رجل الأعمال عاشق السلطة والربح.. ماذا لو فاز ترامب؟
4/11/2024–|آخر تحديث: 4/11/202412:19 ص (بتوقيت مكة المكرمة)
هناك العديد من المعطيات التي تشير إلى فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات الجارية، لكن التساؤل الذي نطرحه هو: ما الذي سيترتب على فوز ترامب، الذي يرى نفسه ذكيًا وعبقريًا وأن رئاسة أميركا سُرقت منه سابقًا؟
ترامب من النوع الذي يؤمن بأن السياسة رياضة عنيفة يمكن أن تتعرض فيها لضربة قوية فتخرج من الحلبة، وقد بدا هذا المفهوم واضحًا في تعامله مع معاونيه في رئاسته الأولى حتى فصل أحدهم بتغريدة.
لذا فإن ترامب سيتجاذبه جناحان: جناح من المؤسسة التقليدية الأميركية ممن لديهم تاريخ في العمل السياسي داخل أجهزة الدولة وفي الكونغرس، وجناح آخر هو الشعبوي الذي يزيد من عنصرية ترامب وقراراته ضد المهاجرين والهجرة، فضلًا عن أن نجاحه سيعزز لديه سطوة الصورة الإعلامية؛ فالنجاح الذي يحققه أتى من قدرته على دغدغة مشاعر الناس.
لذا، لديه جمهور عنصري مساند وجمهور محافظ ضد المثلية والإجهاض، وهو يدرك أن المزيد من المحافظة والعنصرية يضمن له ظهيرًا شعبيًا، في الوقت الذي ستثار فيه مشاكل عرقية وإثنية متصاعدة قد تقود إلى عنف لا يعرف مداه، لكنه لن يصل إلى حرب أهلية.
ستنغلق أميركا على الداخل؛ فترامب يضع أميركا أولًا حتى لو أدى ذلك إلى تجاهل مشاكل شركائها. فعقلية رجل الأعمال القائمة على الاستحواذ، وتحقيق نسب أرباح عالية ومكاسب دون وازع أخلاقي تسيطر عليه.
من هنا، فإن علاقة أوروبا بأميركا ستشهد مرحلة من التوترات قد تقود إلى خسارة أولاف شولتس حكم ألمانيا، وهو الذي رهن مصالح بلاده من أجل التحالف مع الولايات المتحدة ضد روسيا.
هذا سيكون نتيجة طبيعية لوقف ترامب الدعم الأميركي لأوكرانيا، فالمواطن الأميركي يرى أنه يدفع ضرائب لحرب لا يراها ضرورية بالنسبة له، فضلًا عن أن تكاليف الوجود الأميركي في حلف الناتو لحماية أوروبا يراها باهظة، وعلى الأوروبيين تحمل جزء كبير منها.
لكن الحقيقة التي لا يدركها الكثيرون هي أن فوز ترامب يمثل بداية انفصال هادئ في العلاقات الأميركية الأوروبية التي قامت منذ الحرب العالمية الثانية على تقاطعات وتشابكات معقدة. ولن يضع الأوروبيون أنفسهم مرة أخرى رهن التغير في السياسات الأميركية، في الوقت الذي تتجه فيه أميركا لأن تكون دولة من الدرجة الأولى وليس دولة قائدة وحامية، كنتيجة للحرب العالمية الثانية. فهل انتهت هذه الحقبة؟
الآن، فإن فاز ترامب، سيسعى إلى فرض المزيد من الحواجز أمام الصين التي تهدد عرش الاقتصاد العالمي الذي تتربع عليه أميركا. وفي حقيقة الأمر، أن ترامب بالنسبة للصين رئيس يعجل بإعلان الصراع الصيني الأميركي بصورة واضحة وصريحة، وليس خلف الكواليس.
لذا، سينتقل الصراع من أوروبا (حلف الأطلسي – روسيا) إلى آسيا (أميركا – الصين) لتصبح الحرب اقتصادية – سياسية. هذا قد يدفع الصين إلى بناء تحالفات دولية تصنع شروخًا في النظام العالمي، إلا إذا كان ترامب في حلبة المصارعة لا يريد أن يتلقى ضربة قاضية من الصين، ولا يريد توجيه ضربة قاضية لها، فيتوجه لزيارتها ليخلق لدى المراقبين حالة من الارتباك في بناء تحليلات حول سياساته وشخصيته، وهو كرجل أعمال مغامر قد يفعلها ليقلب الطاولة على الجميع.
يرى ترامب المنطقة العربية في إطار منطقة الخليج العربي لثقلها الاقتصادي، وهذا ما يجعله يعود لهذه المنطقة مرة أخرى لتعزيز الشراكة. كما أنه سيحاول العودة لتحجيم إيران مجددًا بعد أن تنفّست الصعداء مع بايدن، ليكون لديه رؤية تتعلق بأن على الفلسطينيين القبول بالحد الأدنى لحل قضيتهم. وبالتالي، فإن انتظار نتنياهو فوزه، ومد أمد الحرب يأتيان من باب أن ترامب سيكون أكثر تحيزًا لإسرائيل.
لكن الواقع يقول إن الولايات المتحدة لديها حالة عداء في الشرق الأوسط غير مسبوقة، فضلًا عن موقف مسلمي الولايات المتحدة من الحرب، وكذلك جيل شباب الجامعات في أميركا المناهض للحرب والمناصر لفلسطين.
هذان العاملان الداخليان سيشكلان تحولًا ما في سياسات ترامب تجاه القضية الفلسطينية، خاصة بوجود المسلمين الذين سيشاركون في إدارته، والتخوف من ردود الأفعال – في حال استمرار الحرب على الفلسطينيين – ضد مصالح الولايات المتحدة.
لذا، على أرض الواقع، سيسعى ترامب لوقف الحرب والبحث عن مخرج يحفظ له مظهر المستوعب لرغبات العرب والمسلمين، والمنحاز لإسرائيل، لكن بعيدًا عن لغة الحرب والتهديدات، وسيكون هذا موقفًا حاسمًا منه ستحترمه إسرائيل؛ خوفًا من فقدان الدعم الأميركي، مما يفقدها أهم حليف إستراتيجي لها.
الحقيقة الأخيرة، سواء كان الفائز ترامب أم كامالا هاريس، هي أن الولايات المتحدة في السنوات القادمة ستشهد تراجعًا على الصعيد الدولي لصالح الصين والهند، اللتين تتحالفان حاليًا بعد تسوية مشكلة الحدود المشتركة، لتبرز قوة جديدة من هذا التحالف الهندي الصيني الذي سيقود عالمًا جديدًا مختلفًا قائمًا على تعددية الأقطاب.
يبقى السؤال: كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع الاستقطاب الجديد، في ظل الانكفاء على مشكلات الداخل الأميركي المتصاعدة من الديون إلى الرأسمالية المتوحشة والعنصرية وافتقاد الأميركيين لحياة الرفاه؟
مع ذلك، فإن كل هذا يتطلب من ترامب التفكير خارج الصندوق؛ فجمود المؤسسة الحاكمة: (الحزب الجمهوري – الحزب الديمقراطي – أجهزة الدولة) أدى إلى ضعف إدارة الدولة الأميركية حتى صار هناك ثغرات في إفراز قيادات وساسة بكفاءة عالية، وهو ما حذر منه هنري كيسنجر في كتابه “القيادة” الذي صدر قبل وفاته.
فكل من ترامب وهاريس لا يرتقيان إلى مستوى حل مشكلات الولايات المتحدة، ولا يمتلكان الخيال السياسي الذي يخرج أميركا من مأزقها؛ فهي بين الدولة العظمى القائدة وبين دولة من الدرجة الأولى منكفئة على مصالحها. هذا الوضع مؤشر على عالم جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.