منوعات

أرجوك.. لا تبالغ!

المبالغة في كل أمر غير محمودة، ليس عندنا فقط بل في كل المجتمعات، وفي ظني أن الخصال المذمومة إنما جاءت من المبالغة، فالمبالغة في التزلف تقود إلى النفاق، وزيادة التبسط وادعاء الظرف تجعل صاحبها مملاً بل وثقيلاً، وتحوله إلى مهرج أحياناً، وكثرة تناول الطعام تقود للشراهة، وزيادة الحرص تؤدي للبخل، إن المبالغة تقلب كل شيء إلى منقصة وسلوك ممجوج!

في اليومين الماضيين استمعت لحكايات تبدو في ظاهرها طريفة، لكنها تخفي نوعاً من الألم المبطن، أو الشعور بالأسى، كمبالغة البعض من شبابنا صغار السن من الموظفين والموظفات في الدوائر والمؤسسات، الذين يحبون إظهار الاحترام للعملاء والمراجعين، لكنهم دون أن يشعروا ربما يقعون في محظور المبالغة، الذي يتسبب في الكثير من الضيق والألم لهؤلاء المراجعين! كيف؟ سأخبركم.

يقول لي رجل لم يتجاوز الخامسة والأربعين، إنه حينما ذهب لإنهاء معاملة طلب منه الموظف الشاب أن يستريح قليلاً حتى ينتهي، مرفقاً طلبه بكلمة يا والدي! ليس في اللفظ إساءة، لكن الكلمة ليست موفقة من وجهة نظري، فهذا الموظف خرج بكثير من الأسى، وبأنه صار مسناً إلى درجة أن يخاطبه شاب في الثلاثين على أنه والده! لماذا يجب أن تظهر نفسك مهذباً على حساب مشاعر غيرك؟ يقول البعض إن ذلك من الاحترام، لكن من قال إن ذاك الرجل يوافقك في هذا الاعتقاد؟

هناك كلمات لا يجوز أن تقال للمتعاملين، فالتزم الحياد ذلك أفضل، كما أن هناك عبارات وإشارات لا يصح توجيهها لموظفي وعمال المطاعم مثلاً، لقد أمضى ذلك الرجل الذي سمع عبارة «تفضل استرح يا والدي» يومه يحدث نفسه، ويراجع أيامه، شيء ما حز في نفسه، وكأن الشاب قال له: لقد هرمت ومضى بك العمر، أو أن الحياة اليوم ليست لك، نعم الناس يكبرون، هذه سنة الحياة، لكنهم لا يحتاجون لمن يذكرهم بوطأة الزمن هكذا على الملأ، فحين تدخل امرأة للصيدلية لا تريد أن يبادرها الصيدلي بـ«كيف أخدمك يا خالة؟»، فكيف أخدمك تكفي! أما «يا خالة» فعبارة احترام ممجوجة بالنسبة لها!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى