الولايات المتحدة

مسؤول أميركي في “يو إس إيد”: استقلت بسبب ازدواجية معايير التعامل بين غزة وأوكرانيا

شكلت استقالة المستشار في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد) ألكسندر سميث منعطفا جديدا في سلسلة الاستقالات الاحتجاجية من المؤسسات الأميركية، كاشفة عن معايير مزدوجة في التعامل مع الأزمات.

ورغم نشأته في ولاية ماين دون أي احتكاك بالعالم العربي والإسلامي حتى بلوغه الثامنة عشرة، فإن رحلة سميث المهنية في مجال العمل الإنساني قادته إلى تجربة غنية في الشرق الأوسط وآسيا.

ويروي سميث، لبرنامج “المنشقون” الذي يمكن متابعته على منصة “الجزيرة 360″، أنه عمل في مناطق نزاعات كأفغانستان والسودان، بعد حصوله على الدكتوراه في القانون والماجستير في الصحة العامة، ولكن تجربته في فلسطين وتحديدًا في نابلس كانت الأكثر تأثيرًا في تشكيل وعيه.

ويشير إلى أن بداية تحوله الفكري جاءت خلال عمله على سلسلة وثائقية في باكستان مطلع عام 2001، حيث التقى لاجئين أفغان، أغلبهم من النساء، واستمع لقصصهم عن الحرب وطالبان.

وقد دفعته تلك التجربة إلى مراجعة كل ما تعلمه في الثمانينيات عن المسلمين من خلال الإعلام والأفلام، مكتشفا زيف الصورة النمطية السائدة.

وعن تشكُّل وعيه السياسي، لفت سميث إلى تأثره العميق بكتابات المفكرين نعوم تشومسكي وإدوارد سعيد وهوارد زن، خاصة في ما يتعلق بنقد “الإمبراطورية الأميركية” وتأثيرها على شعوب العالم.

كما أكد أن إدوارد سعيد كان الأكثر تأثيرًا في فهمه لقضايا الإرهاب والمقاومة وحق الدفاع عن النفس.

تناقض صارخ

وقال إنه بدأ عمله في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد) في عام 2020، ليواجه مباشرة التناقض الصارخ في التعامل مع الأزمات الإنسانية.

وعقد مقارنة -خلال البرنامج- بين الاستجابة السريعة للحرب في أوكرانيا حيث “بدأنا مباشرة بوضع خطط لإعادة بناء الأنظمة الصحية”، وبين التعامل مع أزمة غزة، مستنتجًا أن “حياة بعض الناس تعدّ أهم من حياة آخرين”.

وفي هذا الإطار، يكشف سميث عن محاولات متكررة داخل الوكالة لإخفاء الحقائق حول الوضع في غزة، إذ أُجبر على تعديل تقريره عن صحة الأم والطفل في القطاع، وحذف مصطلحات مثل “فلسطين” و”فلسطينيين” واستبدالها بـ”مواطنين عرب إسرائيليين”.

كذلك طُلب منه حذف خريطة غزة المعتمدة من الأمم المتحدة، قبل أن يُلغى عرض التقرير بالكامل قبل يوم واحد من موعده.

وحذر سميث من أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تجاهلت كل التقارير الدولية التي وثقت استخدام إسرائيل التجويع سلاحا، ومن ذلك قصف المستودعات والأراضي الزراعية.

خيبة أمل

وأضاف أن تقريرا قدمه مع زملائه، يوثق منع إسرائيل للمساعدات في غزة، تجاهله مكتب وزير الخارجية أنتوني بلينكن ولم يتخذ أي إجراء.

وعن توقعاته للمستقبل، يعبر سميث عن قلقه العميق قائلا “من المخيف جدا أن نكون على يقين أنه أيًّا كان الرئيس، فستستمر الإبادة وقد يتم توريط العديد من الدول في حرب إقليمية”.

وعبر عن خيبة أمل كبيرة بإدارة الرئيس جو بايدن، فقال “عدت للعمل في الحكومة الأميركية في أواخر حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب لأنني كنت متحمسًا للعمل مع بايدن، وكنت أظن أنه رجل جيد وسيحترم حقوق الإنسان ويعمل على جعل العالم مكانًا أفضل، لكنني أصبت بخيبة أمل كبيرة حين رأيت أنه خالف موقفه تمامًا”.

وكشف سميث عن تفاصيل مثيرة حول آليات الرقابة داخل المؤسسات الأميركية، مشيرًا إلى أن إلغاء عرض تقريره جاء في أعقاب إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية نيته إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين.

وأوضح أن “رد وزارة الخارجية نص على أنه من غير المقبول الافتراض أن إسرائيل كانت ترتكب جرائم حرب”.

شاي نابلس

ورغم أن سميث لم يكن وحيدًا في معارضته لسياسات الوكالة، إذ وقع نحو 100 موظف على رسائل احتجاج موجهة إلى مديرة الوكالة سامانثا باور، فإنه قال إن “الاستجابة كانت مخيبة للآمال”.

وروى للبرنامج كيف أن باور، عندما سُئلت عن استقالته في مقابلة تلفزيونية، اكتفت بإجابة وصفها “بالتافهة” إذ قالت “أليس من الجميل أننا رغم خلافاتنا ما زلنا معا”.

وعن تجربته الشخصية في فلسطين، يستذكر سميث بتأثر واضح لقاءاته مع السكان في نابلس، قائلا “الكل أراد أن يشرب الشاي معنا”.

وأضاف “رغم أنني أخبرت الجميع بأنني أميركي، فإنهم جميعهم كانوا ودودين، وأتذكر الأطفال خصوصًا، لأن لقاءهم علمني أن الأطفال هم أطفال في كل مكان والناس في كل مكان لا يريدون سوى الأمان لعائلاتهم والعيش بسلام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى