الولايات المتحدة

لا نزال هنا.. سكان أميركا الأصليين يستعرضون قصص صمودهم في “الطريق 66”

في الطريق إلى فهم أعمق للمجتمع الأميركي، يحملنا برنامج “الطريق 66” إلى قلب الجنوب الغربي من الولايات المتحدة، حيث تنتشر أراضي أريزونا الشاسعة، وهي موطن لمجتمعات السكان الأصليين.

وعبر هذه الحلقة (يمكن مشاهدتها كاملة عبر هذا الرابط)، نكتشف قصص الصمود والتراث من خلال الشاب توماس هانت ووالدته شارلين، اللذين ينتميان إلى قبائل النافاهو، إحدى أقدم وأعرق القبائل الأميركية الأصلية.

تاريخ قبائل النافاهو محفور في الذاكرة الجمعية للسكان الأصليين، فمنذ قرون، ورغم تهجيرهم القسري من أرضهم الأصلية، ظل شعب النافاهو محافظا على هويته وثقافته.

وفي هذا السياق، يقدم توماس نفسه كشخصية تجسد هذا الصمود، حيث نشأ على حب الرقص الذي يعتبره إرثا عائليا ممتدا، ومنذ صغره، كان يشارك في فعاليات “الباو واو” التي تحتفي بالرقصات التقليدية، حيث تعد “رقصة الطوق” من أشهر تلك الرقصات التي ترمز إلى استمرارية الحياة بلا بداية ولا نهاية.

يقول توماس: “أنا أرقص طوال حياتي، ولا أعرف إلا الرقص. لكل طوق قصة، ولكل حركة معان عميقة تروي من خلالها حكاياتنا”.

وتتجلى أهمية الرقص في ثقافة النافاهو من خلال ارتباطه الوثيق بالحياة والشفاء، فـ”رقصة الطوق”، التي تعكس استمرارية الحياة، و”رقصة العشب” التي نالت شهرة في العالم العربي باعتبارها رمزًا للحرية، ليستا مجرد عروض فنية، بل تعبير عن الوجود والهوية.

وتعد هذه الرقصات جزءًا لا يتجزأ من حياة توماس، الذي يُعتبر من أبرز الراقصين الأميركيين الأصليين.

نحن موجودون

وفي حديثه عن شعب النافاهو، يُبرز توماس أهمية التراث الثقافي في صمودهم، ويقول “تاريخنا وثقافتنا هما الأساس الذي نبني عليه” مشيرا إلى أن هوية النافاهو لم تندثر رغم المآسي التي مروا بها “ما دامت ثقافتنا ولغتنا ومعتقداتنا تنبض، فنحن موجودون”.

وفي حديثها، تستعيد شارلين والدة توماس، ذكريات الألم والمعاناة التي مر بها شعبها خلال “المسير الطويل” ودرب الدموع، حيث تم تهجيرهم قسريًا من أراضيهم.

وتقول: “تم إخراج السكان الأصليين من أراضيهم بالقوة، وأُجبروا على الترحال خلال الشتاء القارس، حيث مات العديد من الأطفال وكبار السن بسبب الجوع والبرد”، مؤكدة أن هذه المعاناة التي عاشها الأجداد ما زالت حاضرة في ذاكرة الأجيال الحالية، وتشكل جزءا لا يتجزأ من هويتهم.

ولم تكتف شارلين بنقل هذه القصص لتوماس وإخوته، بل غرست فيهم حب الثقافة وتقديرها، فقد تربى توماس في إحدى المحميات المخصصة للسكان الأصليين في أريزونا، حيث تعلم العادات والتقاليد التي أصبحت جزءا من هويته.

وتعد المحميات، التي أنشأتها حكومة الولايات المتحدة لتضع السكان الأصليين فيها، رمزا آخر للصمود في ظل القيود التي فرضت على تلك المجتمعات، فرغم الدعم الفدرالي الذي تتلقاه قبائل النافاهو، فإن إدارة المحميات والمشاريع الاقتصادية داخلها تواجه تحديات كبيرة بسبب التعقيدات البيروقراطية.

التراث الأحمر

ومن ثم، اضطرت شارلين وعائلتها لمغادرة المحمية والبحث عن فرص جديدة، كما تقول، حيث لم تستسلم هي وابنها للتحديات، وقررا فتح مركز ترفيهي يحمل اسم “التراث الأحمر”، يهدف إلى نشر ثقافة النافاهو وحمايتها من الاندثار.

في هذا المركز، يعرضان مختلف جوانب التراث من الرقصات التقليدية إلى الطعام والقصص الشعبية.

وتتجلى العلاقة الوطيدة بين توماس ووالدته بوضوح من خلال نظرات الابن لأمه، حيث يظهر تقديره العميق للدور الذي لعبته والدته في تشكيل هويته، ويعد هذا التوازن بين التمسك بالتقاليد والانفتاح على العالم الحديث هو التحدي الذي يواجهه توماس وجيله من شباب النافاهو.

ويزين توماس ووالدته أنفسهم بالحلي التوركوازية، التي تحمل رموزًا دينية وثقافية عميقة، فالزينة ليست مجرد جماليات، بل جزء من الهوية والمعتقدات الروحية لشعب النافاهو، الذين يؤمنون بالعوالم الأربعة وأهمية الشمس كرمز للإله.

وتختتم شارلين حديثها برسالة عن الصمود، قائلة: “نحن ما زلنا هنا.. الشعوب الأصلية جميعا، نحن شعب السلام وشعب الصمود وشعب التراث”، ملخصة حكاية النافاهو، الشعب الذي لم تُسلب منه هويته رغم الألم والمعاناة، والذي يستمر في الحفاظ على تراثه للأجيال القادمة.

|

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى