اقتصاد

مكامن الخطر في سلاسل التوريد العالمية

يحافظ الاقتصاد الأمريكي على قوته النسبية، لكن المخاوف بشأن أمنه لا تزال قائمة.

فمن معارضة إدارة بايدن-هاريس لاستحواذ شركة نيبون ستيل على شركة يو إس ستيل، إلى التعريفات الجمركية المقترحة على الرافعات الصينية، التي قد تُستخدم للمراقبة الرقمية، وكذا المخاوف بشأن المعادن النادرة، وأجزاء المكونات للصناعات الحيوية التي يسيطر عليها الخصوم، يبدو جلياً أن إنشاء سلاسل توريد أكثر مرونة، هو قضية رئيسة. وسيظل الأمر كذلك، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.

إنه أيضاً موضوع سيحظى بالكثير من الوقت هذا الأسبوع في واشنطن، حيث تستضيف وزارة التجارة قمة سلسلة التوريد، وتعقد سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولي الصناعة الأمريكية والحلفاء والأكاديميين، والمجتمع المدني، لمناقشة كيفية تحديد وإدارة المخاطر النظامية في سلاسل التوريد.

هذا بالفعل جزء من الجهود التي تقودها وزيرة التجارة الأمريكية، جينا رايموندو، التي أخبرتني الأسبوع الماضي، أن أكبر ما فاجأها خلال فترة ولايتها، معرفة «مدى عدم استعداد الحكومة الفيدرالية لتحديد الاضطرابات في سلسلة التوريد، وكذلك مدى عدم تطور النهج المتبع في التعامل مع ذلك لفترة طويلة».

ويعود جزء من هذا إلى حقيقة مفادها أن الكيانات التي تمتلك أفضل المعلومات، وأكثرها تفصيلاً حول سلاسل التوريد، هي شركات خاصة. وتميل هذه الشركات إلى البحث عن المخاطر الفردية في مجالات محددة، وليس القضايا النظامية في مختلف قطاعات الاقتصاد.

وقد تتمكن الحكومات من تحديد الحاجة إلى مزيد من المرونة في المجالات التي تشكل أهمية بالغة للأمن الاقتصادي أو الوطني ــ مثل أشباه الموصلات أو الأدوية ــ ولكنها لا تفهم إلا القليل من التفاصيل الخاصة بكل سلسلة توريد، أو كيف يمكنها التفاعل مع مجالات مثل الخدمات اللوجستية، والنقل، والطاقة أو الكهرباء في خضم الأزمة. وكان هذا واضحاً للغاية أثناء الوباء، وهذا هو السبب وراء إعادة رايموندو أولويات وزارة التجارة للتركيز على سلاسل التوريد.

كان أحد الركائز الأساسية لهذه الجهود، هو تطوير تحليل أكثر قوة وشمولاً للبيانات، لتتبع نقاط الاختناق المحتملة في الاقتصاد الأمريكي على وجه التحديد. وتحقيقاً لهذه الغاية، طورت الوزارة نظاماً حسابياً، يتضمن بيانات عن اقتصاد السلع الأمريكي بكامله.

ويتم تحديد هذه البيانات وتصنيفها عبر مختلف الصناعات والجغرافيات، ومقاييس المخاطر (الجيوسياسية والبيئية والأمن القومي والصحة العامة وما إلى ذلك). والهدف هو إنشاء صورة دقيقة للغاية لمواطن الضعف والمرونة في الاقتصاد الأمريكي بالفعل. وقد تطلب هذا من رايموندو ومسؤوليها، التعرف إلى أشياء غامضة، مثل، على سبيل المثال، المكونات التي تدخل في نظام تبريد مركز بيانات قائم على الذكاء الاصطناعي.

وفي حين كان من المفهوم على نطاق واسع لبعض الوقت، أن قدرة الذكاء الاصطناعي كانت نقطة ضعف محتملة للولايات المتحدة، فقد كان يُنظر إلى هذا بشكل أساسي، من حيث الكميات الكبيرة من الطاقة المطلوبة لمراكز البيانات، وما إذا كانت الشبكات التي تدعمها مرنة. لكن من خلال مناقشاتها مع الرؤساء التنفيذيين، بدأت رايموندو تدرك أن الهياكل المادية للمراكز، كانت في حد ذاتها نقطة اختناق محتملة.

وقالت: «لقد أدركت أن الهياكل نفسها كانت متطورة حقاً، وأننا سنضطر إلى التعمق في أشياء مثل أنظمة التبريد والرفوف والمكونات». وعندما أجرى الفريق تقييماً للحالة من خلال أداة التحليل، فإن ما اكتشفوه أثبت صحة المعلومات الواردة من الصناعة وأضاف إليها.

وقد تأكد أن أمريكا لا تواجه نقصاً محتملاً في مكونات التبريد فحسب، بل تحتاج أيضاً إلى المزيد من محركات الديزل الاحتياطية، في حالة فشل الشبكة. ويوضح هذا المثال، وهو واحد من العديد، الحاجة إلى استخدام البيانات النوعية والكمية من الصناعة والقطاع العام، لفهم أفضل لمخاطر سلسلة التوريد.

وفي حين أن العديد من محادثات الأمن الاقتصادي سياسية للغاية – وحالة نبيون ستيل هي مثال جيد – تميل نقاط الضعف الحقيقية إلى التركز في أماكن غير متوقعة، والتفاعل بطرق لا يمكن لأي صانع سياسة أو رجل أعمال التنبؤ بها. وما نعرفه عموماً، هو أن هناك الكثير من المخاطر على مستوى الاقتصاد، والتي لم يتم فهمها أو معالجتها بعد.

وتشير البيانات الصادرة عن وزارة التجارة، إلى أن 57 % من الصناعات في أمريكا ستحتاج إلى ستة أشهر للعودة إلى طاقتها الطبيعية، إذا حدث حتى أسبوع واحد من تعطل النقل. وهذا هو التحول الذي تمت الإشادة به من «في الوقت المناسب»، إلى «فقط في حالة الطوارئ». وعلى نحو مماثل، هناك مجالات غير متوقعة من ضعف القوى العاملة والتجارة، والتي لم يكن من الممكن التنبؤ بها، دون التعمق في البيانات التفصيلية للعديد من مستويات سلاسل التوريد العالمية.

ومن الناحية المثالية، من شأن المزيد من البيانات، أن تسمح لصناع السياسات بإرسال نوع من إشارات الطلب المستهدفة للغاية إلى الصناعة (عبر إعانات مالية أكثر تحديداً، أو حوافز ضريبية)، من شأنها أن تزيد من المرونة، مع عدم تشويه الاقتصاد الكلي أو نظام التجارة.

وقد تستخدم أيضاً لتحسين فعالية المفاوضات التجارية مع الحلفاء، وتفكيك التركزات في صنع السياسات داخل الوكالات. ومن الجيد أن نرى مجلس المنافسة في البيت الأبيض، الذي يضم التجارة، والخزانة، والنقل، وغيرها من الإدارات، يستخدم أدوات مثل هذه لتطوير سياسات أفضل.

وهكذا، فإنه في الأمن الاقتصادي، كما هي الحال في أي شيء آخر، البيانات هي القوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى