماهر الأسد مع المطرب جورج وسوف في يونيو/حزيران 2014، مما أكد أن ماهر لا يزال على قيد الحياة، وأنه لم يتأثر بالشائعات التي دارت حوله، وقد استمر طوال السنوات العشر التالية في أداء مهام عمله الدموية بقهر الشعب السوري، والإشراف المباشر على تجارة مخدر الكبتاغون.
إمبراطور الكبتاغون
استُخدم مخدر الكبتاغون لأول مرة عام 1961 كعقار لعلاج التعب والاضطراب السلوكي، ثم سرعان ما أعطي للجنود لتمكينهم من البقاء مستيقظين لفترات طويلة لضمان تعزيز القوة والنشاط لديهم، ولكن بسبب ظهور أعراض خطيرة له أُعلن أنه مخدر خطير، وتوقفت الشركات عن إنتاجه منذ عام 1986.
في سبتمبر/أيلول الماضي 2024 كشف برنامج المتحري الذي يُعرض على منصة 360 التابعة للجزيرة في تحقيقه الاستقصائي عن تورط عائلة الأسد في تصنيع وتجارة وتوزيع مخدر الكبتاغون.
وكشف التحقيق عن أن ماهر وبشار الأسد وابن عمهما مضر رفعت الأسد هما الثلاثي الأهم والمسؤول المباشر عن تصنيع هذه المادة في مناطق مختلفة في سوريا، وكذلك تولي طرق توزيعها.
ووفقا لتسريبات صوتية لسيمان غنيجة وهو عنصر في المخابرات الجوية السورية وكان يعمل مرافقا لشحنات المخدرات، فقد كشف إحدى طرق هذه التجارة، حيث كان يبدأ من الحدود اللبنانية السورية حيث يوجد التصنيع، وينتهي في اللاذقية، ومن هناك ينطلق من ميناء المدينة “اليوغسلافي” الذي يُعد المنفذ الرئيسي لتهريب المخدرات بحرا إلى ليبيا واليونان وإيطاليا.
وقد كشف مدير برنامج سوريا في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم الشعار أن الشريط الحدودي بين سوريا والأردن كان يضم أيضا عدة نقاط لإنتاج الكبتاغون، لكنها ذات طابع محلي، كما تناول تحول الإنتاج الضخم إلى اللاذقية، حيث تتركز مناطق التهريب البحرية، مما يتيح إنتاجا على نطاق أوسع.
وبحسب الشعار، فإن الإنتاج الكبير كان في مناطق التهريب البحرية، إضافة إلى مواقع في درعا جنوب سوريا وقرب الحدود العراقية.
كما أوضح أن عدة شركات مرتبطة بالفرقة الرابعة بقيادة ماهر ظهرت بعد عام 2011، ويسيطر عليها أشخاص مقربون من النظام وأجهزته الأمنية.
وأشار إلى أن مضر الأسد يمتلك شركات للنقل والشحن، مشددا على استحالة قيام أي نشاط مرتبط بالمخدرات دون موافقة الفرقة الرابعة الذي يرأسها ماهر الأسد، نظرا لتحكمها بمعظم الحواجز العسكرية، وهو ما يفسر دورها المحوري في تجارة المخدرات وربما حتى في الإنتاج.
ابتزاز بالمخدرات
وقد كشف العديد من التقارير عن إغراق ماهر الأسد لبعض الدول بمخدر الكبتاغون منذ عام 2011، وكشف مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط في يوليو/تموز الماضي 2024 أن من أهدافه الحصول على التمويلات اللازمة لاستمرار آلة الحرب التي قادها بشار وماهر على الشعب ودفع رواتب الجنود وتمويل مصالح آل الأسد وثرائهم، إضافة إلى أنه استخدام هذه التجارة لابتزاز بعض الدول للحصول على مواقف سياسية مؤيدة لنظام الأسد.
وقد كشفت مصادر بريطانية أن تجارة الكبتاغون تدر على خزينة آل الأسد وعلى رأسهم ماهر حوالي 50 مليار دولار سنويا.
وعقب فرار بشار الأسد وأخيه ماهر، اكتشف السوريون العديد من معامل (مصانع) إنتاج الكبتاغون في دمشق وريفها وخاصة دوما، بل مناطق لتوزيع هذه المخدرات داخل دمشق نفسها، وأظهرت صور التقطتها وكالة الأناضول وجود ورشة لتعبئة المخدرات في الطابق السفلي لأحد المصانع، وتبين أن الحبوب المخدرة، التي كانت تُعد للشحن، مخبأة داخل لوحات كهربائية.
الفرار
بعد 13 عاما على الثورة السورية، وعقب انطلاق عملية ردع العدوان ونجاحها في السيطرة على البلاد خلال أيام، وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري كشفت مصادر مطلعة للجزيرة عن مصير ماهر الأسد.
فبحسب معلومات نقلتها الجزيرة نت عن مصادر أمنية عراقية، فإن ماهر هرب إلى الأراضي العراقية، ويقيم قرب العاصمة بغداد تحت إشراف مباشر من ضباط تابعين للحرس الثوري الإيراني.
ووفق هذه المصادر فقد غادر ماهر دمشق فجر الأحد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 برفقة ضباط إيرانيين، بعد أن سلكوا طرقا سرية في شمال شرق سوريا، كانت تُستخدم لتهريب الأسلحة والمخدرات، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر، واستطاع في نهاية المطاف الوصول إلى العراق مخترقا الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.