هل يفوز ترامب عبر حشد الناخبين من الطبقة العاملة؟
كان مطعم ماكدونالدز في فيسترفيل-تريفوس بولاية بنسلفانيا مغلقا، ولكن على الجانب الآخر من الشارع، كان هناك تجمع من مئات الأشخاص، على أمل إلقاء نظرة على ما كان يحدث بالداخل.
وهناك، استبدل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سترته الرسمية المعتادة بمئزر كبير الحجم بحواف صفراء، كان يراقب المقلاة العميقة، ويضع الملح على البطاطس المقلية، ثم يمرر المنتج النهائي عبر نافذة الخدمة الذاتية إلى صف من العملاء الذين تم فحصهم مسبقا في السيارات، وكانت الكاميرات تلتقط الصور طوال الوقت.
يقول ترامب “لقد عملت (في ماكدونالدز) لمدة 15 دقيقة أكثر من كامالا”، في إشارة إلى منافسته في السباق الرئاسي لعام 2024، نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي عملت في سلسلة الوجبات السريعة عندما كانت طالبة.
تقول هيلاري بومونت في تقرير لها بموقع الجزيرة الإنجليزية إن هذه الحيلة لم تكن مجرد فرصة من جانب ترامب لمضايقة هاريس، بل كانت أيضا أحدث محاولة من جانبه للتقرب من جزء رئيسي من الناخبين الأميركيين، إنهم الطبقة العاملة.
ومع انكماش الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة، يشكل أفراد الطبقة العاملة وذوو الدخل المنخفض حصة متزايدة من الناخبين. وقد ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعتبرون من ذوي الدخل المنخفض من 27% في عام 1971 إلى 30% في عام 2023، وفقا لمركز بيو للأبحاث.
ويحظى المرشحان الرئيسيان بتأييد هذه الفئة السكانية في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. لكن الخبراء يقولون إن ترامب لا يزال يتمتع بميزة بين الناخبين من الطبقة العاملة، الذين يرون فيه منارة للرخاء.
فعندما أجرى معهد السياسة التقدمية استطلاعا للرأي في عام 2023 طلبا من الناخبين من الطبقة العاملة اختيار الرئيس الذي بذل قصارى جهده من أجل الأسر العاملة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كان ترامب هو الفائز الواضح، حيث اختاره 44% من المشاركين، بينما اختار 12% فقط الرئيس الحالي جو بايدن.
يقول بيرترال روس، الأستاذ في كلية القانون بجامعة فرجينيا “إنه أمر مثير للسخرية إلى حد كبير. فهو لم يعش حياته بطريقة مؤيدة للطبقة العاملة والدخل المنخفض. ومع ذلك، فهو يقدم نفسه باعتباره بطل الطبقة العاملة والأفراد ذوي الدخل المنخفض”.
ورغم ذلك تهرب ترامب الأسئلة حول ما إذا كان يؤيد زيادة الحد الأدنى للأجور، وهي السياسة التي من المرجح أن تساعد العاملين في مجال الوجبات السريعة.
إمبراطور العقارات
وترامب هو سليل إمبراطورية عقارية ورثها عن والده الراحل فريد ترامب، وتعتمد شخصيته العامة على صورته كرجل أعمال ناجح.
وخلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا في سبتمبر/ أيلول الماضي قال ترامب “أعرف الكثير عن العمل الإضافي. كنت أكره إعطاء ساعات عمل إضافية. كنت أكره ذلك”، مستطردا “لا ينبغي لي أن أقول هذا. لكنني سأسمح لأشخاص آخرين بالعمل”.
ومع ذلك، حتى مع تبنيه مظهر رجل الأعمال الناجح، فقد حظي ترامب أيضاً بالتأييد بين قاعدته من الناخبين من الطبقة العاملة غير الحاصلين على تعليم جامعي.
يقول الخبراء إن إستراتيجيته تتلخص في تصوير نفسه كواحد من هؤلاء، ففي أكتوبر/تشرين الأول على سبيل المثال، قال لصالون حلاقة في برونكس “أنتم مثلي تماماً. الأشياء نفسها. لقد ولدنا بالطريقة نفسها”.
وبحسب روس فإن قوة دعم ترامب بين الطبقة العاملة تتجاوز دورة الانتخابات الحالية، ويقول للجزيرة “من الصعب تحديد مصدر هذه القوة المتنامية المحتملة (لكن) الجاذبية العاطفية كانت موجودة دائما.. لقد تمتع بهذه الميزة منذ ترشحه لأول مرة في عام 2016. ولا تزال هذه الميزة قائمة، وربما تكون أقوى في هذه الانتخابات مقارنة بما كانت عليه في عامي 2016 و2020″.
في المقابل، فإن منافسته هاريس ومنذ دخولها السباق في يوليو/تموز، أكدت على نشأتها في الطبقة المتوسطة بينما ذكّرت الناخبين بأن ترامب “حصل على 400 مليون دولار على طبق من فضة” من والده.
هاريس والطبقة العاملة
وعلى غرار ترامب، دعمت هاريس علنا سياسات تستهدف الناخبين ذوي الدخل المنخفض، بما في ذلك تقديم إعفاء ضريبي للأطفال ورفع الضرائب على الإكراميات (البقشيش)، ومع ذلك، واجهت هاريس صعوبات في التعامل مع الناخبين من الطبقة العاملة، الذين يعمل العديد منهم في الأعمال اليدوية أو في الخدمات أو يعملون بعقود.
على سبيل المثال، فشلت في سبتمبر/أيلول في الحصول على تأييد نقابة سائقي الشاحنات، وهي نقابة عمالية بارزة دعمت بايدن في عام 2020. وبدلا من ذلك، اختارت نقابة سائقي الشاحنات عدم تقديم أي تأييد، وذلك في خرق واضح للتقاليد، إذ كانت النقابة قد أيدت المرشحين الديمقراطيين للرئاسة منذ عام 2000.
ويقول جاريد أبوت، مدير مركز سياسات الطبقة العاملة، وهي مؤسسة بحثية مقرها الولايات المتحدة، إن الناخبين من الطبقة العاملة ابتعدوا عن الحزب الديمقراطي في العقود الأخيرة، وأوضح أن كثيرين يشعرون بأن الحزب أهمل قضايا مثل العولمة التي أدت إلى فقدان الملايين من الوظائف، وخاصة في الولايات المتأرجحة ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا.
ورغم أن الناخبين من ذوي الدخل المنخفض أقل ميلا إلى التصويت، يقول روس إن ترامب أقنعهم بأن النظام مزور ضدهم، وكثيرا ما نسب السبب في هزيمته في عام 2020 إلى التزوير الانتخابي الواسع النطاق.
وقال “لقد حققت هذه الرسالة نجاحا كبيرا فيما يتصل بالناخبين الأقل مشاركة، لأن النظام، بصراحة، لم يخدم هؤلاء الناخبين بشكل جيد”، فعلى سبيل المثال، لا تلزم العديد من الولايات أصحاب العمل بمنح العمال إجازة للتصويت في يوم الانتخابات. ولا يوجد قانون فدرالي يلزم الشركات بالقيام بذلك.
وفي ظل الطوابير الطويلة أمام مراكز الاقتراع، لا يستطيع العديد من العمال المستضعفين توفير الوقت. وفي الوقت نفسه، قد تفرض قوانين تحديد هوية الناخبين الصارمة عبئا ثقيلا على أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الحصول على مثل هذه الوثائق.
ويشير روس إلى عقبة أخرى يواجهها الديمقراطيون مثل هاريس في هذا المجال، فقد ينظر الناخبون من ذوي الدخل المنخفض إلى هاريس كعضو في النخبة السياسية.
ورغم أن هاريس كانت تتباهى في كثير من الأحيان بطفولتها في الطبقة المتوسطة في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، فإنها تعيش الآن في برينتوود، وهي منطقة ثرية في لوس أنجلوس، وتقدر ثروتها هي وزوجها بملايين الدولارات، استنادا إلى الإفصاحات الحكومية التي قدمتها، ونتيجة لذلك “لا يزالون غير قادرين على رؤيتها كواحدة منهم”.