الولايات المتحدة

رهان بايدن على إرسال “ثاد” لإسرائيل

واشنطن- لا ترتبط الولايات المتحدة بأية اتفاقية دفاع مشترك مع إسرائيل تبرر لها نشر نظام “ثاد” المضاد للصواريخ، إضافة لـ 100 عسكري وفني أميركي لتشغيله، في حين تلتزم الولايات المتحدة بمقتدى المادة الخامسة باتفاقية تأسيس حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بالدفاع المشترك مع بقية الدول الأعضاء.

وتذكر المادة أن “أي اعتداء على أي دولة عضو يُعد اعتداء على بقية الدول الأعضاء، ويستلزم على الفور تفعيل آلية الدفاع المشترك، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية”.

كما تجمع الولايات المتحدة اتفاقيات عسكرية مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية، تلتزم بموجبها قواتها المتواجدة في قواعد عسكرية بالدولتين بالدفاع عنهما، حال تعرض أي منها لاعتداء خارجي.

من هنا، مثّل قرار الرئيس جو بايدن إرسال نظام “ثاد” ومشغليه لإسرائيل مفاجأة في دوائر العاصمة الأميركية، في وقت حاولت فيه الجزيرة نت فهم طلاسم هذه الخطوة، من خلال الحديث لعدد من خبراء الشؤون العسكرية الاستخباراتية.

ومن الجدير بالذكر أنه سبق لواشنطن إرسال أنظمة “ثاد” لإسرائيل مرتين من قبل، أولها عام 2019، والأخرى عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لكن دون نشر جنود لتشغيلها، حيث يُعد “ثاد” من أكثر أنظمة الدفاع ضد الصواريخ الباليستية كفاءة، ويمكنه إسقاط ما يصل إلى 72 صاروخا باليستيا في الوقت نفسه.

ترحيب وتنديد

يأتي نشر نظام الدفاع الصاروخي “ثاد”، الذي قد يصل خلال أيام لإسرائيل، في أعقاب مناقشات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين حول خطط إسرائيل للرد على الضربة الصاروخية الإيرانية، التي استهدفت إسرائيل في 1 أكتوبر/تشرين الأول، ردا على اغتيال إسرائيل قادة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني.

وتعهّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الأسبوع الماضي، بأن الضربة الإسرائيلية ردا على إيران ستكون “قاتلة ودقيقة ومفاجئة”، لكن واشنطن نصحت بعدم استهداف منشآت النفط الإيرانية والمواقع النووية، وجاء في بيان البنتاغون أن “هذا الإجراء يؤكد التزام الولايات المتحدة الصارم بالدفاع عن إسرائيل، والدفاع عن الأميركيين في إسرائيل، من أي هجمات صاروخية باليستية أخرى من قِبل إيران”.

وغرّد ديفيد ماكوفسكي، المسؤول السابق والخبير بمعهد واشنطن المعروف بقربه من إسرائيل، على موقع “إكس” قائلا “إن إرسال قوات أميركية لتشغيل نظام ثاد على الأرض في إسرائيل ليس طلبا صغيرا، وقد يستغرق نشره أياما”، مما يشير إلى أن الضربة الإسرائيلية على إيران ليست وشيكة.

في حين هاجم تاريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي بواشنطن، قرار بايدن، واعتبره احتمالا أكبر لجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى غير ضرورية في الشرق الأوسط.

وأضاف بارسي، في تغريدة على منصة “إكس”، أن “بايدن لا يقوم الآن بتزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة فحسب، بل يزودها بالقوات أيضا، لقد وضع الولايات المتحدة فعليا في حالة حرب، وراهن بلا داع بحياة القوات الأميركية التي يجب أن تحمي الوطن الأميركي، وليس إسرائيل”، ثم قال “هذه كارثة ذاتية بالنسبة للولايات المتحدة، لكن لم يفت الأوان بعد لوقف هذا الجنون”.

تفسير القرار

وفي حديث للجزيرة نت، أشار البروفيسور جوزيف فيتساناكيس، أستاذ الدراسات الاستخباراتية والأمنية بجامعة كوستال بولاية كارولينا الجنوبية، إلى ضرورة دراسة قرار واشنطن بنشر نظام “ثاد” وقوات أميركية في إسرائيل، ضمن السياق الأوسع لأهداف الرئيس جو بايدن.

وقال فيتساناكيس إن هذه الخطوة تهدف لمنع حرب شاملة بين الدول في الشرق الأوسط، وليس لتشجيعها، مستدركا بالقول “هذا لا يعني أن القرار لن يأتي بنتائج عكسية، إنها في الواقع مقامرة إلى حد ما”، وأضاف أن هناك 3 طرق ممكنة لتفسير قرار البيت الأبيض حسب ما يرى:

أولا، قد يكون ذلك جزءا من اتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، توافق واشنطن بموجبه على إرسال دفاعات جوية وقوات إلى إسرائيل، كبادرة دعم رمزية، وفي المقابل، ربما يوافق الإسرائيليون على كبح جماح ردهم على الجانب الإيراني.

ثانيا، قد تكون هذه إشارة البيت الأبيض إلى إيران بأنها لن تتردد في الاشتباك معها في حالة اندلاع حرب شاملة بينها وبين إسرائيل، وفي هذه الحالة، ستعمد الولايات المتحدة لوضع قواتها في مواقع عسكرية بجميع أنحاء إسرائيل، ومن المرجح أن تستهدفها طهران في موجة جديدة محتملة من الهجمات.

الرسالة هنا هي أنه إذا تضررت القوات الأميركية، فلن تكون الحرب بين إيران وإسرائيل فقط، بل ستكون أيضا مع الولايات المتحدة، والهدف هنا هو ثني إيران عن تصعيد المعاملة بالمثل.

ثالثا، يمكن أن تكون هذه الخطوة مزيجا من الاحتمالين المذكورين أعلاه، ويكمن الخطر في ذلك أن البيت الأبيض يكون قد رسم خطا أحمر في هذا الصراع، وعندما تفعل الدول ذلك فغالبا ما يكون من المغري لخصومها عبور هذا الخط، وذلك لاختبار عزم الجانب الآخر، وقد تميل إيران إلى التصرف بهذه الطريقة في الأسابيع المقبلة، مما قد يؤدي إلى تصعيد كبير للصراع.

أهداف جانبية

تطرق جوناثان أكوف، الأستاذ المساعد بقسم الاستخبارات والدراسات الأمنية بجامعة كوستال بولاية كارولينا الجنوبية، إلى قضايا فنية وتكتيكية، وأشار في حديث للجزيرة نت إلى أنه جرى تدريب عناصر إسرائيلية وأميركية على مكونات هذا النظام من قبل، لكن لم يسبق وأن تم استخدام نظام “ثاد” في القتال بإسرائيل من قِبل.

واعتبر أكوف أنه ليس من الواضح تماما كيف يعزز ذلك نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الموجود، حيث إن “ثاد” تم تصميمه لتدمير الأهداف على ارتفاعات عالية في المقام الأول، عن طريق ضربة بعيدة المدى.

من هنا يبدو أن هناك خوفا كبيرا في إسرائيل من هجوم إيراني يكون على نطاق أوسع مما شوهد مؤخرا، أي مئات الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وأن يمطر الحطام في حال تدميره في المجال الجوي المناطق المدنية، مما قد يؤدي لمقتل الكثيرين، فضلا عن الإخفاق في إسقاط بعض الصواريخ.

وذكر أكوف أنه يمكن لصواريخ “ثاد” -واعتمادا على حزم الأهداف الإيرانية- أن تحدث عمليات إسقاط للصواريخ الإيرانية فوق الأراضي السورية أو اللبنانية أو الأردنية.

لكنه أشار أيضا إلى نقطة نفعية تماما للجانب الأميركي، حيث إن البنتاغون يعطي هذه الخطوة أهمية كبيرة للتخطيط الدفاعي الأميركي في شرق آسيا، لأن “ثاد” يتكامل مع نظام الدفاع “إيجس” (AEGIS) التابع للبحرية الأميركية، والمتوفر على متن المقاتلات من فئة F-35.

ومن هنا فإن استخدام نظام “ثاد” في القتال ضد الصواريخ الإيرانية، التي تدين بقدر كبير من مواصفات تصميمها لأنظمة الصواريخ الصينية، سيعطي الولايات المتحدة معلومات قيمة، حول كيفية استخدام نظام ثاد في شرق آسيا ضد صواريخ مماثلة قد تأتي في المستقبل من الصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى