مشاري عبدالله السجاري والشعر الكويتي الحديث.. بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم
- قدم نماذج لشعر خالد الفرج الأديب والباحث صاحب المكانة بالكويت والخليج وأبدع في شرح وتحليل قصائد صقر الشبيب وتجسيد صورة الحياة بالمجتمع
- الراحل السجاري نقَّب عن خفايا الشعر الكويتي في رسالته لدرجة الماجستير وأعد أطروحة الدكتوراه لكن الله اختاره إلى جواره ففقدت الكويت باحثاً متميزاً
- برع في تناول اتجاهات الشعر الديني والسياسي والاجتماعي مما قاله شعراء الكويت ولم يغفل الاتجاه إلى الشعر الوجداني المعبّر عن المشاعر الإنسانية
- توثيق رائع لمرحلة التطور في الشعر الكويتي وعلى رأسها فهد العسكر الذي تنوعت قصائده من حيث موضوعاتها وأوزانها ومقدرته الفنية
بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم
أرى ذهني دائما وهو معلّق بأيام دراستي الأولى، ولذا فأنا أذكر كثيرا مما جرى خلالها، وأذكر – بالتأكيد – جميع الإخوة الذين زاملتهم في تلك الأوقات، وسعدت بهم.
يقولون: إن أيام الدراسة لا تنسى. وهذا حق، لأن كل ما مر بها يعلق بذاكرة المرء، فهو يتذكر الأحداث والأشخاص من زملاء دراسة ومن مدرسين، وتبقى معه هذه الذكريات متراكمة منذ بداية التحصيل إلى أن ينتقل – متخرجا – إلى دنيا العمل.
وأنا واحد من الذين لا تغيب عن أذهانهم تلك الذكريات. وأدل شيء عندي على ثبات ذكرياتي المتعلقة بدراستي الأولى هو كتابي: «في ظلال المدرسة الأحمدية» وهي المدرسة التي التحقت بها في أولى سنوات دراستي.
وقد ذكرت في هذا الكتاب أساتذتي وزملائي من الإخوة التلاميذ الذين لا أزال أحتفظ لهم بأجمل الذكريات، كما أنني أعلق في بيتي صورة جامعة للدارسين في السنة الأولى التي أشرت إليها. وامتدت بي أيام الدراسة بطبيعتها، وزاملت كثيرين، وكانت لكل واحد من هؤلاء الزملاء صفاته.
ولكنني أذكرهم إلى هذا اليوم، وآسف لانقطاع الصلة بيني وبين أعداد منهم، إما بسبب الانشغال بأمور الحياة، وإما بسبب وفاة من انتقل منهم إلى رحمة الله عز وجل.
أثير هذا الذي أثرته لأنني اليوم أستعيد ذكرى زميل عزيز انتقل إلى الرفيق الأعلى، منذ عدة سنوات، ولكنه لا يزال في ذهني، بل وفي أذهان كل الذين عرفوه أو زاملوه في دراسة أو عمل.
إنه الأخ المرحوم، بإذن الله، مشاري عبدالله السجاري، الذي كان زميلا لي في معهد الكويت الديني، وزميلا لي – أيضا – في كلية دار العلوم بالقاهرة، ثم زميلا في العمل لسنوات.
وهذه المدة الطويلة التي قضيناها معا كانت كافية لتقوية وثاق الصلة بيننا. ومن ناحيتي أشهد أنني وجدت فيه نعم الصديق، فهو شديد الوفاء، طيب النفس، لا يغضب، ولا يحمل في نفسه حقدا على أحد مهما كان الأمر، داعيا إلى ذلك.. ولكل هذا أحبه كل الرفاق. وصار بينهم مثالا لطيبة النفس، وحب الخير للجميع.
بعد تخرجه في كلية دار العلوم، بجامعة القاهرة وعودته إلى الوطن، التحق بالعمل في وزارة التربية، واختار منذ البداية مجال عمل يرتاح إليه، وقد تحقق له ذلك، فتقرر أن يكون ملحقا ثقافيا في سفارة دولة الكويت في بغداد، وانتقل بالفعل إلى مقر عمله، وسرعان ما أبدى مقدرة فذة في تكوين العلاقات الطبية بينه وبين العاملين معه في سفارة الكويت، ومع العاملين في الجهات الحكومية ذات الصلة بعمله هناك.
ولقد ارتاح لعمله طلاب الكويت الدارسون هناك لحسن معاملته لهم، ولسعيه الدائب إلى تقديم كل ما يحتاجون إليه من تسهيلات تؤدي إلى نجاح مهمتهم الدراسية.
ومما أعرفه عنه معرفة مباشرة أنه كان يقوم بمحاولة جادة لإقامة نوع من التعاون بين المكتب الثقافي والجهات الأخرى القائمة على التعليم والثقافة هناك بقدر استطاعته، على الرغم مما لقيه من عنت ومضايقة أعرفها معرفة جيدة بحكم عملي السابق، ولقد حاولت جهدي – يومذاك – أن أجعله يجتاز تلك المرحلة، فصار إضافة إلى عمله هذا ملحقا ثقافيا في سفارة الكويت بدمشق، وكان يقضي وقته بين مكتبين ثقافيين.
٭ ٭ ٭
كان أخي مشاري عبدالله السجاري محبا للقراءة، متابعا للحركة الثقافية في الكويت، وفي المكانين اللذين كان يعمل فيهما. ومن أجل ذلك فقد حرص على أن يواصل الدراسة التي بدأها في هذا الحقل، وحصل بموجبها على الشهادة الجامعية (الليسانس) كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وقد وجد فرصة سانحة أتاحت له أن يتلقى مزيدا من الدراسة فاستغلها رغبة في اكتساب العلم. ومن أجل ذلك قرر أن يلتحق بالدراسات العليا بجامعة بغداد.
فكان له ما أراد، وقد بدأ بحضور دراسة الماجستير وإعداد الأطروحة الخاصة بها على يد د.أحمد مطلوب، الذي سبق له العمل في جامعة الكويت. وقد حكى د.أحمد عن تلميذه فقال:
«قبل سنوات دخل علي في قاعة الدرس بجامعة بغداد فتي يثقل خطواته الحياء، وبعد أن حيا جلس مع أقرانه ينصت. وواظب على الحضور حتى إذا انتهى العام ونجح في الامتحان، أقبل يسألني أن أكون مشرفا على بحثه، وكان قد استقر على أن يكون «الشعر الحديث في الكويت والخليج العربي».
ولما سألته عن هذا الاختيار، قال: «إني من الكويت»، ولذلك رحبت بالموضوع لأنه جديد ولأنه أقرب إلى صاحبه وألصق به.
ولكنني، إشفاقا عليه، حددت البحث في شعر الكويت. ومضى في طريقه يتابع البحث ويجمع النصوص، وكان يقبل علي بين الحين والآخر يشكو من قلة المصادر وغموض الموضوع، وكنت أشجعه وأحثه على المواصلة، وما كنت أعلم أن ما يقلقه عظيم، حتى جئت إلى جامعة الكويت استاذا معارا سنة 1971م، واتصلت بالحياة الثقافية في هذا الجزء من وطننا الكبير، فعلمت حقا سبب شكواه، وعلمت أن البحث ينبغي أن يقف عند عام 1950م.
وهكذا كان ما استقر عليه الاتفاق، وسار البحث في طريقه حتى اتضحت رؤياه وأخذ صورته الحقيقية ونال به صاحبه درجة الماجستير». وهذا وصف جيد لطالب علم حريص على اكتساب المعرفة، وعلى تفهم طرق البحث العلمي.
ولقد استمر الأخ مشاري في دراسته هذه، حتى اجتاز مرحلة نقاش رسالته، ثم طبعها في كتاب بعنوان: «الشعر الحديث في الكويت إلى سنة 1950م»، وذلك في سنة 1970م. ثم تطلعت نفسه إلى الحصول على شهادة الدكتوراه، فلقد فتحت له شهادة الماجستير الطريق إلى ما بعدها.
وبخاصة أنه قد بذل جهدا كبيرا في سبيلها فقد أمضى وقتا طويلا في التنقيب عن خفايا الشعر الكويتي حتى سنة 1950م، فتطلعت نفسه إلى إكمال مسيرته العلمية بالحصول على شهادة الدكتوراه. وهكذا أكب على الدرس من جديد وأعد الرسالة التي أنجزها بإشراف أستاذه الدكتور أحمد مطلوب.
وكان في انتظار تحديد موعد المناقشة تمهيدا لتحقيق أمله في الحصول على الشهادة النهائية: الدكتوراه. إلا أن القدر كان له بالمرصاد، فلم يتمكن من نيل مراده لأن الله سبحانه وتعالى اختاره إلى جواره نتيجة لحادث مؤلم، فقدت أثره الكويت مواطنا صالحا تأمل منه مزيدا من العطاء لوطنه الذي ينتظر منه ومن أمثاله القيام بكل ما هو نافع، وما فيه رفعة له ولهم معا.
٭ ٭ ٭
فقدنا صاحبنا، ولكننا لم نفقد أثره، فها هو البحث الجيد الذي نال به شهادة الماجستير مطبوع نقرؤه، ونقلّبه بين أيدينا، ونعجب للدقة التي كتب بها. ومن أجل هذه المشاعر تجاه ما نراه فيه فإن من المهم أن نقدم له عرضا يبين جوانبه، وذلك وفق ما يلي: بدأ الأخ مشاري بحثه المطبوع بمقدمة ذكر فيها اهتمامه بهذا العمل، ونوه بالرجال الذين سبقوه إلى الكتابة في حقل الأدب والشعر في الكويت. كما أثنى على الشعراء الذين تناول – في بحثه – شعرهم بالدراسة، ثم بين خطة عمله بصورة عامة.
وبالتفصيل.. فإننا نرى الباحث يستأنف بحثه بذكر تاريخ الكويت بتفصيل واضح، بدأه ببيان سبب اختيار اسم: الكويت، وذكر الموقع والمساحة والسكان. مع تعريج على الحديث عن تاريخ البلاد قديما وحديثا.
ثم ابتدأ فصلا بعنوان: «الحياة الاجتماعية» لكي يبين الحالة العامة التي كان شعراء الكويت يعيشون في ظلها. واتجه بعد ذلك إلى دراسة ما قاله هؤلاء الشعراء مبينا أثر الأسرة الكويتية التي ينتمون إليها في إنتاجهم الشعري.
وكان يقصد بذلك أن للأسرة أهمية في حياة أبنائها من الشعراء، فهي التي تستطيع أن تدفع بهم إلى المزيد من الإبداع، وتحفظ شعرهم من الضياع، أو تكون – في وجه من وجوهها – على العكس من ذلك، لا تستسيغ اتجاه أبنائها إلى هذا النوع من الكتابة، فتكون سببا في ضياع إنتاجهم، وقبل ذلك في إفساد حياتهم.
أما وقد انتهى الباحث من كل ذلك فقد اتجه إلى البحث في موضوع تمهيدي مهم آخر، وهو الخاص بالحياة الثقافية التي كانت سائدة في الكويت في سنة 1950م، وما قبلها، ولقد اتسع البحث في هذا النطاق لأنه هو المجال الذي يتيح لمن لديه المقدرة على الإبداع الشعري فرصة إظهار مهارته فيه، ويفتح له السبيل إلى مزيد من الإنجاز في هذا الفرع المهم من فروع الأدب، ولهذا فقد نوه الباحث باهتمام الجيل الذي عاصر ذلك الزمان، بالإطار الثقافي بصورة عامة، فبذل جهده في إنشاء المؤسسات التي كان من شأنها تنمية مواهب الشعراء، وإتاحة الفرص أمامهم من أجل تقديم ما لديهم من إنتاج، والتغني به بين أبناء وطنهم في كل المناسبات في جو تنافسي منتج.
وقد تحدث ضمن ذلك عن إنشاء المكتبة العامة الأولى التي تكاتف على إنشائها والتبرع لها بالكتب والصحف بعض أبناء البلاد المحبين للاطلاع، والراغبين في نشر المعرفة في أنحاء الوطن.
ومما يذكر أن هذه المكتبة قد حظيت باهتمام الراغبين بالقراءة، وكثر روادها حتى صارت نموذجا لما جاء بعدها، ذلك أنه في سنة 1936م حين نشأ مجلس المعارف قام بوضع هذه المكتبة تحت رعايته، واهتم بها اهتماما كبيرا حتى صار لها أكثر فرع.
وعرج الباحث بعد ذلك على ناسخي الكتب، وكانت الحاجة إلى أمثالهم ماسة فقد كانوا البديل عن المطبعة في زمننا هذا، ومما تنبغي الإشارة إليه أن نساخي الأمس قد تركوا من إنتاجهم كتبا لاتزال بين أيدي الناس.
وعملهم هذا دليل على إحساسهم بأهمية الكتاب، وقيمة العلم الذي يحويه، فهم بهذا يقدمون لطلاب المعرفة زادا مهما، يفتح أمامهم المجال إلى مزيد منها. ولعل مما يمكن أن يذكر في هذا الشأن عن إنجاز أحد هؤلاء النساخين كتاب: الموطأ للإمام مالك بن أنس الذي نسخه أحد أبناء الكويت القدماء في سنة 1682م وطبعه (مصورا) عن الأصل: مركز البحوث والدراسات الكويتية.
ثم ينتقل بنا الكتاب الذي نعرضه إلى بدايات الصحافة الكويتية، فيذكر أن أول ما صدر منها عندنا مجلة الكويت التي أصدرها عبدالعزيز الرشيد، في سنة 1928م، وقد تتالت الإصدارات بعد ذلك.
أما التعليم الذي هو أساس كل ذلك فقد كان قائما منذ أن أُسست الكويت باعتبارها نظاما حكوميا، وكان التعليم في البداية يعتمد على الكتاتيب ويقدم دروسا في القرآن الكريم وقليلا من الحساب، إلى أن نشأ التعليم النظامي بقيام المدرسة المباركية، وبدء الدراسة فيها ابتداء من العام الدراسي 1911م – 1912م، وقد تتالت المدارس بعد ذلك، ونشأ مجلس المعارف الذي سبقت الإشارة إليه هنا.
وسار التعليم بعد هذه المرحلة سيرا حثيثا إلى الغاية، وذلك بقيام دائرة معارف الكويت التي حظيت بعناية الدولة، واهتمام الشعب، وقد بادر الناس إلى إرسال أبنائهم إلى المدارس على الرغم من أن الأمر كان جديدا عليهم. ولكن اهتمام القائمين على العمل هو الذي قدم الدليل على جدواه، وبين للأهالي أن هذا هو سبيل المستقبل المأمول.
وبعد أن قدم الباحث كل هذا التمهيد الذي استغرق عددا كبيرا من صفحات الكتاب، وكان تمهيدا لا بد منه، بدأ في عرض مادة البحث.
وكان موضوع الباب الأول منه عن كل من الشعراء عبدالله الفرج وعبدالله العلي الصانع، وبعض الذين قالوا الشعر من المهتمين بالخطاب الديني، إضافة إلى اهتمامهم بالشعر وهؤلاء هم من أطلق عليهم لفظ شعراء فترة الانتقال وأدرجهم تحت عنوان الفصل الثاني.
أما الفصل الثالث من الباب الأول، فأطلق عليه اسم: مرحلة التطور وهي المرحلة التي ذكر من شعرائها الشاعر فهد العسكر فتحدث عنه حديثا يستحقه، فهو شاعر له دور كبير في دنيا الشعر عندنا، وله قصائد مرموقة لا يزال محبو الشعر يذكرونها ويرددونها بينهم.
ومن هذه القصائد القصيدة التي وجهها إلى الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير البلاد الأسبق، وقد قدمها إليه مهنئا له وللشعب الكويتي بتوليه سدة الحكم، ومطلعها:
جاء الربيع وأنت راقد
قم واشد يا رب القصائد
ما للبلابل حين يبتسم الصبا
ح وللمــــــراقـــــد
يوجه الشاعر هذا السؤال إلى نفسه، معتبرا أن ما حدث في الكويت – آنذاك – يقتضي اليقظة، ويستدعي اطراح النوم، فالقادم من الأيام بمزلة الربيع الذي ينبغي أن ينهض إليه الشاعر ويحييه مبتهجا لقدومه، وهو يقول تعبيرا عما في نفسه:
أهلـا بعبداللـه أهلـا
بالمفـاخـر والمحـامــد
بفتى الكويت وذخرها
وأميرها الشهـم المساعد
ويذكر الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح آسفا على فقده فيقول:
بالأمس شيعنا الفقيد
بدمعنـا وبمــا نكابـد
واليوم بين يديك نُل
قي بالأعنـة والمقـاود
فخذ الزمام وسر بنا
فالسعد بساـم وصـاعد
وقد تنوعت قصائد فهد العسكر من حيث موضوعاتها، ومن حيث أوزانها، بل لقد عمد إلى تشطير بعض القصائد التي قالها غيره من الشعراء – وهذا أمر اعتاده الشعراء من قبله – وهو من باب التدليل على مقدرته الفنية، ومن أمثال ما صنع في هذا المجال أنه عمد إلى قصيدة مشهورة لأمير الشعراء أحمد شوقي فشطرها، وهذه القصيدة هي قصيدة «زحلة» الواردة في ديوان الشوقيات، أما شاعرنا فقال:
«يا جارة الوادي طربت وعادني»
ما زادني شوقا إلى رؤياك
فقطعت ليلي غارقا نشوان في
«ما يشبه الأحلام من ذكراك»
وأنهى الباحث حديثه عن فهد العسكر وابتدأ بذكر شاعر كويتي آخر هو خالد الفرج، وهو شاعر أديب وباحث، له مكانة في الكويت وفي الخليج العربي كله، كما ان له مؤلفات متعددة الموضوعات، وأشعارا مدونة يستطيع القارئ أن يصل إليها بكل يسر، وقد تناول الباحث جميع ما يتعلق بهذا الشاعر، وقدم نماذج لشعره، ذاكرا ما له وما عليه.
أما آخر من جاء ذكره في هذا الفصل من الشعراء فهو الشاعر صقر الشبيب، وهو من مشاهير شعراء الكويت. له ذكر واسع في وطنه وفي خارج وطنه، كان غزير الشعر، له ديوان كبير الحجم مطبوع طبعة معتنى بها.
وفي ديوانه قصائد تعبر عن صورة الحياة في الكويت إبان حياته، بما في ذلك تناولها للنواحي السياسية والاجتماعية، وبعضها يدعو إلى النهوض وشحذ الهمم من أجل الانتقال إلى مستوى أفضل، بغية اللحاق بالعالم المتقدم. ويبدو أنه اكتفى بهؤلاء الشعراء، فلم يذكر غيرهم من أمثال:
– أحمد العدواني.
– عبدالله زكريا الأنصاري.
– محمد أحمد المشاري.
وهؤلاء شعراء لهم مكانتهم الشعرية، ولهم مجموعات مطبوعة متاحة لكل من يريد أن يطلع عليها، وهم وإن كان قد تأخر زمن وفاتهم عن سنة 1950م إلا أنهم كانوا يقولون الشعر قبلها، ولكن الباحث التزم التزاما صارما بالسنة التي حددها وهو معذور في ذلك.
٭ ٭ ٭
ثم يأتي الباب الثاني من الكتاب، وهو بعنوان: «اتجاهات الشعر»، فنراه مكونا من خمسة فصول، وقد قسمت الفصول الثلاثة الأولى أغراض الشعر إلى ثلاثة أغراض رئيسية هي:
– الشعر الديني.
– الشعر السياسي.
– الشعر الاجتماعي.
وقد عرض الباحث هذه الأغراض، ومثل لها بنماذج مما قاله شعراء الكويت. أما الفصل الرابع فقد وضعه تحت عنوان: «اتجاهات أخرى» وهو – فيما يبدو – يريد أن يبين اتجاهات الشعراء نحو الموضوعات التي يفضلون جعل شعرهم في سياقها.
فمن ذلك: الاتجاه إلى الشعر الوجداني المعبر عن المشاعر الإنسانية، وهو يشتمل على عدة أوجه، منها الغزل. وقد قال شعراؤنا كثيرا من القصائد فيه. ثم نجد لديهم الاتجاه نحو المديح.
وقد تميز به عدد من شعراء الكويت، منهم صقر الشبيب. كما تميز الشاعر راشد السيف بقصائد الرثاء، ولهذا الشاعر قصائد كثيرة في هذا الغرض. ثم يأتي الاتجاه إلى الشكوى من اضطراب الأحوال، مع التعبير عن أحاسيس الشاعر تجاه تقلبات حياته. وقد مثل الباحث لهذا الأمر بأبيات قالها الشاعر صقر الشبيب، وهي:
وطني ولي حق عليك أضعته
وحفظت حق الداعر المتسكع
فلو أن لي طبلا ومزمارا لما
اقصيتني أو أن لي في المخدع
هذي عقوبة موطني وجنايتي
هي أنني لتيوسه لم أركع
ولقد أصر الباحث على أن يجعل من ضمن الاتجاهات اتجاها يثير جدلا كثيرا، وهو الاتجاه إلى ذكر الخمور، وصاحبي يعرف جيدا ما يحيط بهذا الموضوع من محاذير. ولذلك قال في بداية الفقرة التي جاء فيها ما أراد الحديث فيه عن الخمرة:
«ليست لدينا أشعار تتحدث عن الخمرة، والمجاهرة بها إلا ما ورد عن شعراء صوروا لنا جانبا منها وصفا لحالهم ضمن مشكلة اجتماعية أو إنسانية». على أنه من الملاحظ أن معظم الأمثلة الشعرية التي ساقها تذم الخمرة، وتدعو إلى الابتعاد عنها، وذلك لحرمتها من جهة، ولأضرارها الجسمانية والنفسية من جهة أخرى، وقد جاء ذلك – مثلا – في أبيات للشيخ يوسف بن عيسى القناعي نصها:
يا مدمن الخمر قل لي
هل في الجنون مسرهْ
وهــل إذا مـت منه
سعـــادة أو مضـــره
تبيــح عقلا وجسمـا
بخزيـــــة ومعـــره
وأما الفصل الخامس من هذا الباب الذي يذكر فيه الباحث اتجاهات الشعر الكويتي، فهو يدور حول الخصائص الفنية لهذا الشعر في الفترة المقصودة بالبحث.
ومن هذه الخصائص ما يتعلق ببناء القصيدة، إذ يتبين الناظر في مجمل قصائد شعراء الكويت أنها متعددة الأغراض، ينتقل الشاعر في قصيدته من غرض إلى آخر. مع تعدد شكل بنائها، فهي متفاوتة طولا وقصرا. وتمتاز بمقدمة (مطلع) يشبه – إلى حد كبير – مقدمات قصائد الشعر العربي القديم.
ومن حيث اللغة، ومفرداتها، فإنها لم تخرج عن نطاق اللغة العربية الفصحى التي كتب بها الشعر القديم. وكان الشعراء الكويتيون (الأقدم منهم) يختارون لأشعارهم ألفاظا فصيحة يستمدونها من كتب التراث العربي إلى أن صار بعضهم يميل إلى سهولة اللفظ اتباعا لما سار عليه معاصروه كشوقي وحافظ مثلا.
وبصورة عامة فإن هذا الفصل (وهو الخامس) يحتوي على دراسة جيدة للموضوعات التي تطرق إليها شعراؤنا، والتزموا بها من حيث الأسلوب، وترتيب المعاني، وحسن اختيارها، وبهذا يتم موضوع الرسالة التي نال بها الأخ مشاري عبدالله السجاري درجة الماجستير، وقد جاءت على أفضل ما تكون عليه الدراسات المماثلة.
ولم يبق لنا إلا أن نشير إلى أن الباحث قد جعل لرسالته هذه ختاما عبر فيه عن الجهود التي بذلها في سبيل الوصول إلى النتائج التي قاده البحث إليها. وهذا يكفي.
٭ ٭ ٭
وأخيرا.. فإنني أود في ختام ما قدمته أن أقول كلمة لا بد منها، وهي أن الأخ الأستاذ مشاري عبدالله السجاري قد قدم لوطنه – على التحديد – ثلاث خدمات مهمة، أولاها: اشتغاله بالمسائل الثقافية المتصلة بعمله ملحقا ثقافيا، وفق ما أشرنا إليه، وقد أدى عمله في هذا المجال خير أداء، وكان راعيا لطلاب الكويت في المقرين اللذين قام بالعمل فيهما. وكان – أيضا – صورة مشرفة لابن هذا الوطن الحريص على بذل كل ما يستطيع بذله من جهد في سبيل خدمة وطنه وإعلاء شأنه.
وثانية الخدمات: اشتغاله بالبحث في شؤون الثقافة الكويتية، وبخاصة الشعر، وقد استطاع أن يجتزئ شيئا من وقته لاستكمال دراسته العليا، فحصل – كما رأينا – على الماجستير في موضوع يتعلق بالشعر الكويتي، وشعراء الكويت. وقد جاء عمله هذا متكاملا مقربا لكثير مما يحتاج إليه الراغب في الاطلاع على هذا الجانب من جوانب التاريخ الثقافي لوطننا بصورة لم يسبق لها مثيل.
وثالثة الخدمات: أنه قدم لوطنه هدية من أغلى الهدايا هي ابنته الدكتورة مها مشاري عبدالله السجاري، حفظها الله، فهي التي تتألق – اليوم – بجهودها البحثية والتعليمية في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت.
وقد بدأت حياتها العملية: اختصاصية اجتماعية لدى الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، ثم التحقت بجامعة الكويت بصفتها معيدة بعثة، فتمكنت بهذا من متابعة دراستها في الولايات المتحدة الأميركية حتى حصلت على الدكتوراه في تخصص دقيق. وعادت متفوقة حاملة الشهادة بيد والمقدرة على العمل والخبرة باليد الأخرى.
وكانت تقوم بأعمال مهمة في نطاق جامعة الكويت، ومن ذلك أنها كانت إلى اليوم الأول من شهر أغسطس لسنة 2024م، تقوم بأعمال مساعد عميد كلية العلوم الاجتماعية للاستشارات والتدريب والبحوث، وقد حصلت على عدد من الجوائز، وقدمت أوراق عمل كثيرة في حدود اختصاصها، ومن البحوث التي قدمتها:
أ- العمل التطوعي وأثره في الصحة العامة.
ب- التكنولوجيا وأثرها في الصحة العامة.
ج- المواطنة والهوية الاجتماعية.
كل ذلك إلى جانب مشاركاتها في الندوات والمقابلات التلفزيونية والإذاعية حيث تقدم للجمهور خبرتها بأسلوب واضح ينشر المعرفة لدى السامعين والمشاهدين.
هذه هي الدكتور مها مشاري عبدالله السجاري، التي كم كنت أتمنى أن يكون صديقي المرحوم والدها حيا، لكي يشهد نجاحها علما وعملا.
٭ ٭ ٭
وبعد، فهذا هو ابن الكويت أبو مشعل، وهذا الذي ذكرته عنه ما هو إلا بعض ما قام به. ومن الملاحظ أنني قدمت ما قدمته عنه في كثير من الاختصار، لأنه لم يكن يحدثنا عن نفسه ولا عن أعماله. وإن كان كتابه الذي عرضته هنا فيه أقوى دليل على ما نظنه فيه من مقدرة على العمل، وعلى أنه يملك ذهنا متفتحا، وقلبا يحب وطنه وأهل وطنه.
لقد فارقنا هذا الرجل الطيب الصامت في حادث سير مؤسف حين كان في طريقه إلى مقر عمله عائدا من الكويت بعد أن أدى مهمة كلفته بها وزارة التربية هنا.
ومع ذلك فإن من الملاحظ أننا لا نجد لهذا الرجل المخلص لوطنه، المسهم في حفظ التراث الكويتي، الحريص على أداء الواجبات التي يطلب منه القيام بها على خير وجه، أي أثر من الآثار التي تدل على تقدير وطنه له. فهل نأمل من الجهات الثقافية الحكومية والأهلية اليوم أن تشعل شمعة تحيي بها ذكر أخي مشاري عبدالله السجاري؟
إنه يستحق ذلك.